كيف أثّرت الهجرة والتطور الجيني في لون بشرة وشعر الأوروبيين؟

أجرى باحثون من جامعة فيرارا في إيطاليا دراسة حول كيفية تطور صبغات البشرة والعينين والشعر لدى الأوروبيين على مدى الـ 45,000 عام الماضية. أظهرت النتائج أن السمات المرتبطة بالتصبغ الفاتح ظهرت تدريجيًا وبشكل غير خطي، فقد استمرت البشرة الداكنة في العديد من المجموعات السكانية حتى العصر النحاسي والعصر الحديدي. استُخدم في هذه الدراسة أسلوب احتمالي لتحديد الأنماط الجينية من خلال الحمض النووي القديم ذي التغطية المنخفضة لاستنتاج سمات التصبغ.

ازدادت شيوع الأليلات المرتبطة بالبشرة الفاتحة مع انتشار الإنسان العاقل من إفريقيا إلى المناطق التي تمتاز بإشعاع فوق بنفسجي منخفض. تُشير النماذج التطورية إلى أن هذا التغير كان نتيجة مزايا انتقائية تتعلق بتخليق فيتامين (د)، إلى جانب الانجراف الجيني والهجرات. مع ذلك، لا تزال التوقيتات الدقيقة وأنماط التغير في التصبغ غير واضحة بالكامل.

في الدراسة المعنونة «استنتاج تصبغ الإنسان من خلال الحمض النووي القديم باستخدام احتمالات الأنماط الجينية»، المتوفرة كمسودة على موقع bioRxiv، اختُبرت دقة طرق استنتاج التصبغ باستخدام جينومات قديمة ذات تغطية عالية، مثل الفرد المعروف باسم أوست-إيشيم البالغ من العمر 45,000 عام من روسيا، والفرد المعروف باسم SF12 البالغ من العمر 9,000 عام من السويد.

في تجربة محاكاة للبيانات ذات التغطية المنخفضة، جرت مقارنة بين ثلاث طرق لاستدعاء الأنماط الجينية: الاستدعاء المباشر، والتنبؤ بالأنماط الجينية، والطريقة الاحتمالية التي تعتمد على احتمالات الأنماط الجينية. وُجد أن الطريقة الاحتمالية هي الأكثر موثوقية عند تحليل العينات ذات التغطية التي تقل عن x8. استُخدم هذا النهج لاحقًا لتحليل مجموعة بيانات تضم 348 جينومًا قديمًا من أوراسيا.

استُنتج أن جميع الأفراد تقريبًا في العصر الحجري القديم (حوالي 45,000 إلى 13,000 سنة مضت) كانوا يمتلكون تصبغًا داكنًا، باستثناء حالة واحدة فقط أظهرت لون بشرة متوسطًا.

خلال العصر الحجري الوسيط (حوالي 14,000 إلى 4,000 سنة مضت)، أصبحت ألوان العيون الفاتحة أكثر شيوعًا، وأظهرت 11 عينة من أصل 35 صفة العيون الفاتحة. وُجدت هذه الصفات بشكل أساسي في شمال وغرب أوروبا، بينما ظل الشعر والبشرة الداكنان هما السائدين. ظهرت أولى درجات البشرة الفاتحة في السويد خلال هذا العصر، لكنها بقيت نادرة.

يبدو أن هذه الزيادة في تصبغ العيون الفاتحة كانت ظاهرة خاصة بالعصر الحجري الوسيط. ويُشير ذلك إلى أنه، خلال فترة وجيزة من عصور ما قبل التاريخ البشري، كان انتشار صفة العيون الفاتحة أعلى مقارنة بالفترات السابقة (العصر الحجري القديم) واللاحقة (العصر الحجري الحديث والعصر البرونزي).

في العصر الحجري الحديث (حوالي 10,000 إلى 4,000 سنة مضت)، زادت درجة تنوع التصبغ بالتزامن مع هجرة المزارعين الأناضوليين إلى أوروبا. أصبحت درجات البشرة الفاتحة أكثر شيوعًا، لكن بقيت السمات الداكنة منتشرة، خصوصًا في جنوب وشرق أوروبا. ولوحظ تنوع في ألوان الشعر والعينين، مع ظهور حالات من الشعر الأحمر في تركيا.

في العصرين النحاسي والبرونزي (حوالي 7,000 إلى 3,000 سنة مضت)، استمرت زيادة التصبغ الفاتح، لكن السمات الداكنة ظلت شائعة. وبحلول العصر الحديدي (حوالي 3,000 إلى 1,700 سنة مضت)، أصبحت البشرة الفاتحة منتشرة بنفس درجة انتشار البشرة الداكنة تقريبًا، خصوصًا في شمال ووسط أوروبا. مع ذلك، بقي التصبغ الداكن شائعًا في مناطق مثل إيطاليا وإسبانيا وروسيا.

تُشير التغيرات في التصبغ إلى أن الهجرة وتدفق الجينات كانا المحركين الأساسيين لهذه التحولات، بدلًا من نمط انتقائي خطي. لعب انتشار المزارعين من العصر الحجري الحديث دورًا رئيسيًا في تغيير سمات التصبغ في جميع أنحاء أوروبا. أبرزت التحليلات الجينية بعض المتغيرات الأساسية، مثل SLC24A5 وTYR، التي ساهمت في هذه التغيرات.

تشير النتائج إلى أن البشرة الفاتحة أصبحت شائعة في أوروبا في فترة لاحقة مما كان يُعتقد سابقًا، وأن سمات التصبغ تشكّلت من خلال تفاعل معقد بين العوامل الجينية والبيئية على مدى آلاف السنين.

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *