كيف غيّرت العصور الجليدية تركيبة الطيور في نيوزيلندا؟

عندما وطأت أقدام البشر شواطئ أوتياروا نيوزيلندا وبدأوا في تكييف الأرض وفقًا لاحتياجاتهم، انطلقت تغييرات هائلة.

لم يعد المشهد الطبيعي اليوم يشبه بأي حال ما كان عليه قبل ألف عام فقط. فقد اختفى أكثر من 70% من الغطاء الغابي منذ وصول البشر. وحلّت الحشائش والأراضي الشجرية، وقبل كل شيء، المساحات الزراعية المفتوحة محل الغابات الأصلية.

وقد أثّرت هذه التغييرات بشكل كبير على الطيور في البلاد. بعض الأنواع، مثل طائر الموا، انقرضت تمامًا بسبب الصيد الجائر. بينما وقعت أنواع أخرى فريسة مباشرة للحيوانات المفترسة من الثدييات. وتعرضت العديد من الأنواع لتدمير شديد في مواطنها الطبيعية، ولا يزال فقدان الموائل المناسبة يمثل تحديًا رئيسيًا للحفاظ على التنوع البيئي حتى يومنا هذا.

لكن التغير في توزّع النباتات ليس ظاهرة حديثة فحسب. فقد شهدت نيوزيلندا تحولات جذرية مماثلة في البيئات الطبيعية من قبل، خاصة خلال العصر الجليدي الذي استمر 2.6 مليون عام وانتهى قبل نحو 12,000 عام.

في ذروته، كانت بعض مناطق البلاد أكثر برودة بمقدار 6 درجات مئوية مقارنة باليوم، وامتدت الصفائح الجليدية على نطاق واسع عبر جبال الألب الجنوبية. وأدى المناخ الجاف والبارد إلى انتشار الحشائش والأراضي الشجرية، بينما تقلص الغطاء الغابي وأصبح متفرقًا في جميع أنحاء البلاد، باستثناء المناطق الشمالية من الجزيرة الشمالية.

وتتبع أبحاثنا الجديدة كيف استجابت الطيور لهذه التغيرات، وكيف استغلت الأنواع الوافدة البيئات المتغيرة واتخذت من نيوزيلندا موطنًا لها.

الغزاة خلال العصر الجليدي

تفاعلت الطيور الأصلية مع العصر الجليدي بطرق متعددة. فقد أصبحت مجموعات الكيوي معزولة في بقع الغابات لدرجة أنها انقسمت إلى سلالات جديدة. بينما انتقلت بعض أنواع الموا عبر المناطق المختلفة، متتبعة تغيّر بيئاتها الطبيعية.

وتكيفت وانتشرت بعض المجموعات في بيئات جديدة. فانفصل الكيا عن أقاربه الكاكا، وأصبح أكثر تكيفًا مع الظروف المتنوعة. يُعرف هذا بنوع من التكيف الداخلي، إذ يقوم أحد الأنواع بتغيير عاداته أو خصائصه للتأقلم مع البيئات الجديدة.

لكن كلما ظهرت فرص بيئية جديدة، فإن الأنواع القادمة من أماكن أخرى ستسعى للاستفادة منها أيضًا. وقد كشفت أبحاثنا عن موجة من الاستيطان للطيور الوافدة التي تزامنت مع تراجع الغطاء الغابي وتوسع الأراضي العشبية في بداية العصر الجليدي منذ نحو 2.6 مليون عام.

كانت هذه الأنواع في الغالب من الكائنات القادرة على العيش في بيئات متنوعة، ولكن أيضًا كان هناك تدفق لأنواع مهيأة مسبقًا للعيش في المناطق المفتوحة، مثل أسلاف نسر هاست، وطائر البوتانغيتانغي (الإوزة الجنة)، وطائر البيهويهي (الببّيت).

من أين جاءت هذه «الغزاة»؟

جاء معظمها من أستراليا، حيث كانت الطيور تعبر بحر تسمان بفعل الرياح منذ ملايين السنين، وتمكنت في بعض الأحيان من إنشاء مستعمرات تكاثرية على شواطئ نيوزيلندا.

وبمرور الزمن، تطورت هذه المستعمرات الجديدة وأصبحت أنواعًا متميزة وفريدة من نوعها في نيوزيلندا، ولا توجد في أي مكان آخر على الأرض. طائر البيواكاواكا (الذيل المروحي)، والرورو (البومة)، والويوايا (طائر الغطاس الصغير)، والكّاكي (الزقزاق الأسود)، جميعها تنحدر من أسلاف أسترالية تعود إلى العصر الجليدي.

وقد وصلت هذه الطيور إلى نيوزيلندا في حقبة تميزت بسيادة الأراضي الشجرية والأعشاب خلال فترات الجليد القارس، تلتها فترات أكثر دفئًا بدأت خلالها الغابات تتوسع تدريجيًا.

ترجمة ولاء سليمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *