التطور يحدث على مدى ملايين السنين ومن الصعب اجرائه في المختبر، لكن لدينا هنا واحده من اعظم التجارب التي حدثت امام اعين الباحثين لانتاج صفة نادرة ومعقدة جديدة لدى احدى انواع البكتريا. تم استعمال البكتريا في هذه التجربة لانها سريعه النمو ودورة حياتها قصيره لذلك من الممكن انتاج اجيال عديده خلال فترة قصير.
منذ عشرين سنة ماضية قام العالم البايلوجي Richard Lenski المتخصص بتطور الكائنات الحية بأخذ مجموعة نقية من البكتريا المعوية Escherichia coli واستعملها لانتاج 12 مجموعة تختلف عنها عن طريق التطور.
فقد قام بتنميتها في أوساط زرعية مختبرية منذ ذلك الوقت لانتاج اكثر من 44000 جيل جديد وهو يلاحظ تراكم الطفرات في كل جيل وماذا يحدث من تغيرات للجيل الجديد. فكانت ملاحظاته:
تغيرات عشوائية لايمكن فهمها :
كانت المجموعات الـ 12 بالغالب متشابهة ونموها طبيعي فهي تكوّن خلايا كبيرة تنمو بسرعه على الاوساط الزرعية التي تحتوي على الكلوكوز. لكن يحدث سلوك غريب في نموها بعض الاحيان، ففي الجيل 13500 حدث شيء غريب لاحدى المجموعات اذ بدأت البكتريا فجأة باكتساب القدرة على تحليل السترات واستخدامها كمصدر للغذاء. السترات هي احدى مكونات التغذية الثانوية في الوسط الزرعي وبالحاله الطبيعية لا يمكن لبكتريا E. coli استخدامها كمصدر للغذاء.
وفي الحقيقة ان عدم القدرة على استخدام السترات كمصدر للغذاء هي اهم صفات لبكتريا E. coli لتشخيصها وتمييزها عن بقية انواع البكتريا. فالطفرة التي حصلت وجعلت البكتريا تستخدم السترات زادت من تنوع وحجم مستعمرات البكتريا على الوسط الزرعي.
قال ريتشارد ” انها اغرب حادثة لايمكن تفسيرها حصلت اثاء التجربة، فكان اختلاف تلك المجموعة واضح جداً فهي تختلف تماما عن بقية المجموعات، وهو خارج ماكان يعتمد عادة كحدود لنوع E. coli وتمييزها عن بقية الانواع. مما يجعل هذه الحاله مثيره للاهتمام.”
حساب الطفرات النادرة :
بالاعتماد على العدد الكافي من خلايا البكتريا الحية والميتة قام ريتشارد بحساب العدد الكلي للطفرات التي تحدث عدة مرات وتتراكم مع كل جيل. يعني ذلك ان طفرة السترات يجب ان تكون طفرة خاصة ومميزه عن بقية الطفرات. فهي اما كانت طفرة استثنائية احتمالية حدوثها بعيده، او انقلاب نادر في اتجاه الكروموسوم او ان اكتساب القدرة على استخدام السترات كان نتيجة لتراكم عدد كبير من الطفرات في تواليات الكروموسوم.
لمعرفة ذلك كان ريتشارد قد حفظ عينات من كل المجموعات بالتجميد بعد كل 500 جيل، سمح ذلك له ان يعيد التجربة من اي نقطة بدأ منها، اذ يقوم بتنشيط البكتريا من جديد ويزرعها على الاوساط ليسمح لها ان تعيد تطورها.
المفاجئة الكبرى هي هل ان اسلاف المجموعات التي طورت طفرة السترات تستطيع ان تطور مجموعات تمتلك هذه الطفرات مرة اخرى او لا ؟
برهان التطور :
بينت تجربة اعادة تنمية عينات المجموعات المجمدة انه من بين ترليونات الخلايا النامية فقط أسلاف الخلايا القادرة على استهلاك السترات استطاعت ان تنتج مجموعات تحتوي طفرة استهلاك السترات، حدث ذلك فقط عندما أعاد تنمية المجموعات من الجيل ٢٠٠٠٠ وما فوقه، لذلك استنتج ان المجموعة المعنية في الجيل ٢٠٠٠٠ تملك اساس صفة استهلاك السترات والتي ستتطور فيما بعد.
ريتشارد وزملائه حاليا يعملون على تشخيص التغيير المبكر الذي أدى الى امتلاك البكتريا لمثل هذه الصفة، ونلاحظ من ذلك ان التجربة برهنت على ان التطور لا يقود دائما لإنتاج أفضل الخيارات الممكنه. بل ان صدفة تحدث تستطيع ان تفتح أبواب التطور لمجموعة واحدة تبقى للأبد بينما يبقى طريق التطور مسدود للمجموعات الاخرى.
المصدر: newscientist
اقرأ أيضًا: أحفورة جديدة تعيد زمن ظهور جنسنا Homo أربعمئة ألف عام إلى الوراء