سمكة “أبو شوكة Sticklebacks” هي أحد أفضل الحيوانات لدراسة تأثير الجينات على شكل الجسم ، فقد انتقلت هذه السمكة من المحيطات المفتوحة إلى آلاف الجداول و البحيرات ذات المياه العذبة و في كلّ مرّة تنتقل فيها هذه السمكة إلى بيئة جديدة تغيّر هيكلها العظمي ليتلائم مع البيئة المحيطة.
الدراسات التي أُجريت على مجموعات من أسماك أبو شوكة البحرية و تلك التي تسكن المياه العذبة كشفت إحدى الجينات المسؤولة عن عدد الأسنان لديها ، كما قدّمت دليلاً على أنّ تغيّرٌ بسيطٌ في الترتيب الجيني لدى المجموعة التي تسكن المياه العذبة مرتبطٌ بتضاعف عدد الأسنان لدى السمكة.
و يقول علماء في جامعة كاليفورنيا ، بيركيلي أنّ الجين النظير لهذا الجين عند الإنسان ربما يلعبُ دوراً في تكوّين الأسنان و الفك و العظام.
تذهبُ هذه الدراسة إلى أنّ الجينة المُسماة Bmp6 تلعب دوراً مهماً في تجديد أعضاء الفقاريات بحسب قول قائد البحث Craig Miller أستاذ بيولوجيا الخلايا و الجزئيات في الجامعة و يضيف :” إنّ فهم كيفية تجدّد الأسنان لدى هذه الأسماك قد يقودنا يوماً إلى استبدال الأسنان لدى البشر على سبيل المثال”.
“هناك رابطٌ بيولوجي بين عدد الأسنان و حدوث “الشفة المشقوقة” لأن المناطق نفسها من الجينوم تتحكم في كلتا الصفتين” كما أضاف Miller :”معرفة أيّة من الجينات تتحكم بعدد الأسنان مهمٌ جداً لفهم كيف تحدث بعض التشوّهات كالشفة المشقوقة”.
هذه الاكتشافات تشير أيضاً إلى قدرة التطوّر على تغيير شكل الجسم و إنتاج أشكالٍ جديدة ، و يعزو العلماء هذه النتائج إلى التغيرات التي تطرأ على المنطقة المُنظمة لجينةٍ عاملةٍ لا إلى الطفرات التي تطرأ على هذا الجين.
حتّى الآن تم إثبات أنّ هذه التغيرات في الترتيب الجيني تساهم في فقدان الصفات ، مثل الصفائح و الزعانف الحوضيّة و الخُضاب لكن هذه هي المرّة الأولى التي يتمّ إثبات إمكانية اكتساب صفاتٍ جديدةٍ بهذه الطريقة.
التأقلم السريع على الحياة في المياه العذبة..
أسماك أبو شوكة ثلاثية الأشواك و اسمها العلمي Gasterosteus aculeatus كأسماك السلمون تعيش في المحيطات و لكنها تسبح إلى أعلى جداول المياه العذبة لتتكاثر ، و منذ نهاية العصر الجليدي قبل حوالي 12 ألف عام استعمرت العديد من أسماك أبو شوكة هذه البحيرات و الجداول حيث تغيّرت أجسامها لتتأقلم مع البيئة الجديدة فقد ازداد عدد الأسنان و أصبح عظم الفك أقوى على الأغلب بسبب الفرائس الأكبر حجماً في المياه العذبة و قد فقدت دروعها و التفسير الأرجح هو قلة عدد المفترسين و الأعداء في المياه العذبة ، هذه التغيّرات استغرقت بالكاد عشرة أعوام لتحدث في بحيرة في آلاسكا.
قام Miller و زميله David Kingsley و علماءٌ آخرون من معهد Broad عام 2012 بتحليل جينومات واحد و عشرين مجموعة مختلفة من أسماك أبو شوكة و قد لاحظوا أنّ هذه المجموعات تملك تقريباً نفس الجينات ، لكنّ التغيّر السريع في تنظيم الـDNA لديها يؤدي إلى تغيّر تعليمات الجينات لتتأقلم مع تبدّل البيئات.
و لأن المجموعات التي تعيش في المياه المالحة (التي تشكل سلف هذه الأسماك ) تستطيع أن تتكاثر مع المجموعات التي تعيش في المياه العذبة و أن تنتج ذريةً قادرةً على التكاثر ، قام الباحثون بمزاوجة أفراد من مجموعاتٍ مختلفة لمعرفة الجينات و المناطق التنظيمية على الجينوم المسؤولة عن تغيّر شكل الجسم.
عام 2007 و بعد وقتٍ قصير من تحليل جينوم السمكة بشكل كامل ، قام Miller بمزاوجة 11 مجموعة مختلفة من أسماك أبو شوكة من مختلف أنحاء العالم ليتعقب الجين المسؤول عن التصبّغ لدى الأسماك و البشر.
و تشير الدراسة إلى أنّ جينةً واحدةً و هي bone morphogenetic protein 6 (Bmp6) مسؤولةٌ عن عدد الأسنان ، ففي حين أنّ هذه الجينة تبدو متطابقةً في كلّ مجموعات هذه السمكة ، فالمناطق التنظيمية من الـDNA المجاورة لجينة Bmp6 تختلف بين المجموعات البحرية و مجموعات المياه العذبة و هو ما يفترض أنّ التغيرات في المناطق التنظيمية من الـDNA مسؤولةٌ عن ازدياد عدد الأسنان. فجينة Bmp6 مُعبَّر عنها في أسماك أبو شوكة التي تعيش في المياه العذبة أكثر منه في تلك التي تعيش في المحيطات.
يقول miller :”إنّ تقويّة إشارات جينة Bmp6 يضاعف عدد الأسنان ، من المفاجئ معرفة إن الأساس الجيني لاكتساب شيءٍ جديدٍ كأسنان جديدة مثلاً بسيطٌ ، تغييرٌ بسيطٌ في جين تنظيمي Regulator gene له أثرٌ هائل في ذلك”.
الزيادة في نشاط جين Bmp6 يحدث في آخر مراحل تطوّر يرقة السمكة ، حين يكون طولها يقارب 2.5 سم و تكون في منتصف طريقها إلى البلوغ.
قبل ذلك ، يكون عدد الأسنان متساوٍ في كلّ من الأسماك البحرية و المياه العذبة.
عدد أسنان أسماك المياه العذبة يستمر في الازدياد طيلة حياتها كما يزداد حجم لوحة الأسنان و كثافة الأسنان لديها.
“أسماك أبو شوكة التي تستعمر المياه العذبة تستمر في صنع الأسنان الجديدة بشملٍ دائم في حين أنّ أسلافها البحرية تتوقف عن ذلك في مرحلة ما” و يضيف Miller “علماء البيولوجيا كانوا على معرفةٍ سابقة أن أسماك القرش و بعض أنواع الأسماك الأخرى تقوم بتجديد أسنانها ،لكن لم تكن هناك أي فكرة عن الأساس الجيني لهذه العملية”.
و قد استطاع Miller و زملاؤهُ من تحديد جينة Bmp6 من خلال مزاوجة أسماك أبو شوكة بحرية من آلاسكا مع أخرى من بحيرة Paxton العذبة في كندا ، الأسماك من البحيرة الكندية تملك ضعف عدد الأسنان التي تملكها تلك التي تسكن المحيط قبالة آلاسكا.
Miller و زملاؤهُ حدّدوا سابقاً سبع مناطق من جينوم السمكة على علاقةٍ بعدد الأسنان لكن الدراسات الأخيرة قلصت هذه المناطق إلى واحدة تقع على الكروموزوم الواحد و العشرين تحوي الجينة Bmp6.
Coauthors of the paper are : Phillip A. Cleves, Nicholas A. Ellis and Monica T. Jimenez of UC Berkeley; Stephanie M. Nunez and David M. Kingsley of Stanford University; and Dolph Schluter of the University of British Columbia in Vancouver, Canada
المصدر: Berkeley News
اقرأ أيضًا:
دراسة: التطور ليس عشوائيًا بالمرة، بل يتخذ أنماطًا جينية يمكن توقعها