تختلف حيوانات المزرعة عن نظيرتها البرية من نواحٍ عديدة، ولكن هناك اختلاف واحد ثابت: أدمغتها أصغر من أدمغة أسلافها. من الأغنام إلى الخنازير إلى الأبقار، تمتلك الحيوانات الأليفة أحجام أدمغة أصغر نسبيًا مقارنة بنظيرتها البرية، وهي ظاهرة تُعرف باسم تأثير التدجين.
اكتشفت دراسة أجراها معهد ماكس بلانك لسلوك الحيوان (MPI-AB) انعكاسًا نادرًا لتأثير التدجين. على مدار عملية التكاثر عند الحيوانات المدجنة، شهد المنك الأمريكي انخفاضًا في الحجم النسبي للدماغ، واستطاعت المجموعات التي هربت من الأسر امتلاك حجم دماغ أكبر (استعادت حجم دماغ أسلافها بالكامل تقريبًا) في غضون 50 جيلًا. نُشرت الدراسة في الجمعية الملكية للعلوم المفتوحة.
تقول آن كاثرين بوهل، طالبة الماجستير في معهد ماكس بلانك والمؤلفة الأولى في الورقة البحثية: «تظهر نتائجنا أن فقدان حجم المخ ليس دائمًا عند بعض الحيوانات الأليفة. يعمق هذا الاكتشاف فهمنا لكيفية تغيير التدجين لأدمغة الحيوانات، وكيف يمكن أن تؤثر هذه التغييرات على الحيوانات عندما تعود إلى البرية».
فهم الدماغ الوحشي
عندما تفقد الحيوانات حجم دماغها من خلال التدجين، فإنه يعتبر في الغالب طريقًا ذا اتجاه واحد. لا يبدو أن الحيوانات تستعيد أبدًا أحجام دماغ أسلافها، حتى في التجمعات الوحشية التي تعيش في البرية منذ أجيال. بحسب دينا ديشمان، كبيرة المؤلفين في الورقة، وقائدة المجموعة في معهد ماكس بلانك: «بمجرد أن تفقد الحيوانات أجزاء من أجسامها، مثل مناطق معينة من الدماغ، على مدار التطور، فإنها ستختفي ولن يستطيع الحيوان استعادتها ببساطة».
إن دراسة ما إذا كانت الحيوانات البرية يمكنها استعادة أحجام الدماغ النسبية لنظيراتها البرية أمر صعب أيضًا من الناحية المنهجية. للقيام بذلك بشكل صحيح، تقول ديشمان «ستحتاج إلى العثور على حيوان يوجد منه مجموعات برية وحشية منفصلة لتقليل فرصة اختلاط المجموعات. وستحتاج إلى العثور على حيوان يمكن دراسة قياسات دماغه وجمجمته بشكل كافٍ». بعبارة أخرى، ستحتاج إلى حيوان مثل المنك الأمريكي.
موطن المنك الأصلي أمريكا الشمالية، ودُجّن المنك الأمريكي لتجارة الفراء لأكثر من قرن. بعد تربيته في أوروبا للاستفادة من فرائه، هربت الحيوانات الأسيرة وشكلت مجموعات وحشية انتشرت في جميع أنحاء أوروبا. وهكذا قدم هذا التاريخ الطبيعي السكان المنفصلين الذين احتاجتهم ديشمان وفريقها: المنك البري من أمريكا الشمالية، والمنك المستأنس من مزارع الفراء الأوروبية، والمنك الوحشي من أوروبا.
لاستكشاف التغييرات في حجم الدماغ، لجأ الفريق إلى مقياس للاعتماد عليه، إنه الجماجم. تقول بوهل: «حجم حاوية الدماغ (الجمجمة) ممثل جيد لحجم الدماغ في المنك، ويسمح ذلك لنا بأخذ قياسات من مجموعات الجماجم الموجودة من دون الحاجة إلى الحيوانات الحية. استُخدمت مجموعة موجودة في متحف جامعة كورنيل لدراسة جماجم المنك الأمريكي البري، بينما قدمت مزارع الفراء الأوروبية جماجم الحيوانات الأليفة.
بالنسبة للمنك الوحشي، تعاون ديشمان وبول مع أندرتساي تساليفيسكي في مركز أبحاث الثدييات البولندي الذي كان يمتلك مجموعة من الجماجم التي حصل عليها من برنامج القضاء على المنك الوحشي. تقول ديشمان: «عادةً ما تكمن صعوبة دراسات الجمجمة في إيجاد مجموعات كبيرة بما يكفي للعمل معها. كنا محظوظين بشكل لا يصدق للعمل مع منظمات متعددة للحصول على عينات السكان التي نحتاجها».
أخذ الفريق قياسات من الجماجم لحساب حجم الدماغ النسبي للحيوانات. وجدوا أنه وفقًا لعملية التدجين الموثقة جيدًا، تقلصت أدمغة المنك المُدجّن بنسبة 25% مقارنة بأسلافهم البرية. ولكن، على عكس التوقعات، نمت أدمغة المنك الوحشي تقريبًا إلى الحجم البري خلال 50 جيلًا.
أدمغة مرنة
تشتبه ديشمان في سبب تحقيق هذا الحيوان على وجه الخصوص لأمر كان يعتقد أنه غير مرجح. ينتمي المنك الأمريكي إلى عائلة من الثدييات الصغيرة ذات قدرة ملحوظة على تغيير حجم دماغها موسميًا في عملية تُعرف باسم ظاهرة دهنيل. وثقت ديشمان، الخبيرة في هذه العملية ظاهرة دهنيل في الزبابة والخلد والنمس.
وتقول: «بينما يبدو أن الحيوانات الأليفة الأخرى تفقد حجم دماغها بشكل دائم، من الممكن أن يستعيد المنك أحجام دماغ أسلافهم لأن لديهم حجم دماغ مرن مدمج في نظامهم».
توفر هذه المرونة مزايا لحيوانات المنك التي دخلت البرية مرة أخرى. «إذا هربت من الأسر إلى الطبيعة، فستحتاج إلى دماغ قادر تمامًا على مواجهة تحديات العيش في البرية. يمكن للحيوانات ذات الأدمغة المرنة، مثل المنك، استعادة أدمغتها حتى لو كانت قد تقلصت في وقت سابق».
لا تكشف النتائج ما إذا كانت أدمغة المنك الوحشي تمتلك نفس قدرة المنك البري. لمعرفة ذلك، سيتعين على الفريق فحص أدمغة الحيوانات، وهي خطوة هامة للدراسة المستقبلية في هذا المجال».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org