التاريخ الوراثي لكلاب الزلاجات يكشف أنماط هجرة البشر إلى غرينلاند

علاقة كلاب غرينلاند بسلالات الكلاب العالمية. المصدر: Science (2025). DOI: 10.1126/science.adu1990

ارتبط تاريخ كلاب الزلاجات بتاريخ البشر في القطب الشمالي على مدى آلاف السنين، لذا، من غير المفاجئ أن تعكس أنماط هجرتها أنماط هجرة البشر في المنطقة. ساعدت هذه الكلاب البشر على عبور البيئات القاسية ونقل الإمدادات الثقيلة والطعام، ما جعلها عاملًا أساسيًا في البقاء. مع ذلك، تحوّلت العديد من سلالات كلاب الزلاجات، مثل الهسكي السيبيري، والملموت الألاسكي، والـسامويد، إلى حيوانات أليفة، وغالبًا ما اختلطت بسلالات أخرى.

أما كلب الزلاجات الغرينلاندي، المعروف بالإنجليزية باسم (Qimmeq)، فيُعد من السلالات النادرة التي ما تزال تؤدي مهامها الأصلية في جر الزلاجات. حافظ هذا الكلب على عزلة وراثية أوضح من تلك التي تميّز السلالات التقليدية الأخرى، لكنه بات اليوم يواجه انخفاضًا حادًا في أعداده نتيجة تراجع الجليد القطبي، والتوسع العمراني، وتزايد الاعتماد على عربات الثلج، فضلًا عن تغيّر نمط حياة سكان المنطقة. فمنذ عام 2002، انخفض تعداد كلاب الزلاجات الغرينلاندية من نحو 25,000 إلى حوالي 13,000 بحلول عام 2020.

دفع هذا التراجع الكبير، إلى جانب العلاقة العريقة بين كلب الزلاجات الغرينلاندي والإنسان في المنطقة، فريقًا من الباحثين في المعهد الوطني لأبحاث الجينوم البشري (التابع للمعاهد الوطنية للصحة) إلى استكشاف أصول هذه السلالة وتنوعها الجيني بشكل معمّق، بهدف فهم تاريخها وتاريخ المجتمعات البشرية المحيطة بها.

حلل الفريقُ الحمضَ النووي لـ 92 عينة من كلاب الزلاجات الغرينلاندية تعود إلى الثمانمئة عام الماضية، وقارنها بـ 1998 جينومًا من كلابٍ وذئاب، قديمة وحديثة. ولتتبع التغيرات عبر الزمن، قُسمت هذه الجينومات إلى ثلاث فترات زمنية رئيسية: ما قبل الاتصال الأوروبي (من وصول شعب الإنويت إلى غرينلاند وحتى الاستعمار الدنماركي-النرويجي بين عامي 1721 و1884)، وما بعد الاتصال الأوروبي (من 1885 حتى 1998)، والفترة المعاصرة (منذ 1998). ساعد هذا التقسيم في فهم أثر التواصل الأوروبي مع غرينلاند ومدى انتشاره وتأثيره.

كشفت نتائج الدراسة، التي نُشرت مؤخرًا في مجلة ساينس (Science)، عن وجود هجرتين منفصلتين إلى غرينلاند. أظهرت العلامات الوراثية في جينوم كلاب الزلاجات الغرينلاندية (Qimmeq) أن وصولها إلى غرينلاند يعود إلى نحو ألف عام، أي أقدم مما كان يُعتقد سابقًا. كما تشير العلاقة الجينية القوية بين كلاب الزلاجات الغرينلاندية وسلالة كلاب ألاسكية قديمة، والتي تعود إلى نحو 3700 عام، إلى أن شعب الإنويت غادر ألاسكا وهاجر عبر الدائرة القطبية الشمالية بوتيرة سريعة نسبيًا.

التركيبة السكانية لكلاب غرينلاند. المصدر: Science (2025) DOI: 10.1126/science.adu1990.
التركيبة السكانية لكلاب غرينلاند. المصدر: Science (2025) DOI: 10.1126/science.adu1990.

اللافت في الدراسة أنها تلمّح إلى احتمال وصول شعب الإنويت إلى غرينلاند قبل النورديين (الشعوب الإسكندنافية القديمة)، مع أن التفاعل بين المجموعتين يبدو أنه كان محدودًا. وجاء في نص الباحثين: «من المعروف أن النورديين أسسوا مستوطنات في جنوب غرب غرينلاند بعد عام 985 ميلادي، غير أن مستوى تواصلهم مع الإنويت الذين كانوا يقيمون هناك ما يزال غير واضح».

تُظهر النتائج أن كلاب الإنويت حافظت على عزلتها الوراثية عن الكلاب التي جلبها المستعمرون الدنماركيون والنرويجيون، فأثر الأصول الأوروبية الذي رُصد في الجينوم الحديث لكلاب الزلاجات الغرينلاندية كان محدودًا جدًا. مع ذلك، أظهرت نتائج الدراسة تغيرات واضحة على التنوع الجيني الإقليمي لكلاب الزلاجات الغرينلاندية بعد الاستعمار الدنماركي النرويجي، إذ بدأت مجموعات الكلاب الغرينلاندية المحلية تتمايز وراثيًا إلى مجموعات إقليمية متميزة، في انعكاس لحالة التباعد التدريجي التي شهدها السكان الأصليون في غرينلاند، وظهور ثقافات فرعية أكثر تمايزًا من حيث التوزّع الجغرافي.

بصورة عامة، تسلط هذه النتائج الجديدة الضوء على الرابط العميق بين شعب الإنويت وكلابه المزلِجة، وتُبرز أهميتها الثقافية. وتوفر الدراسة معلومات علمية قيمة من شأنها أن تدعم جهود الحفاظ على سلالة كلاب الزلاجات الغرينلاندية في ظل التحديات التي تفرضها التغيرات المناخية والعولمة.

ترجمة: علاء شاهين

المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *