النمل والفطريات: قصة تكافل فريدة بدأت بكارثة كونية
لم تكن كارثة الكويكب التي قضت على الديناصورات قبل حوالي 66 مليون سنة كارثة بالكامل؛ إذ أن البيئة منخفضة الإضاءة الناجمة عن تأثير الكويكب دفعت نحو انتشار الفطريات التي تتغذى على المواد العضوية، التي كانت وفيرة في ذلك الوقت بسبب نفوق النباتات والحيوانات بكميات كبيرة.
وفقاً لدراسة نُشرت في مجلة «Science» بتاريخ 3 أكتوبر، كانت هذه البيئة المثالية لنشوء سلالة من النمل التي بدأت بزراعة هذه الكائنات الدقيقة.
يقول الأستاذ أندريه رودريغيز من معهد علوم الحياة بجامعة ولاية ساو باولو «لقد كانت نشأة النمل المزارع للفطريات مفهومة إلى حد ما، لكن توقيت ظهور هذه الفطريات كان مفقوداً. ويقدم هذا البحث أدق تقدير حتى الآن لتحديد هذا التاريخ، فقد أشارت النظريات السابقة إلى أن هذه الفطريات ظهرت في وقت لاحق».
وصل العلماء إلى هذا التأريخ بتحليل ما يُعرف بالعناصر فائقة الحفظ (UCEs) في جينومات 475 نوعاً من الفطريات التي زرعها النمل، وجُمعت من مناطق مختلفة في الأمريكتين. هذه العناصر هي مناطق في الجينوم تظل محفوظة خلال تطور المجموعة، وتشير إلى أسلافها القديمة.
يوضح بيبيجين كووج، الباحث بمعهد علوم الحياة بجامعة ساو باولو، «لقد كان اهتمامنا مُنصباً على المناطق القريبة من هذه العناصر، حيث تُظهر الفروقات الحديثة بين الأنواع وتمكننا من تتبع خط تطوري دقيق».
من خلال هذه الطريقة، تمكّن الباحثون من تحديد ظهور سلالتين مختلفتين من الفطريات من السلف ذاته للنمل القاطع للأوراق (المعروف باسم أتين Attini) قبل 66 مليون سنة. وقد جادل الباحثون سابقاً بأن بداية هذا الارتباط بين النمل والفطريات يُعَدّ أساس ظهور الزراعة، أي عشرات الملايين من السنين قبل أن يبدأ البشر بتدجين النباتات قبل حوالي 12 ألف سنة.
كشفت الدراسة أيضاً عن ظهور سلالة من فطريات المرجان قبل 21 مليون سنة، وهي مجموعة ثانية بدأ النمل بزراعتها. وقد أخذت الفطريات اسمها من التشابه بين تكويناتها ومستعمرات المرجان البحري.
التكافل المشترك
تشير النتائج إلى أن الفطريات قد خضعت لتكيّف مسبق قبل زراعتها من قبل النمل. ومن المرجح، حسب الباحثين، أن سلالة النمل القاطع للأوراق كانت تعيش بالقرب من الفطريات، إما داخل مستعمراتها أو حتى كانت تجمعها من حين لآخر للتغذي عليها أو على منتجاتها.
يضيف رودريغيز «لكن لم تكن الفطريات جزءاً أساسياً من غذاء النمل. قد يكون الضغط البيئي الناجم عن الكويكب هو ما حوّل هذا التفاعل إلى تكافل ضروري، وأصبحت الفطريات تعتمد على النمل للتغذية والتكاثر، في حين يعتمد النمل على الفطريات كغذاء رئيسي».
حاليًا، تزرع أربعة أنواع مختلفة من النمل أربعة أنواع من الفطريات. وفي بعض الحالات، يغير النمل نمو الفطريات المزروعة لينتج عناصر غذائية معينة.
يقول كووج «عندما نزرعها في المختبر، تتخذ الفطريات الشكل المتوقع من الخيوط الفطرية، ولكن داخل المستعمرة يتحول أحد أنواع الخيوط إلى شكل منتفخ يشبه عناقيد العنب الغنية بالسكريات، وما زلنا لا نعرف كيف يفعل النمل ذلك».
وبالنسبة للبروفيسور ماوريسيو باتشي جونيور، مؤلف مشارك في الورقة البحثية، فإن أصل زراعة الفطريات يشير إلى تكيف النمل لمواجهة نقص غذائي آنذاك، فقد ساعد انتشار الفطريات في المنطقة التي تُعرف الآن بالأمريكتين على توفير مصدر غذائي بديل للنمل.
وأوضح باتشي «لكي تتغذى، تحلل الفطريات المادة العضوية التي يجلبها النمل، وفي المقابل يتغذى النمل على المواد التي تنتجها الفطريات والتي لا يمكنه الحصول عليها من مصدر آخر، وكأن الفطر يعمل كمعدة خارجية للنمل».
بعد هذا الحدث التأسيسي، شهد النمل المزارع للفطريات، الذي كان يعيش سابقاً في الغابات الرطبة، ضغطاً اختيارياً جديداً مع توسع بيئة السافانا الشبيهة بغابات السافانا منذ حوالي 27 مليون سنة. أدى هذا الضغط إلى تنوع هذه الحشرات الزراعية، ما أدى إلى نشوء النمل القاطع للأوراق الموجود حالياً.
وقد ساعد هذا التنوع أيضاً في جعل الفطريات أكثر كفاءة في إنتاج الغذاء للنمل وتحليل المواد العضوية، لدرجة أن الإنزيمات التي تنتجها الفطريات المزروعة من قبل النمل تُدرس حالياً لإمكاناتها البيوتكنولوجية لتحليل المواد العضوية وحتى المواد الأخرى، بما في ذلك البلاستيك.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org