لطالما شكلت ولادة التوائم حدثًا نادرًا عبر التاريخ الإنساني، ولهذا يبدو الأمر استثنائيًا. ففي حين ربطت العديد من الثقافات بين التوائم ومفاهيم الصحة والحيوية، اعتبرتها ثقافات أخرى تجسيدًا فلسفيًا لثنائيات معينة كالحياة والموت، والخير والشر. ارتبطت أسماء بعض التوائم الشهيرة بنشأة الأمم، بينما تُصوَّر توائم أخرى كآلهة.
تُظهر دراساتنا الأخيرة أن ولادة التوائم كانت النمط الغالب في المراحل المبكرة من تطور الرئيسيات، بدلًا من كونها ظاهرة استثنائية. ففي حين أن معظم الرئيسيات الحالية، بما فيها الإنسان، تضع في الغالب مولودًا واحدًا، يُرجح أن السلف المشترك الأخير لنا، الذي عاش في أمريكا الشمالية منذ حوالي 60 مليون عام، كان يلد توائم بشكل اعتيادي.
بحثنا تطور حجم النسل لدى الرئيسيات -أي عدد الصغار التي تنمو خلال فترة الحمل الواحدة- ولغرض دراسة تطور الثدييات وتاريخ حياتها الإنجابية، نعتمد على مجموعات الهياكل العظمية، سواء الأحفورية أو الحديثة.
إلى جانب عمل تيسلا في مجال الأنثروبولوجيا، هي أيضًا أمٌّ لفتاتين توأم، لذلك، تعدت هذه الدراسة مسألة الاهتمام العلمي بالنسبة لها، وأصبحت اهتمامًا شخصيًا: فمتى أصبحت حالات الحمل بتوأم نادرة الحدوث؟
إعادة بناء حجم النسل تاريخيًا
إن أفضل الوسائل المتاحة لنا لإعادة بناء تاريخ حجم النسل يكمن في رسم خريطة لأحجام النسل المعروفة لأكبر عدد ممكن من الأنواع عبر شجرة عائلة الثدييات، ثم استخدام خوارزميات رياضية للبحث عن الأنماط. ولكن باستثناء الأحداث النادرة التي تتحول فيها عائلات حيوانية بأكملها لأحافير معًا، فمن الصعب للغاية تقييم حجم النسل للأنواع المنقرضة من الهيكل العظمي وحده. لذلك، فإننا نجمع بدلًا من ذلك بيانات عن أكبر عدد ممكن من الثدييات الحية.
لقد بحثنا في مجموعة واسعة من قواعد البيانات العامة، بما في ذلك قاعدة بيانات أن إيج: قاعدة بيانات شيخوخة الحيوانات وطول عمرها، للحصول على معلومات حول عدد النسل الذي يُولد عادةً لكل نوع من أنواع الثدييات.
سجلنا أيضًا بيانات إضافية، شملت متوسط حجم الجسم للنوع عند الولادة وعند البلوغ، بالإضافة إلى مدة الحمل.
بعد جمع نقاط هذه البيانات لما يقرب من ألف نوع من الثدييات، أجرينا سلسلة من الاختبارات الإحصائية لتحديد العلاقات بين الصفات المختلفة. كان هدفنا تقدير متوسط حجم النسل المحتمل لأسلاف الثدييات المختلفة: ما مدى احتمالية ولادة مولود واحد لكل نوع في أي مرحلة زمنية؟
يُعتبر عدد النسل الذي تُنجبه الأنواع في البطن الواحد صفةً محفوظة تطوريًا، أي أنها تكون أكثر تشابهًا بين الأنواع الأكثر قرابةً من الناحية التطورية. تميل الغزلان إلى إنجاب نسل واحد أو اثنين، بينما تميل الكلبيات والسنوريات إلى إنجاب عدد أكبر من الصغار في كل بطن.
تضع معظم أنواع الرئيسيات صغيرًا واحدًا فقط في كل ولادة، مع وجود بعض الحالات الاستثنائية. من بين هذه الاستثناءات، نجد الرسغيات، وعدة أنواع من الرئيسيات ذات الأنف الرطب كاللِّيمور واللُّوريس والدغموص، بالإضافة إلى الغالبية العظمى من أنواع قردة القشة الأمريكية والتامارين في أمريكا الجنوبية التي تلد توائم.
قبل إجراء البحث، اعتاد الباحثون على الاعتقاد بأن هذه الرئيسيات المتميزة التي تلد توائم يجب أن تكون، بحسب ما يسميه علم الأحياء التطوري، مُشتقة أو مُغايرة عن النمط السائد لدى الأسلاف. لكن بحثنا يُغيّر هذه الفكرة جذريًا: فالرئيسيات التي تلد مولودًا واحدًا هي في الواقع المُشتقة والمتميزة. بالعودة إلى الوراء في مسيرة التطور، كان إنجاب توأمين في آن واحد هو القاعدة. لقد ولدت أسلافنا القديمة من الرئيسيات توائم.
إذًا، متى حدث هذا التغير التطوري في حجم نسل الرئيسيات؟
التحول نحو الولادة الفردية
يلد البشر المعاصرون في الغالب طفلًا واحدًا فقط -طفلًا كبيرًا نسبيًا برأس أكبر. يرتبط حجم دماغ الإنسان وجسمه بالتأكيد بقدرتنا على ابتكار التقنيات وتحسينها. لطالما بحث علماء الأنثروبولوجيا القديمة فيما يسمونه «التدمّغ»: الذي يعبر زيادة حجم الدماغ بالنسبة لحجم الجسم على مر الزمن التطوري.
يعد التعلم في مرحلة الطفولة أمرًا بالغ الأهمية بالنسبة للرئيسات، ولا سيما البشر. نقترح أن التحول من ولادة التوائم إلى ولادة الأطفال المفردين كان عاملاً محوريًا في تطور أطفال البشر ذوي الأدمغة الكبيرة، ما مكنهم من اكتساب القدرة على التعلم المعقد في مرحلتي الرضاعة والطفولة المبكرة.
استنادًا إلى النمذجة الرياضية، حدث التحول إلى نمط الحياة الفردي في مرحلة مبكرة، منذ 50 مليون سنة على الأقل. ومنذ ذلك الحين، تطورت العديد من سلالات الرئيسيات، بما في ذلك سلالتنا، لتكتسب أجسامًا وأدمغة أكبر على نحو متزايد.
تُظهر أبحاثنا الجديدة أيضًا أن التحول من ولادة التوائم إلى ولادة الأفراد حدث عدة مرات في سلالات الرئيسيات، وهي إشارة واضحة على أن تطور جنين واحد فقط لكل حمل كان مفيدًا للرئيسيات. نظرًا لأن الحمل بأكثر من جنين يتطلب طاقة أكبر من الأم، ولأن المواليد يولدون أصغر حجمًا، وغالبًا قبل الأوان، فإن أسلاف الرئيسيات الأوائل الذين أنجبوا نسلًا واحدًا كبيرًا ربما كانوا يتمتعون بميزة البقاء على قيد الحياة.
لا تعني استنتاجاتنا أن ولادة التوائم في العصر الحالي تشكل عيبًا، رغم أن (تسلا)، من واقع تجربتها كأم لعدة أطفال، تشهد بصعوبة الأمر. لكن واقع إنجاب التوائم اليوم يختلف تمامًا عن الظروف التي كانت تحيط بولادة صغار الرئيسيات البدائية على الأشجار قبل نحو ستين مليون سنة.
ظاهرة التوائم اليوم
تضاعفت معدلات ولادة التوائم تقريبًا في الولايات المتحدة على مدار العقود الخمسة الماضية، ويعود ذلك جزئيًا إلى التقدم في التقنيات المساعدة على الإنجاب. تُشكل ولادة التوائم حاليًا ما يقرب من 3٪ من إجمالي المواليد الأحياء، حتى مع أن الاتجاهات الحديثة تشير إلى انخفاض في هذه المعدلات. ما يزيد من هذا الأمر شيوعًا هو ميل النساء في الولايات المتحدة إلى الإنجاب في الثلاثينيات من العمر، إذ تكون النساء في المراحل المتأخرة من الخصوبة -أي من تجاوزن سن الخامسة والثلاثين- أكثر عرضة لإنجاب التوائم.
لكن إنجاب التوائم قد يكون خطيرًا على الأم والطفلين. إذ يُولد أكثر من نصف التوائم قبل أوانهم، ما يستدعي، في كثير من الحالات، وضعهم في وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة.
على الرغم من هذه المخاطر، تُظهر أبحاثنا أن التوائم يمثلون جزءًا حيويًا من تاريخنا الوراثي.
ترجمة: علاء شاهين.
المصدر: phys.org