علماء من جامعة تشيجيانغ، ومعهد كونمنغ لعلوم الحيوان وجامعة نورث ويس، وجامعة يونّان، وجامعة آرهاوس، ومجموعة معهد بكين للجينوم قادوا سلسلة من الدراسات الجديدة والتي نشرت في عدد خاص من مجلة Science وضمن مجلات Nature وEvolution وScience Advances.
بقيادة مشتركة من غوجي تشانغ من مركز البيولوجيا العضوية والتطورية في جامعة تشيجيانغ، إلى جانب دونغ-دونغ وو من معهد كومنغ لعلم الحيوان، وتشياو-غوانغ تشي من جامعة نورث ويست، لي يو من جامعة يونان، وميكيل هايدي شيرب من جامعة آرهاوس، ويانغ تشو من مجموعة معهد بكين للجينوم، أعلن اتحاد جينوم الرئيسيات عن سلسلة من المنشورات من المرحلة الأولى من برنامجه. يتضمن البرنامج جينومات مرجعية عالية الجودة مأخوذة من 50 نوع من الرئيسيات، و 27 منها قد تم سلسلته للمرة الأولى. تؤمن هذه الدراسات رؤى جديدة على عملية الانتواع والتنوع الجينومي والتطور الاجتماعي والصبغيات الجنسية بالإضافة لتطور الدماغ وعدة سمات بيولوجية أخرى.
تكشف الدراسات الفيلوجينية (الوراثة العرقية) واسعة النطاق عن آليات جينية كامنة وراء التاريخ التطوري والاستحداثات الظاهرية لدى الرئيسيات.
يعتبر التحليل المقارن لجينومات الرئيسيات ضمن سياق فيلوجيني ضروريًا لفهم تطور البنية الجينية البشرية والاختلافات الجينومية ضمن النوع نفسه المرتبطة بتنوع الرئيسيات. ركزت دراسات سابقة عن جينومات الرئيسيات بشكل أساسي على أنواع الرئيسيات وثيقة العلاقة مع البشر والتي كانت مقيدة بضعف التغطية الفيلوجينية.
يقول دونغ-دونغ وو «رغم وجود أكثر من 500 نوع من الرئيسيات في أنحاء العالم، لم يُنشر حاليًا سوى جينوم 26 ممثل عن الرئيسيات غير البشرية، ليبقى بذلك 72% من الأجناس غير مسلسلة، وهذا يخلق فجوة معرفية كبيرة في فهم تاريخها التطوري».
ولسد هذه الثغرة، أجرى الفريق عملية سلسلة جينوم عالية الجودة بتطبيق تقنيات سَلسَلة طويلة القراءة على 27 نوع من الرئيسيات، من ضمنها السلالات الأساسية التي تتم سلسلتها من قبل. وعبر دمج هذه التسلسلات مع جينومات الرئيسيات المنشورة سابقًا، أجرى الفريق دراسات فيلوجينية على 50 نوع رئيسيات تمثيلًا عن 38 جنس و14 عائلة لتحقيق فهم أعمق لتطورها الجينومي والفيلوجيني.
يقول دونغ-دونغ وو «بناءً على بيانات الجينوم الكامل، قمنا بتوليد شجرة وراثة عرقية عالية التباين وقدرنا ظهور رئيسيات الغربان منذ 64.95-68.29 مليون عام لتتداخل بذلك مع حدود العصر الطباشيري/الثالثي».
ذكرت الدراسة عمليات إعادة ترتيب جينومية مفصلة ضمن سلالات الرئيسيات وحددت آلاف الجينات المحتملة التي خضعت لانتقاء طبيعي تكيفي عند فروع أسلاف مختلفة من الشجرة الفيلوجينية. وهذا يشمل جينات ضرورية لتطور الجهاز العصبي والهيكيلي والهضمي والحسي الاستقبالي، وهذه الأجهزة جميعها غالبًا قد ساهمت في التجديدات والتكيفات لدى الرئيسيات.
يقول غوجي تشانغ «من المفاجئ رؤية تغيرات جينومية عديدة تضم جينات متعلقة بالدماغ قد حدثت في السلف المشترك لمجموعة قرديات الشكل، التي تضم سعدان العالم الجديد وسعدان العالم القديم والبشرانيات». ويضيف «من الممكن لهذه الاستحداثات الجينية التي تطورت منذ زمن بعيد عند نقطة تفرع السلف أن تكون قد مهدت الطريق لتطور سمات أكثر فرادة بشريًا».
الفرز غير الكامل للسلالة يفسر الانتواع والانتقاء لدى الرئيسيات
رغم حقيقة أن قردة الشمبانزي والبونوبو هما أقرب الأنواع للبشر، فإن 15% من جينومنا أقرب لأحد البشرانيات الأخرى وهو الغوريلا. يعود هذا بشكل رئيسي لحدث تطوري خاص يدعى الفرز غير الكامل للسلالة، حيث تفرز الأشكال الجينية السلفية المتعددة بشكل عشوائي في النسل. فحصت الدراسة الانتواعات خلال تطور الرئيسيات ووجدت أن الفرز غير الكامل للسلالة قد حدث بشكل متواتر عند كافة تفرعات الأسلاف الرئيسية ال 29 ضمن الرئيسيات مع تأثر 50% من جينوم بعض الأسلاف بعملية الفرز.
يقول غونجي تشانغ «لا تتبع عملية التنويع الجيني مخطط شجري تشعبي كما عملية الانتواع، إنما هي أشبه بشكبة معقدة». ويضيف «من المهم أن نبحث في العمليات التطورية لكل جين على حدة، إذ يمكن لأي جين أن يؤثر على تطور النمط الظاهري عبر الأنواع».
يبدي الفرز غير الكامل للسلالة تباينات شديدة ضمن الجينوم نتيجة عمليات إعادة التركيب الجيني. يصرح ميكيل هايدي شيراب «لاحظنا أن عمليات الفرز قد تضاءلت على الصبغي X أكثر من الصبغيات الجسدية وهذا بالمقارنة مع ما نتوقعه في ظل ظروف تطور حيادية، وهذا يقترح التأثير الأكبر للانتقاء الطبيعي على الصبغي X خلال تطور الرئيسيات».
توظف هذا الدراسة عملية الفرز غير الكامل للسلالة لإجراء تحقيب جزيئي لأحداث الانتواع بناء على بيانات الجينومات بمفردها، دون إجراء معايرات للأحافير، ووجدنا أن نتائج التحقيب الجديدة كانت متسقة بشكل عالي مع تحقيب سجلات الأحافير. يقول إكير ريفاز-غونزاليس المؤلف الرئيسي للورقة البحثية «هذا يقترح أن التحقيب الجزيئي يقدم تقدير دقيق لتوقيت الانتواع حتى بدون السجلات الأحفورية».
التهجين في حوادث الانتواع
يُنظر إلى التهجين بشكل متزايد كقوة تطورية لتوليد الأنواع وتنوعات الأنماط الظاهرية في النباتات والحيوانات. وهذا الأمر شائع بشكل خاص في السلالات التي يمكنها تحمل تكرار جيني لكامل الجينوم ومستويات زائدة من الصيغة الصبغية. لكن الانتواع المحرض التهجين قلما قيل بوجده لدى الثدييات.
اكتشف الفريق باستخدام بيانات جينومات كاملة أن السعدان الرمادي أفطس الأنف (Rhinopithecus brelichi) هو نوع منحدر من تهجين بين الأنواع التالية المتمايزة مورفولوجيًا، السعدان الذهبي أفطس الأنف (R. roxellana) والسلف المشترك للسعدان الأبيض-الأسود أفطس الأنف (R. bieti) والسعدان الأسود أفطس الأنف (R. strykeri).
يقول لي يو «تعتبر هذه حادثة الانتواع التهجينية الأولى من نوعها لدى الرئيسيات بحسب معرفتنا».
تحدد هذه الدراسة جينات رئيسية أخرى في السعدان الرمادي أفطس الأنف مستمدة من كل سلالة والدية التي ربما ساهمت في هذه التنوع الكبير في ألوانه الأشبه بلوحة موزاييك، والتي حرضت على الأرجح العزلة التكاثرية ما قبل التزاوج للنوع المهجن عن السلالات الوالدية.
تكشف التقاطعات المتعددة الاختصاصات أن الآليات الجينية للتعقيدات الاجتماعية في رئيسيات اللانغور الآسيوية لها أنظمة اجتماعية متنوعة، لكن الآليات البيولوجية الكامنة وراء التطور الاجتماعي تبقى يكتنفها الغموض. يفترض النموذج البيئي الاجتماعي الكلاسيكي أن تنوع الأنظمة الاجتماعية قد تطور كاستجابة للتغيرات البيئية.
استخدمت الدراسة قردة الكولبساوات الآسيوية كنظام نموذجي، إذ خضعت هذه المجموعة من الأنواع لعملية تطور اجتماعية ممرحلة بدءًا بمستوى ذكر واحد-عدة إناث وصولًا لأشكال اجتماعية معقدة متعددة المستويات. أعاد الباحثون بناء عمليات الانتواع لهذه المجموعة باستخدام بيانات الجينومات الكاملة واكتشفوا علاقة قوية بين الحرارة البيئية وحجم مجموعة أنواع الرئيسيات. فالأنواع التي كان تعيش في بيئات أبرد كان تميل للعيش ضمن مجموعات أكبر. دفعت العصور الجليدية القديمة التطور الاجتماعي لهذه الرئيسيات وعززت تجميع قردة الململة المنتشرة شمالًا ضمن تركيبات اجتماعية أسرية متعددة المستويات.
خلال هذا الانتقال أبدت قردة الململة انتقاء إيجابي في العديد من الجينات المرتبطة بالتكيف مع البرد والجهاز العصبي. يقول تشياو-غوانغ «يبدو أن السعادين فطساء الأنف تمتلك رابطة أطول بين الأم ورضيعها والتي زادت من فرص بقاء الصغار في البيئات الباردة. تعتبر مستقبلات DA/OXT مهمة للهرمونات العصبية المتواسطة بتشكيل الروابط الاجتماعية. تم تنمية هذا المسار العصبي في قردة الململة وعزز شعور الانتماء والتماسك والتعاون لدى البالغين ضمن هذا النوع».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org
