في دراسةٍ جديدةٍ نُشِرت في صحيفة (elife)، قام فيها العلماء بتحليل بياناتٍ ضخمةٍ لمعرفةِ مدى تأثير الفيروسات على تطوّر البشر والثّدْييّات الأخرى، وما وجدوه يقترح أنّ 30% من مجموع التّكيّفات الّتي تعرّضت لها بروتينات جسم الإنسان منذ انفصالنا عن الشّمبانزي، كانت بسبب الفيروسات.
عند حدوث تبدّلات بيئيّة، يكون على الأنواع التّكيّف؛ وذلك استجابة للطفرات في الحمض النوويّDNA . وبالرّغم من أنّ هذه الطّفرات تحدث بشكلٍ عشوائيّ، إلّا أنّ بعضها وبالصّدفة، يجعل بعض الكائنات الحيّة (العضويّات) تتأقلم بشكلٍ أفضل مع البيئة الجديدة، حيث تُدعى «بالطّفرات التّكيّفيّة».
في العقد الماضي، اكتشف العلماء عددًا ضخمًا من الطّفرات التّكيُّفيّة في مواقعَ متنوّعة من جينوم الإنسان والثّدْييات، وقد شكّل هذا الانتشار الواسع لغزاً، فما هو نوع الضّغوط البيئيّة الّتي قد تؤدّي إلى إحداث الكثير من التّغيّرات في العديد من أجزاء الجينوم؟
الفيروسـات هي المشتبه به المثاليّ، فَهِـيَ دائمًا ما تكون موجودةً، ودائِمة التّبدّل والتّفاعل مع مئات اللآلاف من البروتينات. يقول د. دايفيد إينارد (Dr. David Enard) – المؤلّف الرئيس من جامعة ستانفورد: «عندما يكون لدينا وباء مُتَفشٍّ أو وباء في مرحلة ما من التّطوّر، فالمجموعة المُستهدفة من الفيروس إمّا أن تتكيّف أو تنقرض. ونحن نعلم هذا، ولكن ما فاجَأنا هو مدى قوّة ووضوح النّماذج الّتي وجدناها».
في بحثٍ سابق، كان التّركيز على دراسة التّفاعلات بين الفيروسات والبروتينات الّتي لها علاقة مباشرة بالاستجابة المناعيّة، بينما هذه هي الدّراسة الأولى الّتي تأخذ نظرةً شاملة على كلّ أنواع البروتينات. يقول د. إينارد: «التّقدّم الكبير الّذي حقّقناه في هذا الاكتشاف، أنّه ليس فقط البروتينات المُتخصّصة جدًّا في الاستجابة المناعيّة هي الّتي تتكيّف ضدّ الفيروسات. وبذلك، فإنَّ أيّ بروتين يتعرّض للفيروس، يمكن أن يشارك بالتّكيف ضدّه، ويبدو أنّ التّكيّف الحاصل خارج أنظمة الاستجابة المناعيّة، بِقَدْر الحاصل داخلها على أقلّ تقديرٍ».
خطوة الفريق الأولى، كانت بتعريف جميع البروتينات الّتي تتواصل بشكل فيزيائيّ مباشرٍ مع الفيروسات، وبعد مراجعة عشرات الآلاف من الأوراق العلميّة، قاموا باختيار 1256 بروتينًا.
يقول العلماء المشاركون: «قمنا بتعريف 1256 بروتينًا يتفاعل بشكلٍ فيزيائيّ مع الفيروسات من أصل 9861 بروتينًا مترافقًا مع تغيّرات في الجينوم الخاصّ بـ24 حيوانًا من الثّدييات الدّاخلة في الدّراسة».
كانت الخطوة التّالية للفريق هي إنشاء خوارزميّات لصقل قاعدة بيانات الجينوم البشريّ؛ لمقارنة تطوّر البروتينات المتعرّضة للفيروسات مع باقي البروتينات، وكانت النّتيجة بأنّ البروتينات المُتفاعلة مع الفيروسات، قد تعرّضت لتعديلاتٍ أكثر بثلاث مرات من باقي البروتينات.
يقول د. دميتري بتروف من جامعة ستانفورد: «جميعنا مهتمّون بكيفيّة تطوّرنا وتطوّر باقي العضويّات، وبالعوامل الّتي جعلتنا على ما نحن عليه اليوم. هذه الدراسة تُفضي إلى أنَّ المعركة الدّائمة مع الفيروسات قد شكـَّلتنا من كلّ جانب، وليس فقط البروتينات الّتي تُحارب العدوى، فجميع العضويّات قد عاشت وتفاعلت مع الفيروسات لمليارات السّنين، وهذا البحث يُظهر أنَّ هذا أثَّر على كلِّ جزءٍ من الخليّة».
فالفيروسات تسرق كلّ وظيفة من وظائف خلايا الكائن المضيف لتَتَناسخ وتنتشر؛ لذا، من المعقول أن تقود التّطوّر على المستوى الخلويّ إلى تأثيرٍ أعظم من باقي العوامل الأخرى؛ كالافتراس أو الظّروف البيئيّة.
قامت هذه الدّراسة بتسليط الضّوء على أحد أكثر المسائل غموضًا في علم الأحياء، مثل – ما هو السّبب في أنّ الأنواع المتقاربة طوّرت آليات مختلفة للقيام بوظائف خلويّة متماثلة؛ كتناسُخ الحمض النووي أو إنتاج الأغشية الخلويّة. في السّابق، لم يعرف العلماء ما هي القوى التطوّريّة الّتي تُؤدّي لمثل هذه التّغيّرات.
يقول د. بتروف: «هذه الدّراسة هي الأولى الّتي تقدّم بياناتٍ ضخمة وواضحة كفاية؛ لشرح تلك المعضلات بضربة واحدة».
المصدر: sci-news
اقرأ أيضًا: الإنزيم الذي يفسر أصل الحياة الآن في أنبوبة اختبار