استفادت مجموعة دولية من الباحثين من مجموعة معلومات ذات وصول مفتوح (يمكن لأي شخص الحصول عليها مجاناً من الانترنت) للتحقق من صحة فرضية قديمة في علم البيئة التطوري. تقترح الفرضية الكلاسيكية اتجاه الحيوانات المفترسة في تطورها لامتلاك مجموعة كبيرة ومتنوعة من وسائل التمويه وعدد أقل من إشارات التحذير، دون أن يتم اختبار هذه الفكرة على الفرائس الطبيعية.
تحقق فريق من العلماء من جامعة هلسنكي من صحة الفكرة من خلال إعادة النظر في قواعد بيانات كبيرة لصور الحيوانات. وركزوا على دراسة اختلاف ألوان العث. نشرت نتائج البحث إليها في مجلة Nature Communications.
تشرح النظرية كيفية حماية الحيوانات لنفسها من الحيوانات المفترسة مثل الطيور. فتحاول بعض الحيوانات الاندماج مع محيطها لإرباك الحيوانات المفترسة مستخدمة في ذلك ألواناً وأنماطاً مختلفة.
من ناحية أخرى، تتعمد بعض الحيوانات السامة إظهار ألوان زاهية وعلامات خاصة لتحذير الحيوانات المفترسة من أكلها. وهذا ما يسمى بـ «التحذير اللوني» أو «aposematism». على عكس الحيوانات التي تلجأ للاختباء والتمويه، ترغب هذه الحيوانات بأن تلاحظها الحيوانات المفترسة. يؤثر هذا الاختلاف على كيفية تطور ألوانها بمرور الوقت.
تقول البروفيسورة جوانا مابيس من جامعة هلسنكي: «يحاول الباحثون معرفة سبب اختلاف مظهر وأنماط بعض الحيوانات ذات الألوان الزاهية، وهو ما لا يتطابق مع ما تقوله النظرية». ومع كل الجدل التي أثارته النظرية، لم يتحقق أحد من صحة فكرتها الرئيسية حتى الآن.
حصل الفريق على بياناته من السجلات الرقمية التي استضافها متحف التاريخ الطبيعي في لندن، والمرفق العالمي لمعلومات التنوع البيولوجي، وشبكة مجموعات سيمبيوتيكا للمفصليات، بدلاً من جمع المعلومات ميدانياً.
درس الباحثون 2800 صورة لأجنحة 82 نوعاً من العث لتقييم تباين الأنماط والألوان عند كل نوع. أخذت الاختبارات الإحصائية التاريخ التطوري والتأثيرات البيئية في عين الاعتبار لتحديد ما إذا كان التباين يختلف بين الأنواع المموهة والأنواع ذات الألوان الزاهية.
توافقت النتائج مع النظرية الكلاسيكية: أظهرت الحيوانات المموهة اختلافات في أنماط أجنحتها أكثر من تلك ذات الألوان الزاهية. مع ذلك، لم يكن الاختلاف نفسه في كل الجوانب التي تم قياسها. فمع امتلاك الحيوانات المموهة أنواعاً أكثر من أنماط الأجنحة، إلا أن تنوع اللون والتباين لتلك الأنماط كان متشابهًا بشكل لافت مع الحيوانات ذات الألوان الزاهية.
يوضح ذلك أن وجود أنماط مختلفة قد يكون أكثر أهمية لإرباك الحيوانات المفترسة، مع الحفاظ على الألوان المهمة للاختباء أو التحذير في مواطن تلك الحيوانات. قد تتمتع الحيوانات التي تلجأ إلى تحذير المفترسين بألوانها الزاهية أيضاً بمرونة أكبر في تنوع ألوانها مقارنة مع ما كنا نعتقده سابقاً.
علقت البروفيسورة مابيس: «بالطبع هناك اختلافات حتى بين الحيوانات ذات الألوان الزاهية، ولكن ليس بنفس قدر تلك التي تعتمد على التمويه في الدفاع عن نفسها».
يسلط هذا البحث أيضاً الضوء على مدى أهمية استخدام قواعد البيانات عبر الإنترنت لإجراء أبحاث مهمة. قد تكون الإجابات على الأسئلة الكبيرة موجودة بالفعل في المتاحف، وليست مخفية، و يمكن للجميع الوصول إليها عبر الإنترنت.
تؤكد مابيس أننا لا نستفيد إلى أقصى حد من متاحف التاريخ الطبيعي لاختبار النظريات حول كيفية تطور الحيوانات وعيشها في بيئاتها. يمكن أن تقدم هذه المجموعات مساعدة كبيرة للباحثين، خاصة عند التعامل مع النظريات التي تمتد لأجيال عديدة ومناطق جغرافية كبيرة، والتي قد يكون من الصعب دراستها بمواردنا المحدودة فقط.
في الختام، توضح هذه الدراسة الرائدة أن الإجابات على الأسئلة التطورية قد تكون موجودة بالفعل في أرشيفات الإنترنت. ومن خلال الانترنت، يستطيع علماء البيئة التطورية حل الألغاز التطورية دون الاعتماد على أنظمة ميدانية معقدة، ولكن من خلال الاستفادة من الجهود المذهلة التي تبذلها المتاحف لرقمنة وأتمتة مجموعاتها المادية.
ترجمة: علاء شاهين
المصدر: phys.org