ما الذي جعل الديدان الأسطوانية بهذه القسوة؟
حصل الباحثون في معهد ماكس بلانك لعلم الأحياء على أدلة مثيرة للاهتمام عن تأثير العوامل البيئية والتكيف الجيني على تطور سمات وسلوكيات جديدة وعدوانية في الديدان الأسطوانية.
يثير اكتشاف ازدواج الجينوم والتحول الجديد لأكل المثيل (أكل المثيل أو القَنبليَّة بالإنجليزية: Cannibalism) هو أَكْلُ الحيِّ لحيٍّ مثله، وهو تفاعل شائع في المملكة الحيوانية، تم ملاحظته في سلوكيات أكثر من 1500 نوع.)
في ديدان ألوديبلوغاستر سودهاوسي الأسطوانية Allodiplogaster sudhausi تساؤلات حول كيفية تأثير هذه التغييرات الجينية على الديناميكيات الاجتماعية، والتفاعلات بين الأنواع، والمنافسة على الموارد داخل تجمعات الديدان الأسطوانية.
نُشرت النتائج التي توصلوا إليها في مجلة Science Advances.
أحد أكثر الألغاز المحيرة في علم الأحياء التطوري هو تطور السمات المعقدة التي غالبًا ما تؤدي إلى التنوع المورفولوجي.
كرّس البروفيسور الدكتور رالف سومر، مدير قسم علم الأحياء التطوري التكاملي حياته لدور البيئة في تطور اللدونة وعلم الوراثة.
يستمر هذا البحث في تقديم دليل على التأثير العميق لللدونة وأهميتها على التغيرات الشكلية أو الفسيولوجية أو السلوكية للكائنات الحية عبر الأجيال.
الديدان الأسطوانية هي ديدان مستديرة مجهرية موجودة في التربة. تتغذى عادة على البكتيريا.
بحث فريق سومر في ديدان ألوديبلوغاستر سودهاوسي الأسطوانية.
واكتشفت الدراسة الجديدة عن تطور مفاجئ: يمكن لهذه المخلوقات أن تطور فمًا عملاقًا، وتطور سلوك أكل المثيل، وتنمو بمعدل ضعف حجم معظم الديدان الأسطوانية الموجودة في التربة.
تحفيز الظروف الغذائية السيئة والمنخفضة ظاهرة أكل المثيل
أشارت الأبحاث السابقة على ألوديبلوغاستر سودهاوسي إلى وجود نوعين مختلفين من أشكال التغذية يختلفان في شكل الفم وتعقيد الأسنان.
ومع ذلك، حددت سارة ويغارد، المؤلفة الرئيسية وباحثة الدكتوراه السابقة، شكلًا ثالثًا مفاجئًا.
عند إطعامها فطريات مختلفة، بما في ذلك البنسيليوم كاميمبرتي Penicillium cammemberti، طورت الدودة فمًا ضخمًا ثالثًا، سُمي لاحقًا باسم (الشكل الفموي الضخم) Terastostomatous (Te) morph.
عثر العلماء على هذه الديدان أيضًا في ظل ظروف مجاعة وازدحام مرهقة.
ومن المثير للدهشة أن هذا الشكل الذي حددوه حديثًا أظهر سلوك غير مسبوق لظاهرة أكل المثيل، إذ تفترس هذه الديدان أقاربها على الرغم من كونها متطابقة وراثيًا (هذه الديدان خنثى ولا تتطلب من الذكور إنجاب ذرية).
يشرح سومر ما الذي قد يدفعهم إلى أكل لحوم أقاربهم، «إنهم لا يتلقون ما يكفي من العناصر الغذائية من الفطريات، ومع ضغط الموارد الناتج عن كونهم محاطين بالعديد من الديدان الأخرى، أصبحوا أكثر عدوانية استجابة للتوتر».
خارج بيئة المختبر، يمنح سلوك أكل المثيل الأنواع فرصة أكبر للبقاء على قيد الحياة على المدى الطويل في الظروف العصيبة.
كشفت النتائج السابقة التي توصل إليها ويغارد أن هذا النوع خضع لما يُعرف بالـ التكرار الكامل للجينوم (WGD).
على عكس أقاربهم الذين يبلغ طولهم 1 ملم، نمت ديدان ألوديبلوغاستر سودهاوسي الأسطوانية إلى 2 ملم بسبب التكرار الكامل للجينوم مما جعلها مرئية للعين المجردة.
تتبع الشكل الخارجي الجديد
نظرًا لأن السمة الجديدة لشكل الفم الثالث لا تظهر أي تداخل مع الشكلين الآخرين المعروفين، بدأ الباحثون في تحديد الآلية التي تنظم الشكل الجديد. وباستخدام تقنية كريسبر، وجدوا أن جينات النمو التبديلية المحفوظة هي التي تنظم ظهور شكل الفم الثالث، مما يشير إلى الخيار المشترك للآليات الجينية الموجودة.
وكشفت الدراسات الجينية بعد ذلك عن الأدوار المميزة لهذه التغيرات في النمو في تحديد أشكال الفم المختلفة.
يشير الارتباط إلى أن التعديلات الجينومية واسعة النطاق مثل التكرار الكامل للجينوم هي التي تدفع المستجدات الشكلية للديدان الأسطوانية والتنوع الشكلي.
وبما أنه لا توجد سلالة أخرى تظهر تغيرات مماثلة، لن يستطع الفريق تحديد هذا القرار التطوري حتى يجري المزيد من الأبحاث.
بشكل عام، تسلط الدراسة الضوء على التفاعل المعقد بين العوامل البيئية، وفي هذه الحالة، النظام الغذائي والازدحام، والتغيرات الجينية في تشكيل التنوع الشكلي.
إن ظهور فم جديد كهذا وحدوث التكرار الكامل للجينوم يدعم أيضًا أهمية اللدونة في التأثير على المسار التطوري للأنواع.
يشير هذا الاكتشاف إلى أن الديدان الأسطوانية يمكنها التكيف بسرعة مع البيئات القاسية من خلال تطوير سمات جديدة مثل أكل المثيل. وقد تكون القدرة على التغيير بناءً على الضغوط البيئية أمرًا حاسمًا لبقائهم على المدى الطويل.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org