دراسة على طفيليات عديمة الفك تكشف دور خلايا العرف العصبي في نشأة وتطور الغدة الدرقية

يرقة سمكة جلكي، مع تلوين القلم الداخلي بالوردي، وهو الجزء الذي سيتحول لاحقًا إلى الغدة الدرقية مع نضج السمكة. حقوق الصورة: ج. ستوندل.
يرقة سمكة جلكي، مع تلوين القلم الداخلي بالوردي، وهو الجزء الذي سيتحول لاحقًا إلى الغدة الدرقية مع نضج السمكة. حقوق الصورة: ج. ستوندل.

تُعد الغدة الدرقية أحد أهم الغدد الصماء في الفقاريات، إذ تنظم عمليات الأيض وتدعم النمو، وهي أول غدة تنضج ضمن كل من الجهازين العصبي والصماوي خلال تطور الجنين. ويُعتقد أن عمرها يعود إلى أكثر من 500 مليون سنة، إذ تطورت من بنية بدائية موجودة في أوائل الحبليات تُعرف باسم القلم الداخلي (بالإنجليزية: Endostyle).

وفي دراسة حديثة استخدمت الجلكيات كنموذج بحثي، كشف علماء من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا أن ظهور الغدة الدرقية ارتبط بالاكتساب التطوري لنوع خاص من الخلايا الجذعية يُسمى خلايا العرف العصبي (neural crest cells)، والتي لعبت دورًا أساسيًا في تحول القلم الداخلي إلى غدة درقية.

وُصف هذا البحث في ورقة علمية نُشرت في مجلة ساينس أدفانسز (Science Advances)، وأُنجز معظمه في مختبر العالمة ماريان برونر، أستاذة علم الأحياء (كرسي إدوارد ب. لويس) ومديرة معهد بيكمان في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا.

يركز مختبر برونر منذ سنوات على دراسة خلايا العرف العصبي ودورها في نمو الفقاريات وتطورها. بحث الفريق سابقًا في دور هذه الخلايا في تكوين القشور العظمية التي تحمي أسماك الفصيلة الحفشية وأنواعًا أخرى بدائية، وفي تشكل أنسجة القلب لدى سمك الزرد والدجاج، وكذلك في إنتاج خلايا عصبية ضمن الجهاز العصبي المحيطي للجلكيات.

تقول برونر موضحة: «يبدو أن خلايا العرف العصبي هي محرك للتطور. حين طرح داروين نظريته حول التطور لأول مرة، درس تنوع أشكال مناقير طيور الشرشوريات في جزر غالاباغوس. تنشأ هذه المناقير، إلى جانب أجزاء أخرى من الوجه، من خلايا العرف العصبي. ويبدو أن هذه الخلايا قادرة على التغير بشكل أسرع مع مرور الزمن التطوري من الخلايا الأقدم».

نموذج مقترح يوضح كيف تطور القلم الداخلي (endostyle) إلى غدة درقية. حقوق الصورة: Science Advances (2025). DOI: 10.1126/sciadv.adv2657
نموذج مقترح يوضح كيف تطور القلم الداخلي (endostyle) إلى غدة درقية. حقوق الصورة: Science Advances (2025). DOI: 10.1126/sciadv.adv2657

من المعروف أن الفقاريات تمتلك خلايا العرف العصبي، في حين تغيب هذه الخلايا عن اللافقاريات، ما يشير إلى أنها ساهمت في تطور أشكال الجسم الأكثر تعقيدًا. ويستخدم مختبر برونر سمك الجلكي الطفيلي اللزج الذي يشبه ثعبان البحر كنموذج مثالي للدراسة، نظرًا لأنه يحتفظ بعدد من الخصائص التي تميز أوائل الفقاريات.

يبحث هذا العمل الجديد، بقيادة الباحث ما بعد الدكتوراه يان ستوندل، في كيفية مساهمة خلايا العرف العصبي في تطور القلم الداخلي (endostyle) لدى سمك الجلكي. ويُعد القلم الداخلي سمة تطورية فريدة للحبليات، وهو عضو بدائي يرتبط أساسًا بالتغذية بالترشيح. ومن اللافت أن الجلكي هو الفقاري الوحيد الذي ما زال يحتفظ بهذا العضو.

يتكون القلم الداخلي عند يرقات الجلكي من فصين على شكل فراشة، لكنه يتحول أثناء عملية الاستحالة إلى خلايا جريبات الغدة الدرقية. وقد تتبع ستوندل وفريقه مسار نشوء خمسة أنواع مختلفة من خلايا القلم الداخلي، منها نوعان مسؤولان مباشرة عن تكوين بصيلات الغدة الدرقية.

وللتأكد من الدور الجيني، استخدم الباحثون تقنية كريسبر (CRISPR) لحذف الجينات المرتبطة ببرنامج نمو العرف العصبي في أجنة الجلكي. فشلت أسماك الجلكي المعدلة في تطوير قلم داخلي مكتمل التكوين، وأظهرت بدلًا من ذلك فصًا بدائيًا يشبه النمط الداخلي المبسط لدى الحبليات اللافقارية. وتشير هذه النتائج إلى أن خلايا العرف العصبي تُعد أساسية لدفع عملية الانتقال التطوري من القلم الداخلي للحبليات إلى الغدة الدرقية لدى الفقاريات.

تشير هذه النتائج إلى أن خلايا العرف العصبي كانت عنصرًا أساسيًا في الانتقال التطوري من القلم الداخلي البدائي للحبليات إلى الغدة الدرقية في الفقاريات.

يوضح ستوندل: «الطبيعة الأم بارعة؛ فهي لا تبتكر دائمًا شيئًا جديدًا، بل قد تعيد تشكيل ما هو قائم. وهنا يبدو أن خلايا العرف العصبي كانت المفتاح لتمكين هذا التحول. ولولاها، لربما بقينا نعتمد على التغذية بالترشيح حتى اليوم».

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *