لماذا نعشق الكربوهيدرات؟ أصول هذه العلاقة أعمق من الزراعة

إذا كنت قد وجدت صعوبة في تقليل استهلاكك للكربوهيدرات، فقد يكون الحمض النووي القديم هو السبب. فمن المعروف منذ زمن طويل أن البشر يمتلكون نسخًا متعددة من جين يمكّنهم من بدء عملية تحليل الكربوهيدرات المعقدة في الفم، وهو ما يعتبر الخطوة الأولى في هضم الأطعمة النشوية مثل الخبز والمعكرونة.

ومع ذلك، كان من الصعب على الباحثين تحديد متى وكيف توسع عدد هذه الجينات في جسم الإنسان. لكن ألقت دراسة حديثة بقيادة جامعة بوفالو (UB) ومختبر جاكسون (JAX) الضوء على كيفية تكرار هذا الجين في المراحل المبكرة من تاريخ الإنسان، مما أسس للتنوع الوراثي الواسع الذي يؤثر حتى اليوم على قدرة البشر على هضم الأطعمة النشوية.

تشير النتائج، التي نُشرت في العدد الصادر في 17 أكتوبر في مجلة «Science»، إلى أن تكرار هذا الجين، المعروف بجين الأميلاز اللعابي (AMY1)، لم يساعد فقط في تكيف الإنسان مع الأطعمة النشوية، بل ربما حدث قبل أكثر من 800 ألف عام، أي قبل فترة طويلة من ظهور الزراعة.

يقول المؤلف المشارك للدراسة، الدكتور عمر جوكجومين، أستاذ قسم العلوم البيولوجية في جامعة بوفالو: «الفكرة الأساسية هي أنه كلما زاد عدد نسخ جينات الأميلاز لديك، زادت كمية الأميلاز التي ينتجها جسمك، وبالتالي أصبح بإمكانك هضم النشويات بكفاءة أكبر».

وأوضح الباحثون أن الأميلاز هو إنزيم لا يكتفي بتحليل النشويات إلى جلوكوز، بل يضفي أيضًا الطعم المميز للخبز.

لإجراء الدراسة، استخدم جوكجومين وزملاؤه، بمن فيهم البروفيسور تشارلز لي من مختبر جاكسون، تقنيات متقدمة مثل رسم الخرائط البصرية للجينوم وتسلسل الحمض النووي الطويل. وكانت هذه الأساليب حاسمة في تحديد تفاصيل منطقة جين AMY1 بدقة غير مسبوقة.

تواجه الأساليب التقليدية لتسلسل الحمض النووي صعوبة في التمييز بين نسخ الجينات المتشابهة جدًا في هذه المنطقة. لكن التسلسل طويل القراءة مكّن الباحثين من تجاوز هذا التحدي في الحمض النووي للإنسان الحديث، مما وفّر رؤية أوضح حول كيفية تطور نسخ AMY1.

عند تحليل جينومات 68 إنسانًا قديمًا، بما في ذلك عينة عمرها 45 ألف عام من سيبيريا، اكتشف الفريق أن صيادي الأسماك وجامعي الثمار قبل العصر الزراعي كانوا يمتلكون بالفعل ما بين أربع إلى ثماني نسخ من جين AMY1 في كل خلية ثنائية الصبغيات. وهذا يشير إلى أن البشر كانوا يمتلكون أعدادًا كبيرة من نسخ هذا الجين قبل وقت طويل من زراعة النباتات وتناول كميات كبيرة من النشويات.

كذلك وجد الباحثون أن تكرار جين AMY1 حدث أيضًا لدى إنسان نياندرتال ودينيسوفا، مما يشير إلى أن هذا التكرار قد بدأ قبل أكثر من 800 ألف عام، أي قبل انقسام البشر عن إنسان نياندرتال، وأبعد مما كان يُعتقد سابقًا.

يوضح جوكجومين: «وضعت التكرارات الأولية لهذا الجين الأساس لتنوع كبير في منطقة الأميلاز، مما سمح للإنسان بالتكيف مع أنظمة غذائية متغيرة مع ارتفاع استهلاك النشويات نتيجة الابتكار التكنولوجي وتغير أنماط الحياة».

تقول شاركليا كاراجورجيو، إحدى المؤلفين الرئيسيين للدراسة: «بعد التكرار الأولي، الذي أدى إلى وجود ثلاث نسخ من جين AMY1 في الخلية، أصبحت منطقة الأميلاز غير مستقرة وبدأت في إنتاج تنوع جديد. يمكن أن يتراوح عدد النسخ الآن من نسخة واحدة إلى تسع نسخ أو أكثر لكل خلية».

تسلط الدراسة الضوء أيضًا على كيفية تأثير الزراعة على نسخ جين AMY1. ففي حين أن الصيادين وجامعي الثمار الأوائل امتلكوا نسخًا متعددة من هذا الجين، شهد المزارعون الأوروبيون زيادة كبيرة في عدد النسخ خلال الأربعة آلاف سنة الماضية، نتيجة لأنظمتهم الغذائية الغنية بالنشويات.

تشير أبحاث سابقة أجراها جوكجومين إلى أن الحيوانات المستأنسة التي تعايشت مع البشر، مثل الكلاب والخنازير، تمتلك أيضًا نسخًا أعلى من جين AMY1 مقارنة بالحيوانات التي لا تعتمد على النشويات في غذائها.

مستقبل الأبحاث 

تفتح هذه الدراسة الباب لفهم أعمق حول دور تنوع نسخ جين AMY1 في صحة الإنسان والتمثيل الغذائي. تقول فيزا يلماز، العالمة المساعدة في مختبر جاكسون: «يقدم هذا التنوع الجيني فرصة مثيرة لاستكشاف تأثيره على الصحة الأيضية وفهم آليات هضم النشويات واستقلاب الجلوكوز».

تشير يلماز إلى أن الأبحاث المستقبلية قد تكشف عن تأثيرات هذا الجين بدقة وتوقيت عمليات الانتقاء الطبيعي، مما يتيح رؤى جديدة حول العلاقة بين الجينات، التغذية، والصحة.

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *