أدلة جديدة على اختفاء الثدييات الكبيرة في أمريكا الشمالية منذ 50 ألف عام

أدلة جديدة على اختفاء الثدييات الكبيرة في أمريكا الشمالية منذ 50 ألف عام

قبل 50 ألف سنة، كانت تحكم حيوانات ضخمة أمريكا الشمالية. كانت حيوانات الماموث الضخمة تجوب مناطق التندرا، بينما كانت الغابات موطنًا لصناجات (مستودونات) هائلة، ونمور شرسة ذات أسنان سيفية، وذئاب ضخمة. وتحرك البيسون (الثور الأمريكي) والجمال الطويلة بشكل غير عادي في قطعان عبر القارة، بينما كانت القنادس العملاقة تغزو بحيراتها وبركها. عثر على حيوانات الكسلان الأرضية الضخمة التي يزيد وزنها عن 1000 كجم في العديد من المناطق شرق جبال روكي.

وبعد ذلك، في وقت ما في نهاية العصر الجليدي الأخير، اختفت معظم الحيوانات الضخمة في أمريكا الشمالية. كيف ولماذا لا يزال محل نزاع ساخن. يعتقد البعض أن وصول البشر كان محوريًا. ربما اصطادوا هذه الحيوانات وأكلوها، أو ربما غيروا بيئاتهم أو تنافسوا على مصادر الغذاء الحيوية.

لكن يؤكد باحثون آخرون أن تغير المناخ هو السبب، فقد أدى ذوبان الثلوج بعد عدة آلاف من السنين من درجات الحرارة الجليدية إلى تغير البيئات بشكل أسرع من قدرة الحيوانات الضخمة على التكيف. كان الخلاف بين هاتين المدرستين شرسًا والمناقشات مثيرة للجدل.

وعلى الرغم من عقود من الدراسة، لكن لايزال لغز العصر الجليدي هذا من دون حل. ببساطة، ليس لدى الباحثين أدلة كافية في هذه المرحلة لاستبعاد أحد هذه السيناريوهات، أو حتى التفسيرات الأخرى التي اقترحها البعض (مثل المرض، أو اصطدام مذنب، أو مجموعة من العوامل). أحد الأسباب هو أن العديد من العظام التي يتتبع العلماء من خلالها وجود الحيوانات الضخمة مجزأة ويصعب التعرف عليها.

في حين أن بعض المواقع تحافظ على بقايا الحيوانات الضخمة بشكل جيد، لكن الظروف في مواقع أخرى كانت قاسية على عظام الحيوانات، مما أدى إلى تحللها إلى أجزاء أصغر تغيرت بدرجة كبيرة وبشكل لا يمكن التعرف عليها. وتشمل عمليات الاضمحلال هذه التعرض، والتآكل، والانكسار، والتحلل الجزيئي الحيوي.

تجعلنا مثل هذه المشاكل نفتقر إلى معلومات مهمة عن مكان توزيع أنواع معينة من الحيوانات الضخمة، ومتى اختفت بالضبط، وكيف استجابت لوصول البشر أو التغير المناخي في البيئات في أواخر العصر البليستوسيني.

تطبيق التكنولوجيا الحديثة على العظام القديمة

نُشرت دراسة جديدة في مجلة Frontiers in Mammal Science لمعالجة هذا النقص في المعلومات. وللقيام بذلك، وجهوا انتباههم إلى المجموعات الاستثنائية في متحف سميثسونيان الوطني للتاريخ الطبيعي في واشنطن العاصمة. يضم المتحف العديد من الحفريات الأثرية التي أجريت على مدى المئة عام الماضية، وهو عبارة عن مخزن استثنائي لعظام الحيوانات ذات الصلة بمعرفة كيفية انقراض الحيوانات الضخمة في أمريكا الشمالية.

ولكن العديد من هذه البقايا مجزأة إلى حد كبير ولا يمكن التعرف عليها، مما يعني أن قدرتها على تسليط الضوء على هذه المسألة، على الأقل حتى الآن، كانت محدودة.

ولحسن الحظ، شهدت السنوات الأخيرة تطور طرق جزيئية حيوية جديدة للاستكشاف الأثري. وبدلاً من التوجه للتنقيب في مواقع جديدة، يحول علماء الآثار اهتمامهم بشكل متزايد إلى المختبر العلمي، مستخدمين تقنيات جديدة لفحص المواد الموجودة.

إحدى هذه التقنيات الجديدة تسمى ZooMS – وهي اختصار لـ Zooarchaeology بواسطة قياس الطيف الكتلي. وتعتمد هذه الطريقة على حقيقة أنه على الرغم من أن معظم البروتينات تتحلل بسرعة بعد وفاة الحيوان، لكن يبقى بعضها، مثل كولاجين العظام لفترات زمنية طويلة. وبما أن بروتينات الكولاجين تختلف في كثير من الأحيان بطرق صغيرة ودقيقة بين المجموعات التصنيفية المختلفة للحيوانات، وحتى الأنواع الفردية، توفر تسلسلات الكولاجين نوعًا من الباركود الجزيئي للمساعدة في تحديد شظايا العظام التي لا يمكن التعرف عليها بطريقة أخرى.

لذلك، يمكن فصل أجزاء بروتين الكولاجين المستخرجة من كميات دقيقة من العظام وتحليلها باستخدام مطياف الكتلة لإجراء عملية التعرف على بقايا العظام التي لا يستطيع علماء آثار الحيوان التقليديون التعرف عليها.

اختيار المواد الأثرية للدراسة

قرر الباحثون استخدام هذه الطريقة لإعادة زيارة المواد المؤرشفة في متحف سميثسونيان. كانت دراستهم دراسة تجريبية تطرح السؤال الرئيسي: هل ستحتفظ العظام الموجودة في متحف سميثسونيان بكمية كافية من الكولاجين حتى نتمكن من معرفة المزيد عن المواد العظمية المجزأة في مخازنه؟

لم تكن الإجابة واضحة، لأن العديد من عمليات التنقيب حدثت منذ عقود مضت. في حين خُزنت المواد على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك في منشأة حديثة، فإن التاريخ المبكر للحفريات يعني أن المعايير الحديثة لم تُطبق بالضرورة على التعامل معها ومعالجتها وتخزينها في جميع المراحل.

فحص الفريق مواد العظام من خمسة مواقع أثرية. تعود جميع المواقع إلى العصر الجليدي المتأخر/وباكرًا في عصر الهولوسين أو قبل ذلك، وكانت تقع في كولورادو، في غرب الولايات المتحدة. نُقب عن أقدمها في عام 1934، وآخرها في عام 1981.

على الرغم من أنه كان من الممكن التعرف على بعض المواد من المواقع، لكن الكثير منها كان مجزأً إلى حد كبير ولم يحتفظ بميزات تشخيصية قادرة على تحديد هوية الحيوان الأثرية للأنواع أو الجنس أو حتى العائلة. بدت بعض شظايا العظام غير واعدة إلى حد كبير، فقد كانت مبيضة ومتعرضة للتجوية، أو مستديرة الحواف، مما يشير إلى أنها نُقلت عن طريق الماء أو الرواسب قبل دفنها في الموقع.

اكتشاف الحفاظ الممتاز على الجزيئات الحيوية

ويا لها من مفاجأة، فعلى الرغم من قدم العديد من المجموعات، والمظهر غير الواعد لكثير من المواد، والأصول القديمة للعظام نفسها، كانت النتائج ممتازة. في الواقع، 80% من العظام التي حلل العلماء عيناتها أنتجت ما يكفي من الكولاجين الذي تحتاجه تقنية ZooMS، واستطاعوا تحديد 73% منها على مستوى الجنس.

شملت الأصناف التي حددوها باستخدام ZooMS البيسون، والماموثوس (الجنس الذي ينتمي إليه الماموث)، والكاميليداي (عائلة الجمال)، وربما الماموت (الجنس الذي تنتمي إليه المستودونات). في بعض الحالات، تمكنوا فقط من تخصيص العينات لمجموعات تصنيفية واسعة لأن العديد من حيوانات أمريكا الشمالية لا تزال تفتقر إلى مكتبات ZooMS المرجعية. تعتبر قواعد البيانات هذه، (المُطورة بشكل جيد نسبيًا بالنسبة لأوراسيا، ولكن ليس بالنسبة للمناطق الأخرى) ضرورية لتحديد الأطياف التي تنتجها العينة عند تشغيلها على مقياس الطيف الكتلي.

عندما تنظر إلى هذه العظام الحيوانية المجزأة للغاية والصغيرة وغير القابلة للتشخيص، ستجدها غير ملهمة أو مفيدة ظاهريًا. ولكن مثل الأدوات الجزيئية الحيوية الأخرى، يكشف ZooMS عن المعلومات الغنية التي ماتزال موجودة في هذه العينات المهملة التي لم تلفت انتباه الباحثين ولا الزائرين لعقود من الزمن.

تسلط النتائج أيضًا الضوء على إمكانات مثل هذه المجموعات في معالجة المناقشات الجارية حول متى وأين وكيف انقرضت الحيوانات الضخمة. من خلال الانفتاح على تحليل المواد العظمية المجزأة التي تشكل جزءًا كبيرًا من سجل الحيوانات الضخمة، لدى ZooMS القدرة على المساعدة في توفير ثروة من البيانات البحثية الجديدة لمعالجة الأسئلة القديمة حول انقراض الحيوانات الضخمة. توفر هذه التقنية طريقة سهلة وسريعة ورخيصة نسبيًا لاستخراج معلومات جديدة من المواقع التي نقب فيها الباحثون منذ فترة طويلة.

يسلط بحثهم أيضًا الضوء على أهمية الحفاظ على المجموعات الأثرية. عندما يعاني الباحثون والمؤسسات من نقص التمويل، قد تُهمل أو تُرمى القطع الأثرية والعظام غير البراقة أو ذات الفائدة الفورية الواضحة. فمن المهم تزويد المتاحف بالتمويل الكافي لرعاية البقايا الأثرية وإيوائها على المدى الطويل.

فبحسب تحليلهم، يمكن لمثل هذه المواد القديمة أن تجد حياة جديدة بطرق غير متوقعة، مثل هذه الحالة، مما يسمح لنا باستخدام شظايا عظمية صغيرة للمساعدة في الاقتراب قليلاً من حل لغز سبب اختفاء بعض أكبر الحيوانات على الإطلاق من أمريكا الشمالية القديمة.

ترجمة: ولاء سليمان

المصدر: phys.org

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *