حشرات من العصر الجوراسي تنكرت كأوراق شجر قبل 165 مليون سنة

تُظهر الصورة أحافير من فصيلة الجداجد محدبة الجناح (Prophalangopsidae) تنتمي إلى كائنات تجمع داوهوغو الحيوي، حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.
تُظهر الصورة أحافير من فصيلة الجداجد محدبة الجناح (Prophalangopsidae) تنتمي إلى كائنات تجمع داوهوغو الحيوي، حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.

تمكن فريقٌ بحثي بقيادة البروفيسور هوانغ ديينغ من معهد نانجينغ للجيولوجيا وعلم الحفريات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم من تحديد ثلاثة أنواع من فصيلة الجداجد محدبة الجناح تعود إلى العصر الجوراسي، وهي مجموعة تضم الجنادب والصراصير وأقرباءها. أظهرت هذه الأنواع أنماطًا على الأجنحة الأمامية تكاد تتطابق مع أوراق نبات البينيتيات (Bennettitales)، وهو نبات بذري منقرض كان يشبه السيكاديات.

عُثر على هذه الأحافير، التي تنتمي إلى الفصيلة الفرعية أبويليناي (Aboilinae) المتفرعة من فصيلة الجداجد محدبة الجناح، ضمن كائنات داوهوغو الحيوية في منغوليا الداخلية شمال شرق الصين، في طبقات يعود تاريخها إلى نحو 165 مليون سنة. نُشرت نتائج الدراسة مؤخرًا في مجلة علم الأرض (Geology)، تمثل هذه الدراسة الدليل الأول القاطع على وجود حشرات محاكاة، تم حفظها جنبًا إلى جنب مع نماذجها النباتية في نفس الطبقة الجيولوجية.

تحت ضغط الافتراس، تطور الحيوانات مجموعة واسعة من السمات الدفاعية، ويعتبر التقليد (المحاكاة) من أكثر الاستراتيجيات فعالية لدى الحشرات. ينتشر تقليد الأوراق بشكل واسع في رتب متعددة من الحشرات، مثل حرشفيات الأجنحة (الفراشات والعث)، ومستقيمات الأجنحة، وعصبيات الأجنحة (أسد المن)، والشبحيات، وفرس النبي. مع ذلك، بقيت الأدلة الأحفورية على هذا النوع من التكيف نادرة، وغير حاسمة في غالب الأمر، حتى ظهرت هذه الدراسة.

قام الفريق بتحليل أحافير داوهوغو، وحدد نمطين مميزين للتقليد. في نوع أبويلوس ستراتوسوس (Aboilus stratosus)، تتسم الأجنحة الأمامية بستة إلى سبعة أشرطة عرضية مستطيلة، تفصلها شريطةٌ طولية تمتد من القاعدة حتى الحافة. يُحاكي هذا النمط إلى حد كبير الجزء الخارجي من سعف نبات الأنوموزاميتس (Anomozamites)، وهو جنس من فصيلة البينيتيات (Bennettitales).

أما في جنس سيغمابويلوس (Sigmaboilus)، فيعبر الجناح الأمامي خط مائلٌ شبه طولي يربط بين ستة أشرطة عرضية مستطيلة، فيُنتج تصميمًا يُحاكي جانبًا واحدًا من سعفة الأنوموزاميت، كما لو أن السعفة انقسمت على طول محورها المركزي لتشكل نصفًا متماثلًا. وعندما تكون الحشرة في وضع السكون، تصطف الأجنحة الأمامية المزدوجة لتُكوّن وهمًا بصريًا لسعفة كاملة من الأنوموزاميت، تتوزع وريقاتها على محور مركزي واحد بانتظام مذهل.

 أوراق متحجرة لنبات الأنوموزاميت. حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.
أوراق متحجرة لنبات الأنوموزاميت. حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.

كانت البينيتيات (Bennettitales) أحد المكونات الرئيسة للغطاء النباتي في حقبة الحياة الوسطى، قبل ظهور النباتات المزهرة (كاسيات البذور). انتشرت أوراق الأنوموزاميت (Anomozamites) على وجه الخصوص بشكل واسع في أرجاء لوراسيا، وهي القارة العظمى القديمة التي ضمت كتل اليابسة المكونة لآسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية في عصرنا الحديث، من أواخر العصر الترياسي إلى أوائل العصر الطباشيري، حيث شكلت جزءًا أساسيًا من نباتات تجمع داوهوغو الحيوي.

أظهر التحليل الإحصائي الذي أجراه الباحثون ارتباطًا لافتًا بين المجموعتين؛ إذ بيّنت النتائج أن كلاً من أبويلينا أورثوبتيران(Aboilina orthopteran) والأنوموزاميت اتّبعتا أنماطًا متشابهة في ازدهار الأنواع وتراجعها، بلغت ذروتها خلال العصر الجوراسي الأوسط ثم تراجعت بحلول أوائل العصر الطباشيري. ويُشير هذا التوازي في الأنماط إلى علاقة بيئية محتملة بين المجموعتين عبر الزمن.

تدعم أدلة إضافية هذا الارتباط البيئي؛ إذ كان كل من أبويليوس (Aboilus) وسيغمابويليوس (Sigmaboilus) من الحشرات العاشبة كبيرة الحجم التي عاشت ضمن تجمع كائنات داوهوغو الحيوية.

وتُظهر أوراق الأنوموزاميت المستخرجة من الطبقات الأحفورية ذاتها شقوقًا صدفية متفاوتة العمق على أطرافها، وهي علامات تُفسر على أنها آثار تغذية عشبية.

استنتج الباحثون أن هذه الحشرات، التي كانت تُحاكي أوراق النباتات الجوراسية، عاشت وتغذت على نباتات الأنوموزاميت نفسها، وأن هذا التفاعل البيئي المستمر ربما وفر السياق الوظيفي لتطور سمة محاكاة الأوراق لديها.

تصوير فني توضيحي لنوعين من فصيلة البروفالانجوبسيد يُظهر أنماطًا مميّزة من محاكاة أوراق الأنوموزاميت. حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.
تصوير فني توضيحي لنوعين من فصيلة البروفالانجوبسيد يُظهر أنماطًا مميّزة من محاكاة أوراق الأنوموزاميت. حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.
العلاقة بين محاكاة الأوراق لدى مستقيمات الأجنحة والمجموعات النباتية السائدة عبر فترات جيولوجية مختلفة. حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.
العلاقة بين محاكاة الأوراق لدى مستقيمات الأجنحة والمجموعات النباتية السائدة عبر فترات جيولوجية مختلفة. حقوق الصورة: معهد علوم الحفريات الفقارية في بكين.

تقترح الدراسة أيضًا أن ارتفاع ضغط الافتراس خلال العصر الجوراسي كان من العوامل التي حفزت تطور محاكاة الأوراق لدى مستقيمات الأجنحة. فمع أن الطيور الجذعية كانت نادرة آنذاك، احتضنت منطقة داوهوغو مجموعةً متنوعة من الحيوانات المفترسة القادرة على افتراس أفراد فصيلة البروفالانجوبسيد، التي تنتمي إليها هذه الحشرات الأحفورية. ومن بين تلك المفترسات الفولاتيكوثيريوم (Volaticotherium)، من أقرباء الثدييات الحشرية المنزلقة، وإيبيدندروصوروس (Epidendrosaurus) و إيبيديكسِبتيريكس (Epidexipteryx)، وهما ديناصوران شجريان صغيران، و جِيهولوبتروس (Jehholopterus)، وهو تيروصور عديم الفك آكل للحشرات.

في حقبة الحياة الحديثة (العصر السينوزوي أو عصر الثدييات)، التي بدأت قبل نحو 66 مليون سنة، تطورت الجنادب، وهي مجموعة فرعية من مستقيمات الأجنحة، إلى أشكال أكثر تطورًا من المحاكاة، شملت تقليد الأوراق الميتة والأوراق المتآكلة جزئيًا.

ويُرجح أن يعكس هذا التخصص المتزايد تصاعد ضغط الافتراس، مدفوعًا بظهور سلالات الطيور الحديثة وتنوعها السريع بعد أواخر العصر الطباشيري، وما تبعه من انتشار واسع للطيور الجواثم (Passeriformes) خلال المرحلة الانتقالية من العصر الباليوجيني إلى العصر النيوجيني، أي قبل نحو 23 مليون سنة.

تُعَد مستقيمات الأجنحة اليوم من أكثر الحشرات العاشبة وفرةً على سطح الأرض، وتُظهر السجلات الأحفورية أن استراتيجياتها في المحاكاة تكيفت على نحو متواصل مع التحولات في المجموعات النباتية السائدة عبر العصور الجيولوجية؛ فمن النباتات الحاملة للأبواغ وعاريات البذور، مثل الصنوبريات والسيكاديات، التي سادت خلال حقبتني حقبة الحياة القديمة والحياة الوسطى، إلى كاسيات البذور التي أصبحت المكون الرئيسي للغطاء النباتي في حقبة الحياة الحديثة.

يُسلط هذا الاكتشاف الضوء على التفاعل الديناميكي المعقد بين تعاقب المجتمعات النباتية، وضغوط الافتراس، وتطور السمات الدفاعية لدى الحشرات. كما يُسهم في توسيع الفهم العلمي للأهمية البيئية والتاريخ التطوري لظاهرة محاكاة الأوراق لدى مستقيمات الأجنحة، بوصفها نموذجًا بارزًا لتكيف الكائنات مع بيئاتها عبر الزمن الجيولوجي.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *