تكرار الجينات وتجاوز التعليمات الوراثية: آليات جديدة لتطور النباتات
تمكّن علماء الأحياء بجامعة واشنطن في سانت لويس من كشف أصل ظاهرة تكرار جينيّ مثيرة للاهتمام، تمنح النباتات آليات متعددة لتجاوز التعليمات المشفرة في حمضها النووي. ومن المتوقع أن يسهم هذا البحث في تمكين العلماء من استغلال الأنظمة الموجودة في النباتات لتعزيز الصفات التي تزيد من قدرتها على تحمل التغيرات البيئية، مثل الإجهاد الحراري والجفاف.
نُشرت الدراسة التي قادتها البروفيسورة شوهوا جونغ، أستاذة الأحياء في كلية الآداب والعلوم، في عدد السادس من نوفمبر في مجلة ساينس أدفانسز.
يركز بحث جونغ الجديد على عملية إضافة مجموعة ميثيل في الحمض النووي، وهي عملية بيولوجية طبيعية تتضمن إضافة مجموعات ميثيل (جزيئات صغيرة) إلى الحمض النووي، تتحكم هذه العملية في تشغيل وإيقاف الجينات، ما يؤثر بدوره على سمات مختلفة، بما في ذلك كيفية استجابة الكائنات الحية لبيئاتها.
يتضمن جزء من هذه العملية تثبيط أو تعطيل أجزاء محددة من الحمض النووي تنتقل ضمن جينوم الكائن الحي. هذه الأجزاء، المعروفة بالجينات القافزة أو العناصر المنقولة، قد تتسبب في أضرار إذا لم تخضع للرقابة. تُنظم هذه العملية بالكامل بواسطة إنزيمات، لكنّ الثدييات والنباتات قد طورت إنزيمات مختلفة لإضافة مجموعات الميثيل.
توضح جونغ: «تمتلك الثديات إنزيمين رئيسيين فقط يضيفان مجموعات الميثيل إلى الحمض النووي في سياق واحد، بينما تمتلك النباتات مجموعة متنوعة من الإنزيمات تقوم بنفس العملية في ثلاثة سياقات مختلفة. هذا هو محور دراستنا. والسؤال المطروح هو: لماذا تحتاج النباتات إلى إنزيمات مثيلة إضافية؟». يُذكر أن جونغ هو باحث متميز معيّنة من قبل عميد الكلية وتشغل منصب مدير برنامج علوم النباتات والكائنات الحية الدقيقة في جامعة واشنطن.
من المتوقع أن تمهد أبحاث الدكتور زونغ الطريق أمام ابتكارات جديدة في مجال الزراعة من خلال تعزيز قدرة المحاصيل على الصمود. تشرح الدكتورة زونغ: «تساهم جينات معينة أو مجموعات من الجينات في ظهور سمات أو خصائص محددة. فإذا تمكنا من تحديد آلية تنظيم عمل هذه السمات بدقة، فسيمكننا ابتكار تقنيات جديدة لتحسين المحاصيل».
تطوير وظائف مختلفة
تتمحور هذه الدراسة حول إنزيمين يوجدان حصريًا في النباتات، وهما: CMT3 وCMT2. يكمن دور هذين الإنزيمين في إضافة مجموعات ميثيل إلى الحمض النووي، إلا أن كل منهما يتميز بتخصصه في مناطق محددة؛ فالإنزيم CMT3 يركز على تسلسلات CHG، بينما يختص الإنزيم CMT2 بتسلسلات CHH.
حتى مع الاختلافات الوظيفية بينهما، فإن كلا الإنزيمين ينتميان إلى عائلة الكروموميثيلاز (CMT) ذاتها، والتي نشأت من خلال أحداث تكرار جيني زودت النباتات بنسخ متعددة من المعلومات الوراثية.
استخدمت زون وفريقها النموذج النباتي الشائع الأرابيدوبسيس ثاليانا، أو رشاد الثال، لدراسة كيفية تطور وظائف الأنزيمات المكررة بشكل مختلف عبر الزمن. وقد توصلوا إلى أن أنزيم CMT2 قد فقد قدرته على مثيلة تسلسلات CHG في مرحلة ما خلال الخط الزمني لتطور الحياة. ويعزى ذلك إلى فقدان حمض أميني أساسي هو الآرجنين.
تشير جيا غوي، طالبة الدراسات العليا في علم الأحياء والمؤلفة المشاركة الأولى للدراسة: «يتميز الآرجنين بشحنته الموجبة، تتيح هذه الشحنة للأرجينين داخل الخلية تكوين روابط هيدروجينية أو تفاعلات كيميائية أخرى مع الأجزاء الحاملة للشحنة السالبة مثل الحمض النووي».
مع ذلك، يحمل الإنزيم CMT2 حمضًا أمينيًا مختلفًا وهو الفالين. وهنا تشير الباحثة غوي: «الفالين غير مشحون، بالتالي لا يستطيع التعرف على السياق CHG كما يفعل الإنزيم CMT3. ونعتقد أن هذا الاختلاف هو ما يساهم في الفروق الوظيفية بين الإنزيمين».
لتأكيد هذا التغير التطوري، استخدم مختبر جونغ طفرة لإعادة الحمض الأميني الأرجنين إلى إنزيم CMT2. وكما كان متوقعًا، استطاع الإنزيم المعدّل أداء نوعين من المَثيلة CHG وCHH. يشير هذا إلى أن إنزيم CMT2 نشأ في الأصل كنسخة مكررة من إنزيم CMT3، ليشكل نظامًا احتياطيًا يساعد في تخفيف العبء، مع تزايد تعقيد الحمض النووي.
بحسب جونغ: «ولكن بدلاً من مجرد تكرار الوظيفة الأصلية، طوّر الجين وظيفة جديدة».
كشفت هذه الدراسة أيضًا عن بنية فريدة لإنزيم CMT2. يتميز هذا الإنزيم بطرف أميني طويل ومرن يتحكم في استقرار البروتين الذاتي. وتشير جونغ: «هذه هي إحدى الآليات التي تطورت بها النباتات للحفاظ على استقرار الجينوم ومواجهة الإجهادات البيئية». قد تفسر هذه السمة سبب تطور بروتين CMT2 في النباتات التي تنمو في مثل هذه الظروف المتنوعة في جميع أنحاء العالم.
استندت معظم البيانات المستخدمة في هذه الدراسة إلى مشروع 1001 جينوم، الذي يهدف إلى اكتشاف التباين في التسلسل الجيني الكامل لسلالات نبات الأرابيدوبسيس من مختلف أنحاء العالم.
بهذا الصدد، صرحت جونغ: «نحن نتجاوز حدود الظروف المختبرية، ونتجه نحو دراسة جميع السلالات البرية للنباتات مستخدمين هذه المجموعة الضخمة من البيانات».
ترى الباحثة أن أحد أسباب تطور نبات الأرابيدوبسيس حتى يزدهر رغم الضغوط البيئية يتمثل بالتنوع الذي يحدث خلال عملية الميثلة، بما في ذلك تلك العناصر القافزة. وتوضح قائلة: «قد تساعد قفزة واحدة الأنواع على التعامل مع الظروف البيئية القاسية».
ترجمة: علاء شاهين.
المصدر: phys.org