الرؤوس الزائفة في الفراشات: تطوّر مشترك لصفات دفاعية متكاملة

صورة لفراشة إيرامانا كولومبيا تُظهر السمات الخمس للرأس الزائف كما جرى توصيفها في هذه الدراسة. الصورة بعدسة مارك آيسينغ (https://www.markeisingbirding.com/) وأعيد نشرها بإذن منه. المصدر: وقائع الجمعية الملكية ب: العلوم البيولوجية(2025) ، Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences (2025)، المعرف الرقمي: 10.1098rspb.2025.0900.

غالبًا ما تتطور الحيوانات لتكتسب خصائص معيّنة تساعدها على الهروب من المفترسات بصورة أكثر فاعلية. تعمل بعض هذه الخصائص على صرف انتباه المفترسات بعيدًا عن رأس الحيوان.

اكتسبت أنواع عديدة من الفراشات خصائص من هذا النوع فطورت «رأسًا زائفًا» يتموضع على أجنحتها الخلفية في محاكاة للرأس الحقيقي. تستدرج هذه الرؤوس الوهمية المفترسات نحو جزء أقل أهمية من الجسم، ما يحمي الرأس الفعلي ويعزز فرص النجاة.

لوحظت «الرؤوس الزائفة» لدى العديد من الأنواع وسبق أن تطرق الباحثون إليها. مع ذلك، لم يجرى أي تحليل شامل يبين كيفية تطور هذه السمات، وما إذا كانت تُشكل مجموعة تكيفية (مجموعة من الصفات التي تطورت معًا لهدف مشترك) إلا لوقت قريب. من هذا المنطلق، نشر باحثون من معاهد الهند للتعليم والبحث العلمي (IISER) مؤخرًا دراسة في مجلة وقائع الجمعية الملكية ب: العلوم البيولوجية Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences (2025)، تعمّقوا فيها بالتاريخ التطوري لهذه السمات الدفاعية.

حلّل الباحثون نحو 1000 صورة لأنواع من فراشات الفصيلة النحاسية لتحديد العلاقة التطورية بين خمس سمات فردية تُسهم في تشكيل مظهر الرأس الزائف لدى تلك الأنواع. شملت هذه السمات: قرون استشعار زائفة تخرج من الأجنحة الخلفية، وبقعًا داكنة تشبه العيون، ونمطًا لونيًا بارزًا في منطقة الرأس الزائف، وحدودًا خارجية تُوحي بشكل الرأس، وخطوطًا متقاربة تلتقي عند موقع الرأس الزائف.

أجرى القائمون على الدراسة تحليلًا للصور لفحص العلاقة المحتملة بين حجم الفراشة وامتلاكها للرأس الزائف ولتقييم ما إذا كانت هذه السمات قد تطوّرت من أشكال بسيطة إلى أشكال أكثر تعقيدًا، وما إذا كانت قد تطوّرت بشكل مترابط.

أظهرت نتائج التحليل وجود ارتباط بين أربع من السمات الخمس المدروسة، وهي: قرون الاستشعار الزائفة، والبقع الداكنة الشبيهة بالعيون، والنمط اللوني البارز في منطقة الرأس الزائف، وحدود الرأس الزائف. وتشير الدراسة إلى أن هذه السمات تطوّرت معًا بمرور الوقت لتُشكّل نمطًا أكثر تعقيدًا يُشبه الرأس الحقيقي.

 تم إنشاء شجرة تطورية باستخدام منهج «الاحتمالية العظمى»، وذلك عبر برنامج «آي كيو تري (IQTREE)»، الذي اعتمد في بنائه على بنية مقيدة سلفًا للعلاقات التطورية بين الأنواع المدروسة، وتمت معايرة هذه الشجرة زمنيًا باستخدام أداة «ريل تايم-إم إل (RelTime-ML)» ضمن برنامج التحليل الوراثي «ميغا (MEGA)».

كذلك، توصل الباحثون إلى أن الخطوط المتقاربة على أجنحة الفراشة ترتبط تطوريًا مع حدود الرأس الزائف، لكنها لا تُظهر ترابطًا مع السمات الأخرى. وتدعم النتائج الفرضية القائلة بأن السمات الأربع المرتبطة تشكل مجموعة تكيفية متكاملة تهدف إلى تحويل انتباه المفترسات عن الرأس الحقيقي.

افترض الباحثون وجود علاقة بين حجم الفراشة وظهور الرأس الزائف، نظرًا لسهولة رصدها من قِبل المفترسات، غير أن النتائج لم تُظهر أي علاقة بين الحجم ووجود أنماط الرأس الزائف.

وأوضح الباحثون: «قد تُمارس المفترسات التي تعتمد على الرؤية، مثل الطيور والسحالي والعناكب وفرس النبي، ضغوط افتراس متشابهة على فراشات بأحجام مختلفة، ما يدفع إلى تطور سمات تمويهية متشابهة لدى الفرائس بمختلف الأحجام».

تشير الدراسة إلى أن بعض سمات «الرأس الزائف» قد تنحسر ثم تعود لتظهر في أجيال لاحقة، ويُعتقد أن السبب وراء ذلك يعود إلى التغيرات التي تطرأ على مجتمعات المفترسات.

واجه الباحثون في هذه الدراسة تحديات تتعلّق بتنوّع الأنواع ودقّة الصور المتوفرة، مع ذلك، تمكنوا من تسليط الضوء على المسار التطوري المعقد للسمات الدفاعية التي تُعيد توجيه انتباه المفترسات، وتكشف عن الظروف التي قد تقود إلى ظهور خصائص بارزة مثل الرؤوس الزائفة.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *