توفر دراسة جديدة من جامعة ييل رؤية أكثر شمولًا للتغيرات الجينية التي ساهمت بتطور الدماغ البشري، وتكشف كيف اختلفت هذه العملية عن تطور أدمغة الشمبانزي.
ركز الباحثون، في الدراسة التي نُشرت في 30 يناير في مجلة خلية، على فئة من المفاتيح الجينية، تعرف باسم مناطق التعجيل عند الإنسان (HARs)، تتحكم بتوقيت ومستوى وموقع التعبير الجيني خلال عملية التطور.
افترضت أبحاث سابقة أن HARs قد تعمل عن طريق التحكم بجينات مختلفة لدى البشر مقارنةً بأقرب أقاربنا من الرئيسيات، الشمبانزي، بالقابل، أظهرت النتائج الجديدة أن هذه المناطق تعمل على ضبط التعبير الجيني لجينات مشتركة بين البشر والشمبانزي، ما يؤثر على كيفية ولادة الخلايا العصبية وتطورها وتواصلها مع بعضها البعض.
باستخدام تقنيات متقدمة، تمكن الباحثون من تتبع كيفية تفاعل مناطق التعجيل عند الإنسان (HARs) مع الجينات والخلايا الجذعية العصبية البشرية، ما سمح لهم بتحديد الأهداف الجينية لما يقرب من جميع تلك المناطق ما يعد تقدمًا كبيرًا في دراسة تطور الإنسان.
«يسهم هذا الاكتشاف بتعزيز الفهم المتزايد لكيفية تأثير التغيرات الجينية التي حدثت خلال التطور في تشكيل الهوية البشرية، كما يمثل خطوة مهمة نحو تحديد الجينات التي تتحكم فيها مناطق التعجيل عند الإنسان»، وذلك وفقًا للمسؤول عن البحث، لجيمس نونان، أستاذ علم الوراثة في كلية الطب بجامعة ييل.
يقول نونان: «تكشف النتائج أنHARs تتحكم بنفس الجينات لدى كل من البشر والشمبانزي، وخاصة الجينات المسؤولة عن نمو الدماغ. لكن الاختلاف يكمن في طريقة ضبطها لمستويات التعبير الجيني، إذ تعمل هذه المناطق على تنظيم نشاط الجينات بشكل مختلف لدى البشر. ما يشير إلى أن تطور وظائف الدماغ لم يحدث من خلال إعادة إنشاء مسارات جينية جديدة، بل من خلال تعديل مخرجات الجينات الموجودة بالفعل».
يركز مختبر نونان على دراسة دور مناطق التعجيل عند الإنسان في تطور السمات الفريدة للدماغ البشري. وقد أظهرت أبحاثهم السابقة أن بعض هذه المناطق تؤثر على التعبير الجيني بطرق خاصة بالبشر مقارنةً بأقرب أقربائنا من الرئيسيات. تشكل هذه الدراسة تقدمًا كبيرًا في فهم أعمق للتغيرات البيولوجية التي ربما ساهمت بها مناطق التعجيل عند الإنسان (HARs) خلال عملية تطور البشر.
رغم معرفة العلماء بعدد مناطق التعجيل عند الإنسان (HARs) في الجينوم البشري، إلا أن المعلومات حول الجينات التي تتحكم كانت محدودة. فقد تمكنت الدراسات السابقة من تحديد الجينات المستهدفة لما يتراوح بين 7% و 21% فقط من هذه المناطق.
يُرجع جيمس نونان ذلك إلى استخدام طرق أقل دقة في الأبحاث السابقة، فقد كانت طبيعة البيانات المتاحة آنذاك تسمح بتقدير هوية نسبة صغيرة من الجينات المستهدفة بواسطة HARs، بما في ذلك بعض الجينات التي قد لا تكون أهدافًا فعلية على الإطلاق.
في البحث الجديد، استخدم فريق جامعة ييل تقنيات متقدمة لرسم خريطة ثلاثية الأبعاد للجينوم البشري ما مكّنهم من تتبع كيفية تفاعل HARs مع الجينات داخل الخلايا الجذعية العصبية لكل من البشر والشمبانزي. وساعدهم ذلك على تحديد الأهداف الجينية لما يقرب من 90% من جميع مناطق التعجيل عند الإنسان وهو تقدم هائل في هذا المجال.
يقول أتريو بال، طالب الدراسات العليا في علم الوراثة بجامعة ييل والمؤلف الأول للدراسة: «إن امتلاك صورة أكثر اكتمالًا يفتح أمام العلماء آفاقًا واسعة لاكتشافات جديدة».
تبيّن أن العديد من الجينات المستهدفة بواسطة مناطق التعجيل عند الإنسان (HARs) تكون نشطة أثناء تطور الدماغ البشري، ولها دور في عمليات مثل تكوين الخلايا العصبية والحفاظ على التواصل بينها. وترتبط بعض هذه الجينات بحالات مثل التوحد والفصام، ما يشير إلى إمكانية أن تساهم هذه المناطق ليس فقط في تشكيل الوظائف الطبيعية للدماغ، ولكن أيضًا في بعض الاضطرابات العصبية.
يقول أتريو بال «تُظهر نتائجنا أن الجينات المستهدفة بواسطة HARs تُعبَّر عنها في أنواع محددة من الخلايا داخل الدماغ البشري أثناء تطوره، بما في ذلك خلايا قد تكون ساهمت في زيادة حجم دماغنا».
وأضاف نونان: «في السابق، لم نكن نعرف الكثير عن الجينات التي تتحكم بها مناطق التعجيل عند الإنسان أو عن وظائفها البيولوجية. لم تكن لدينا الصورة الكاملة. أما الآن، فقد فتح هذا البحث العديد من الأبواب لفهم كيف ساهمت هذه المناطق بتطور الدماغ البشري».
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org