تمتلك الرئيسيات، بما في ذلك البشر، أدمغة أكبر من معظم الثدييات الأخرى، ولكن لماذا؟ لقد اتبع العلماء الذين يبحثون عن الإجابة منذ فترة طويلة مسارًا يشير إلى النظام الغذائي، وخاصة الفاكهة باعتباره السبب وراء تطور أدمغة الرئيسيات.
اختبر فريق من معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان ومعهد سميثسونيان للأبحاث الاستوائية هذه الفكرة للمرة الأولى، ولاحظوا أن نظرية النظام الغذائي للفاكهة قد تكون خاطئة.
استخدم الباحثون التصوير بطائرات من دون طيار، وتتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، وتحليلات سلوكية دقيقة لاختبار كيفية حل أربعة أنواع من الثدييات التي تأكل الفاكهة نفس لغز البحث عن الطعام الطبيعي في الغابات المطيرة في بنما. ووجدوا أن أنواع الرئيسيات ذات الأدمغة الأكبر لم تحل لغز العثور على الفاكهة بشكل أكثر كفاءة من الثدييات ذات الأدمغة الأصغر.
غيرت هذه الدراسة، التي نشرت في 28 مايو في مجلة Proceedings of the Royal Society B وجهة النظر التقليدية القائلة بأن هناك حاجة إلى دماغ كبير لاتخاذ قرارات ذكية عند العثور على الطعام.
وفقًا للنظرية الرائدة عن كيفية تطوير الرئيسيات لأدمغة أكبر، فإن الفاكهة والذكاء يعملان جنبًا إلى جنب لتعزيز نمو الدماغ. يمكن للحيوانات ذات الأدمغة الأكبر استخدام ذكائها للعثور على الفاكهة بشكل أكثر كفاءة، مما يوفر بدوره المزيد من الطاقة لتغذية أدمغة أكبر.
الفاكهة، بعد كل شيء، هي مورد قيم ولكنه متغير. إنه يفرض متطلبات معرفية على الحيوانات التي يجب أن تجد الأشجار المثمرة وتتذكر متى تنضج. دعمت الدراسات النظرية الغذائية لتطور الدماغ من خلال إظهار الارتباطات بين حجم الدماغ وكمية الفاكهة في النظام الغذائي.
لكن يعتقد باحثوا معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان ومعهد سميثسونيان للأبحاث الاستوائية أن النظرية موضع تساؤل مهم. يقول المؤلف الأول بن هيرش، وهو باحث مشارك في معهد سميثسونيان للأبحاث الاستوائية: «إن فرضية النظام الغذائي للفاكهة غير مدعومة بأي دليل تجريبي على الإطلاق».
اختبار أكلة الفاكهة في بنما
لاختبار فرضية النظام الغذائي للفاكهة، يجب على العلماء قياس مدى كفاءة الحيوان في العثور على الفاكهة. يقول هيرش: «تسافر الرئيسيات والعديد من الثدييات الأخرى مسافات طويلة كل يوم بحثًا عن الطعام، مما يجعل من المستحيل تقريبًا تكرار تحديات الملاحة في العالم الحقيقي في المختبر».
وتحايل الفريق على هذه المشكلة من خلال استغلال ظاهرة طبيعية تحدث في الغابات المطيرة في جزيرة بارو كولورادو في بنما. لمدة ثلاثة أشهر كل عام، تضطر الثدييات التي تأكل الفاكهة إلى التغذية على نوع واحد من الأشجار، وهي أشجار كومارو (Dipteryx oleifera).
يقول المؤلف الرئيسي ميج كروفوت، مدير معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان وأستاذ جامعة كونستانز: «نظرًا لأن الحيوانات تتغذى بشكل حصري تقريبًا على فاكهة كومارو، فإنها تحل في نفس الوقت نفس لغز البحث عن الطعام. وهذا يعطينا أداة قوية لمقارنة كفاءة البحث عن الطعام».
رسم الفريق خريطة لموقع جميع أشجار كومارو في جزيرة بارو كولورادو عن طريق طائرات من دون طيار، إذ تمتلك الأشجار الطويلة أزهار أرجوانية واضحة. كشفت خريطة شجرة الفاكهة عن المدى الكامل للغز الفاكهة الذي تواجهه الحيوانات، لكن احتاج العلماء أيضًا إلى اختبار مدى كفاءة الثدييات ذات أحجام الدماغ المختلفة في الوصول إلى هذه الأشجار.
تتبعوا العديد من أفراد اثنين من الرئيسيات ذات الأدمغة الكبيرة (القردة العنكبوتية والكبوشيين ذوي الوجه الأبيض) واثنين من أقارب الراكون ذوي الأدمغة الأصغر (الكاتيس ذو الأنف الأبيض والكينكاجوس). كشفت أجهزة استشعار نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) عن المسارات التي سلكتها الحيوانات إلى أشجار كومارو، بينما أكدت مقاييس التسارع أن الحيوان كان نشطًا، وربما يتغذى، أثناء زيارة الشجرة.
ثم حسب العلماء كفاءة المسار على أنها مقدار الوقت اليومي الذي تقضيه على أشجار كومارو مقسومًا على المسافة المقطوعة. وفقًا لفرضية النظام الغذائي للفاكهة، يجب أن تظهر قردة الكبوشي والقرود العنكبوتية ذات الأدمغة الكبيرة كفاءة أكبر في الطريق من قردة الكاتيس والكينكاجوس.
يقول كروفوت: «لم نجد أي دليل على أن الحيوانات ذات الأدمغة الكبيرة اتخذت قرارات أكثر ذكاءً عند البحث عن الطعام. إذا كانت الأدمغة الكبيرة تجعل الحيوانات أكثر ذكاءً، فلن يُستخدم هذا الذكاء لتوجيه نفسها بشكل أكثر كفاءة إلى أشجار الفاكهة في هذه الغابات الاستوائية المطيرة».
فلماذا زاد حجم الدماغ في بعض الأنواع؟ يقول المؤلفون إنه من خلال دحض فرضية النظام الغذائي للفاكهة، يمكن لدراستهم أن تحول التركيز إلى أفكار تتجاوز كفاءة البحث عن الطعام.
يقول هيرش: «قد تعزز الأدمغة الأكبر حجم ذاكرة عرضية أفضل، مما يسمح لهذه الأنواع بتحديد وقت أفضل لزيارة الأشجار لزيادة كمية الفاكهة الناضجة التي تصادفها». يقترح المؤلفون أيضًا أن الأدمغة الأكبر حجمًا قد تكون مرتبطة باستخدام الأدوات، أو الثقافة، أو تعقيد العيش في مجموعة اجتماعية.
يقول كروفوت: «لا يمكن لدراستنا تحديد الدوافع الدقيقة لتطور الدماغ، لكننا تمكنا من استخدام تقنيات طفيفة التوغل لاختبار فرضية كبيرة حول التطور والإدراك وسلوك الحيوانات البرية بشكل تجريبي».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org