حقيقة علمية جديدة عن عائلة العنب القديمة تثري علم الأحافير

حقيقة علمية جديدة عن عائلة العنب القديمة تثري علم الأحافير

حتى الآن، كان يُعتقد أن نباتات العنب وصلت إلى القارة الأوروبية منذ أقل من 23 مليون سنة. لكن دراسة جديدة على النباتات الأحفورية تطرح تصورًا جديدًا حول انتشار أسلاف نباتات العنب، وتكشف أن هذه الأنواع كانت موجودة بالفعل في أوروبا قبل نحو 41 مليون سنة.

تصف الورقة العلمية نوعًا أحفوريًا جديدًا من نفس الفصيلة، «نيكيميا موكروناتا»، ما يساعدنا في فهم تاريخ تطور هذه المجموعة النباتية التي سكنت أوروبا بين 40 و23 مليون سنة مضت.

يقود هذه الدراسة، المنشورة في مجلة «Journal of Systematics and Evolution»، الباحثة عائشة توسال من كلية علوم الأرض ومعهد الأبحاث البيولوجية «آي آر بيو» بجامعة برشلونة. وقد وقع على المقالة أيضًا كل من ألبا فيسينتي من معهد «آي آر بيو» ومعهد كتالونيا لعلم الحفريات «ميغيل كروسافونت»، وتوماس دينك من متحف التاريخ الطبيعي في ستوكهولم.

سلف جديد لعائلة العنب

تتألف عائلة العنب «فيتاسي» من حوالي 950 نوعًا، وتُقسم إلى خمس قبائل (وهي تصنيف نباتي يقع بين الفصيلة والجنس). واحدة من هذه القبائل هي «فيتي»، والتي تتضمن 200 نوع، من بينها نبات العنب المعروف «فيتس فينيفيرا» ذي الأهمية الاقتصادية العالمية. ويركز البحث الجديد المنشور في مجلة «جاي إس إي» على دراسة قبيلة «أمبلوبسيديا»، التي تشمل 47 نوعًا.

تقول توسال، المؤلفة الرئيسية للدراسة وعضو قسم ديناميات الأرض والمحيطات بجامعة برشلونة: «تغيّر دراستنا المفاهيم السائدة حتى الآن، وتبين أن سلالات الأمبلوبسيس ونيكيميا من قبيلة أمبلوبسيديا كانت موجودة بالفعل في أوروبا وآسيا الوسطى خلال عصر الإيوسين الأوسط (بين 47 و37 مليون سنة مضت)، ما يشير إلى أن هذا الانتشار حدث قبل ما يقرب من 20 مليون سنة مما كان يُعتقد سابقًا».

تشرح توسال: «على وجه التحديد، نظهر أن سلالةً كانت مقصورة على أمريكا الشمالية كانت موجودة بالفعل في أوروبا وآسيا الوسطى، بفضل اكتشاف نوع الأحفورة نيكيميا موكروناتا، والذي يشبه نوعًا معاصرًا هو نيكيميا أربوريا الموجود في أمريكا الشمالية. وقد عاش نوع نيكيميا موكروناتا إلى جانب نوع أمبلوبسيس هيبشي، الأقرب في القرابة لنوع أمبلوبسيس أورينتاليس المعاصر».

في المقابل، كان لنيكيميا موكروناتا انتشار مختلف، إذ أن هذه السلالة توجد الآن فقط في منطقة البحر الأبيض المتوسط الشرقي.

وتضيف توسال: «تساعدنا هذه الدراسة في فهم تطور قبيلة الأمبلوبسيديا بشكل أفضل خلال النبضة الثانية للانتشار، خاصة في أوروبا وآسيا الوسطى، التي حدثت خلال عصر الباليوجين».

عاشت نيكيميا موكروناتا من أواخر عصر الإيوسين إلى أواخر عصر الأوليغوسين (من 37 إلى 23 مليون سنة مضت). ويبدو أنها كانت قادرة على النمو في نطاق واسع من المناخات، بدءًا من المناطق ذات درجات الحرارة الشتوية المنخفضة (-4.6 درجة مئوية في الفترات الباردة) مثلما وُجد في كازاخستان خلال الأوليغوسين (33-23 مليون سنة مضت) إلى المناطق ذات درجات الحرارة السنوية المعتدلة مثلما في شبه الجزيرة الإيبيرية خلال نفس العصر، وحتى في المناخات ذات درجات الحرارة المتوسطة مثلما سُجلت في وسط القارة الأوروبية.

يقول الباحث في معهد «آي سي بي» فيسينتي: «لم تكن نيكيميا موكروناتا تتطلب كميات كبيرة من الأمطار، إذ كانت قادرة على النمو في المناطق التي تتميز بهطول أمطار وفير مع موسمية منخفضة للأمطار، مثلما في وسط أوروبا خلال الأوليغوسين، أو شبه الجزيرة الإيبيرية واليونان خلال نفس العصر».

ويضيف: «اتسم هذا النوع الأحفوري بأوراق مركبة، وهي سمة مشتركة مع بعض أنواع عائلة العنب. ورغم صعوبة تحديد عدد الأوراق الصغيرة للأوراق المركبة، لكنه يُعتقد أنها تتألف من ثلاث أوراق على الأقل. وقد تمكنا من التعرف على نماذج شائعة بين الأوراق القمية والجانبية، مما يميزها عن الأنواع الأحفورية الأخرى في أوراسيا».

ويضيف فيسينتي قائلًا: «ما يجعل نيكيميا موكروناتا فريدة من نوعها هو وجود نتوء حاد في طرف الأسنان الورقية، والذي منح النوع اسمه.إضافة إلى أن الشكل المستقيم لقاعدة الورقة القمية يميزها جدًا، إذ أن جميع الأنواع الأحفورية الأخرى في أوراسيا تتميز بقاعدة منحنية».

انتشار الأمبلوبسيديا عبر جسر المحيط الأطلسي أو مضيق بيرنغ

حتى الآن، عُثر على أقدم سجل لعائلة العنب في ترسبات الطباشيري العلوي بالهند (75-65 مليون سنة مضت). ويعود أقدم سجل لهذه السلالة النباتية في الأمريكتين إلى عصر الإيوسين العلوي، قبل حوالي 39.4 مليون سنة، وفي الفترة الزمنية ذاتها ظهرت سلالات الأمبلوبسيس ونيكيميا في أوروبا وآسيا الوسطى.

كيف انتشرت هذه الأنواع في الماضي؟ تباعدت هذه القبائل بين الطباشيري العلوي وعصر الإيوسين العلوي، ورغم وجود العديد من المجهولات، يبدو أنها انتشرت وتطورت بسرعة كبيرة.

يقول دينك: «وفقًا للبيانات الحالية التي تتوافق مع تقنية الساعة الجزيئية، قد تكون الأمبلوبسيديا اتبعت مسارين محتملين للانتشار أو خليطًا من الاثنين. يقترح المسار الأول أنها انتقلت من الهند إلى وسط آسيا وأوروبا خلال عصر الإيوسين الأوسط (47-37 مليون سنة مضت)، ثم إلى الأمريكتين عبر غرينلاند».

ويضيف دينك: «يقترح المسار الثاني أن عائلة فيتاسي انتقلت من الهند وانتشرت شرقًا عبر آسيا خلال الإيوسين الأوسط، ثم انتقلت بسرعة إلى الأمريكتين عبر مضيق بيرنغ، ومن هناك إلى أوروبا عبر الجسر الأطلسي الشمالي».

رغم أن انتشار هذه الأنواع لا يبدو مرتبطًا بالمناخ، لكن من المحتمل أن زيادة الجفاف خلال الأوليغوسين في شبه الجزيرة الإيبيرية وجنوب أوروبا تفسر انقراض آخر مجموعة من نيكيميا موكروناتا هناك قبل حوالي 27-23 مليون سنة. وبالتوازي، اقتصرت أمبلوبسيس هيبشي على منطقة البلقان، قبل أن تنقرض قبل حوالي 15 مليون سنة.

يختم الفريق قائلاً: «لا تزال هناك العديد من الأسئلة حول المراحل الأولى للانتشار (من الطباشيري المتأخر إلى عصر الباليوجين). ولهذا السبب، نود مواصلة دراسة هذه العائلة، وربما نتمكن من حل ما حدث خلال مراحل انتشارها المبكرة، والتي جرت بين 66 و41 مليون سنة مضت».

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *