إعادة التفكير في أصل البروتينات: دراسة تقلب المفاهيم الراسخة في الكيمياء الحيوية التطورية

كيف بدأت الحياة؟ قد تكشف البروتينات القديمة عن مفاتيح حاسمة تساهم بالإجابة على هذا السؤال.
فكل كائن حي على وجه الأرض يتألّف من بروتينات. ومع أن جميع الكائنات، حتى أحادية الخلية منها، تمتلك اليوم بنى بروتينية معقدة، لم يكن الحال كذلك في بدايات الحياة.

لطالما افترض علماء الكيمياء الحيوية التطورية أن معظم البروتينات القديمة نشأت من نمط بنيوي بسيط يُعرف باسم motif متمثل بوحدة هيكلية صغيرة تتكرّر في البروتينات وتؤدي وظيفة محددة، مثل الارتباط بالجزيئات الحيوية.

لكن دراسة حديثة كشفت أن هذا النمط، إذا لم يكن ضمن البنية الكاملة للبروتين، لا يؤدي الدور الحيوي الذي كان يُعتقد أنه يقوم به. نُشرت هذه النتائج في مجلة موليكيولار بيولوجي آند إيفوليوشين. Molecular Biology and Evolution.

تولّى قيادة الفريق الدولي من الباحثين كلٌّ من لين كاميرلين، أستاذة في كلية الكيمياء والكيمياء الحيوية بجامعة جورجيا للتقنية، والحاصلة على كرسي «فاسر وولي» للتصميم الجزيئي، وليام لونغو، الأستاذ المشارك المعين خصيصًا في معهد علوم الأرض والحياة التابع لمعهد العلوم في طوكيو، اليابان.

قالت كاميرلين: «من المحتمل أن يكون هذا النمط البنيوي مجرد أحفورة جزيئية تآكلت مع الزمن، وطُمست طبيعتها الحقيقية بفعل مليارات السنين من التطور». وأضافت: «يعيد هذا العمل تشكيل تصورنا الكامل حول البروتينات. الأمر أشبه بلعبة جيوباردي خاصة بالبروتينات، علينا الآن أن نُعيد التفكير في ما كان عليه السؤال الأصلي».

بروتينات ما قبل التاريخ

ليس من المفاجئ أن تبقى هذه الفرضية مقبولة لفترة طويلة دون تشكيك؛ فالنمط البنيوي الذي يدور حوله الحديث يرتبط بعنصر الفوسفور، وهو عنصر أساسي للحياة. وقد كانت كثير من البروتينات الأولى في تاريخ الحياة ترتبط بمركّبات تحتوي على الفوسفور. تنوّعت أشكال هذه البروتينات، لكنها كثيرًا ما اشتركت في احتوائها على النمط البنيوي نفسه.

قال لونغو: «لطالما اعتبر الباحثون هذا التكرار دليلاً على أن البروتينات المعقّدة التي نعرفها اليوم تطوّرت من هذا النمط بعينه، وأن هذا البروتين الصغير شكّل النواة الأولى التي انبثقت منها عائلات كاملة من البروتينات».

من أجل تتبّع أصل هذا البروتين، استعرض الباحثون البيانات المتوفرة حول البنى البلورية للبروتينات، ثم قاموا بتحديد البروتينات ذات الصلة وتحليلها باستخدام النمذجة الحاسوبية. ومع أنّهم وجدوا تشابهًا بنيويًا في بعض أجزاء النماذج، إلا أن النمط البنيوي المعني لم يكن مطابقًا، فقد اكتشفوا وجود أنواعًا متعددة من البروتينات القادرة على الارتباط بالفوسفات، ما يعني أن الاعتقاد بتمتع هذا النمط بميزة فريدة بحد ذاته كان خاطئًا.

وقالت كاميرلين:

«لا نفترض أن العيون هي التي أوجدت الرؤوس لمجرد أن معظم الرؤوس تحوي عيونًا؛ فالرؤية ليست وظيفة منفردة، بل نتيجة نظام متكامل من العمليات الحيوية المتشابكة». «يمثل الببتيد الأولي الذي ندرسه حالة مماثلة. لا يظهر تأثيره الحقيقي إلا عندما يكون جزءًا من منظومة أوسع».

إمكانيات بروتينية

اختبر الباحثون فرضيتهم في بيئتين مختلفتين: الماء، والميثانول، وهو مركب يحاكي البيئات التي تحوي كميات أقل من الماء على سطح الأرض. ووجدوا أنماطًا بنيوية مماثلة للبروتين حتى في بيئة الميثانول، ما يؤكد أن النمط البنيوي الشهير ليس فريدًا من نوعه، بل مجرد واحد من بين العديد من الأنماط الممكنة التي تتشارك خصائص مشابهة.

ما كان يُعتقد أنه أحد اللبنات الأساسية في الحياة المبكرة، قد لا يكون سوى شظية أحفورية.. جزء غير مكتمل من الصورة الكاملة.

يسهم عمل كاميرلين ولونغو في تعميق فهمنا لأصول الحياة، كما يساعد في تسريع وتيرة التقدّم في مجال التكنولوجيا الحيوية.

فكلما ازداد فهمنا لتطوّر البروتينات الطبيعية، زادت قدرة الباحثين على تصميم بروتينات اصطناعية تُستخدم في مجالات متعددة، من إيصال الأدوية إلى تصميم لقاحات جديدة.

ولا يزال هذا البحث في بداياته.

أما الآن، وبعد أن ثبت أن هذا النمط البنيوي ليس فريدًا، يبقى السؤال: متى أصبح هذا النمط هو السائد؟
وما هي الأشكال الأخرى التي كانت ممكنة للحياة في بداياتها؟

قد تُفضي إجابات هذه الأسئلة إلى اكتشافات علمية تُحدث أثرًا على مستوى البشرية جمعاء.

ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *