الفتحات الحرارية المائية في أعماق البحار هي ينابيع ساخنة في قاع المحيط. تخترق مياه البحر قشرة المحيط، وتسخن، وترتفع إلى سطح قاع البحر حاملة العناصر الغذائية الذائبة. وحول هذه الفتحات، وبعيدًا عن ضوء الشمس، توجد مجتمعات بيولوجية نابضة بالحياة. هنا، تلعب الميكروبات دور المنتجين الأساسيين من خلال عملية البناء الكيميائي، على غرار الدور الذي تلعبه النباتات على الأرض من خلال عملية التمثيل الضوئي.
يعمل الباحثون في جامعة هوكايدو، بالتعاون مع زملائهم في معهد وودز هول لعلوم المحيطات، على فهم التنوع الميكروبي في البيئات الحرارية المائية في أعماق البحار في مرتفعات شرق المحيط الهادئ بناءً على دراسات زراعة الميكروبات. لقد عزلوا سلالة جديدة من بكتيريا العطيفة (أو الكامبيلوباكتر) من فتحة مياه دافئة تُعرف باسم كراب سبا Crab Spa وأطلقوا عليها اسم هيدروجينيموناس كانكريثرموم Hydrogenimonas cancrithermarum، على اسم الموقع. ونشرت النتائج التي توصلوا إليها في المجلة الدولية لعلم الأحياء الدقيقة المنهجي والتطوري International Journal of Systematic and Evolutionary Microbiology.
يقول البروفيسور المساعد ساياكا مينو، المؤلف الأول للورقة البحثية ورئيس مجموعة البحث في كلية علوم مصايد الأسماك في جامعة هوكايدو: «يمكن التعرف على الأنواع ذات التغذية الكيميائية من فئة الكامبيلوبكتيريا Campylobacteria (المعروفة أيضًا باسم أبسيلنبروتوبكتيريا Epsilonproteobacteria) كمجموعة بكتيرية مهمة بيئيًا في الفتحات الحرارية المائية تساهم في الإنتاج الأولي».
«من ناحية أخرى، فإن بعض أعضاء هذه الفئة، مثل هيليكوباكتر، وأركوباكتر، وكامبيلوباكتر، هي أيضًا مسببات أمراض معروفة للإنسان والحيوان».
يُعرف الهيدروجينيمناس Hydrogenimonas بالجنس المحب للحرارة (المتكيف مع درجات الحرارة الساخنة) والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأجناس المتوسطة والممرضة في فئة الكامبيلوبكتيريا Campylobacteria. ومع ذلك، أُبلغ حتى الآن عن نوعين فقط من الأنواع الموصوفة في هذا الجنس. وكشفت الدراسة الحالية أن السلالة الجديدة تمثل أول بكتيريا متوسطة الحجم (متكيفة مع درجات الحرارة المعتدلة) ومؤكسدة للكبريت في الجنس، مما يوسع الخصائص الفسيولوجية والتمثيل الغذائي للجنس.
يقول مينو: «كان اكتشاف أنواع الهيدروجينيمناس Hydrogenimonas الأليفة للحرارة المعتدلة غير متوقع. ومن المحتمل أن توفر لنا السلالة الفرصة لدراسة انتقالها التطوري من الأليفة للحرارة العالية إلى الأليفة للحرارة المعتدلة ومن ذاتية التغذية (قادرة على تكوين مركبات عضوية) إلى كائنات غيرية التغذية (تستهلك ذاتية التغذية للحصول على مواد عضوية)».
أجرى العلماء أيضًا دراسة مقارنة شاملة لجينومات العطيفة (الكامبيلوبكتيريا)، واكتشفوا أن الجينات المسؤولة عن مسار كيناز الفوسفوترانسيتيلاز-أسيتات (Pta-AckA) تميل إلى أن تكون بين الهيدروجينيمناس والأنواع المحبة للحرارة المعتدلة التي انحرفت لاحقًا عن الهيدروجينيمناس، بغض النظر عن تمثيلها الغذائي وتسببها في المرض.
يقول الدكتور ستيفان سيفرت، رئيس مجموعة الأبحاث في معهد وودز هول لعلوم المحيطات: «أُبلغ عن مسار Pta-AkaA في أنواع الكامبيلوباكتر Campylobacter المسببة للأمراض للعب دور مهم في استعمار المضيفين. في حين أننا لا نفهم بعد دورها المحدد في جنس الهيدروجينيمناس، لكن قد يمثل اكتساب الجينات حدثًا رئيسيًا مكّن من تنويعها من فتحات أعماق البحار إلى بيئات أخرى. إنها تنوع من فتحات أعماق البحار إلى بيئات أخرى».
يقول مينو: «في الوقت الحاضر، تعتمد دراسات التنوع الميكروبي إلى حد كبير على أساليب التسلسل الميتاجينومي المستقلة عن الزراعة والتي تنتج كميات هائلة من البيانات. ومع ذلك، من الضروري أن نتذكر أهمية الزراعة، وذلك يتضح من عزل السلالة الجديدة التي يختلف بشكل ملحوظ عن الأعضاء الآخرين في جنس الهيدروجينيمناس».
سيواصل الباحثون جهودهم لاكتشاف أنواع جديدة قابلة للزراعة وبالتالي المساهمة في فهم تنوع الكامبيلوباكتر.
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org