بكتيريا مدهشة قد تغير فهمنا لعملية التركيب الضوئي القديمة

بكتيريا مدهشة في بحيرة كندية قد تغير فهمنا لعملية التركيب الضوئي القديمة

صورة: خلية الكلوروهيليكس تحت المجهر. المصدر: جامعة واترلو

لا تسير كل التجارب كما هو متوقع لها، والتجارب العلمية ليست استثناءً، لكن التجارب «الفاشلة» أو النتائج غير المتوقعة يمكن أن تمهد الطريق إلى اكتشاف غير متوقع على الإطلاق. واجه جاكسون تسوجي، طالب الدكتوراه بجامعة واترلو، عينة بكتيرية ضعيفة النمو لم يكن مستعدًا للتخلي عنها، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى اكتشاف فريد من نوعه يمكن أن يغير نظرة العلماء إلى عملية التركيب الضوئي وأصولها.

في عام 2015، انضم تسوجي إلى مختبر البروفيسور ورئيس البحث الجامعي جوش نيوفيلد للبحث عن بكتيريا غير عادية تستخدم التركيب الضوئي في البحيرات الكندية الشمالية. تنص فرضية طرحتها شيري شيف، أستاذة علوم الأرض والبيئة، إلى احتمالية أن تضم هذه البحيرات ​​بكتيريا مشابهة لتلك التي كانت موجودة على سطح الأرض في بداية نشأتها، ومن هذا المنطلق، شرع نيوفيلد وتسوجي والطالبة التعاونية، نيكوليت شو، بدراسة البحيرة 227 في منطقة البحيرات التجريبية التابعة لمعهد الأمم المتحدة للتنمية المستدامة بالقرب من كينورا، أونتاريو.

للأسف، حقق الفريق نتائج متباينة في أول عامين من أخذ عينات البحيرة وزراعتها، ولم ينجح في زراعة البكتيريا التي كان أعضاء الفريق يبحثون عنها حتى بعد تعريض مئات الحاضنات الزجاجية، الحاوية على مياه البحيرة، للضوء.

عاد الفريق إلى طور التصميم. مع ذلك، احتفظ تسوجي بإحدى زجاجات التجربة من البحيرة 227 لأنها أثارت فضوله، مع أنها لم تظهر ما كان يتوقعه الفريق.

يقول تسوجي: «بعد مرور ثلاثة أشهر، لاحظنا علامات على بدء أكسدة الحديد في الزجاجة، لم تكن البكتيريا المستهدفة الرئيسية موجودة في الزجاجة، وهو أمر مثير للاهتمام. بذلنا قصارى جهدنا للحفاظ على استمرار الاستزراع كمشروع جانبي، ولفترة تقارب العام، احتفظنا ببعض عينات الاستزراع في مؤخرة إحدى الحواضن واحتفظنا بالبعض الآخر في الثلاجة كنسخة احتياطية».

أظهرت اختبارات الفريق القائمة على الحمض النووي (DNA) وجود بكتيريا استثنائية للغاية تنمو في العبوة، لم تظهر هذه البكتيريا إلا تشابهًا بسيطًا مع بعض الأنواع البكتيرية التي سبق لها أن زُرعت في المختبر. في عام 2018، أخذ تسوجي عينات من هذه المزرعة في رحلة بحثية إلى مختبر اتحاد الأحياء المجهرية البنائية (Photosynthetic Microbial Consortium Laboratory) في اليابان.

يمتلك الباحثون في مختبر اتحاد الأحياء المجهرية البنائية خبرة في زراعة أقرب الأقارب البكتيرية المعروفة للبكتيريا الغريبة الموجودة في عبوة تسوجي. بعد شهرين من التجارب، نجح تسوجي وفريق البحث في تحفيز البكتيريا الموجودة في العبوة على النمو بشكل جيد. درسوا أيضًا جينومها واكتشفوا شيئًا مذهلًا لم يسبق لهم أن يتوقعوه.

يقول تسوجي: «لم نعثر على بعض الجينات الأساسية المتعلقة بالتركيب الضوئي التي توقعنا وجودها، ولكن، ومقابل غياب هذه الجينات، وجدنا فصيلة جديدة تمامًا من بروتينات مركز تفاعل البناء الضوئي». ويضيف: «أتذكر تمامًا كيف هنأني الأستاذ الفخري في المختبر، كيزو شيمازونو، باكتشاف ما نعتقد الآن أنه فرع جديد للحياة المعتمدة على التركيب الضوئي، وجزء أساسي من لغز كيفية تطور عملية البناء الضوئي على الأرض. لقد كان أمرًا لا يصدق».

عاد تسوجي إلى واترلو بعد رحلته لاستكمال دراسة الدكتوراه والتنقيب بشكل أعمق فيما يمكن أن يعنيه هذا الاكتشاف.

صرح تسوجي: «لقد شكّل هذا الإنجاز تحديًا للمعرفة العلمية السائدة حول نشأة عملية التركيب الضوئي، وقدّم تفسيرات لبعض الجوانب الغامضة التي لم يكن بالإمكان تفسيرها سابقًا. مع ذلك، فقد خلق أيضًا أسئلة أكثر من الإجابات، وقد كنت متحمسًا لمواصلة الاستقصاء».

عندما أكمل تسوجي درجة الدكتوراه، أعطاه نيوفيلد العينات لمواصلة عمله كباحث ما بعد الدكتوراه في جامعة هوكايدو في اليابان.

يقول نيوفيلد: «هذا مشروع جاكسون، وأرغب منه أن يتولى زمام المبادرة في الخطوات التالية. أدى إصراره إلى اكتشاف غير متوقع يمكن أن يغير رؤيتنا حول أصول الحياة المعتمدة على التركيب الضوئي، بما في ذلك النباتات والطحالب. هذه فترة مثيرة لأبحاث التركيب الضوئي، والآن، وبعد نشر بحثنا، أصبحت متحمسًا لرؤية ما سيحدث لاحقًا في هذا الموضوع البحثي الجديد في مختبر جاكسون».

مكن عمل ما بعد الدكتوراه الذي نفذه تسوجي في جامعة هوكايدو، مع البروفيسور مانابو فوكوي، والأستاذ المساعد، توموهيرو واتانابي، الفريق من جمع البيانات الأساسية اللازمة للتحقق من اكتشافاتهم الأولية ونشرها، وبلغت ذروة العمل البحثي في ورقة بعنوان «تصوير بكتيريا لاهوائية للكلوروفليكسوتا تستخدم مركز تفاعل من النوع الأول» نُشرت الآن في مجلة Nature.

بعد أن أصبح زميلًا باحثًا شابًا في وكالة علوم البحار والأرض اليابانية (JAMSTEC)، يواصل تسوجي أبحاثه للإجابة عن جميع الأسئلة التي تطرحها هذه البكتيريا وما تعنيه بالكامل لكيفية نظر العلماء إلى تاريخ عملية التركيب الضوئي. يدرس تسوجي حاليًا كيفية التقاط البكتيريا للضوء وتحول المغذيات في بيئتها، لإيجاد فهم جديد لكيفية نشوء الحياة المعتمدة على التركيب الضوئي على الأرض في مراحلها الأولى.

يقول تسوجي: «تدفعنا نتائجنا الأولية حول عملية التمثيل الغذائي لهذه البكتيريا وآلية التركيب الضوئي الخاصة بها إلى التكهن بأنها بمثابة أحفورة حية، أي يمكن النظر إليها باعتبارها كائن حي يحتفظ بصفات تشبه تلك التي كانت تحملها الحياة القديمة. نطمح في السنوات المقبلة، إلى معرفة المزيد عن الخصائص المذهلة لهذه البكتيريا لاكتساب رؤى جديدة حول فهم عملية التركيب الضوئي بالشكل الذي تعمل به اليوم وكيف حوّلت هذه العملية الأرض على مدار تاريخها».

 

المصدر: phys.org

ترجمة: علاء شاهين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *