لا نعني بـ”رباعيات الأطراف” الأنواع التي تملك 4 أطراف للتنقل فقط، و إنما تشمل أيضا جميع الكائنات الحية (حتى المنقرضة منها) المنحدرة من آخر سلف مشترك للبرمائيات، الزواحف و الثدييات. الإكتيوصور مثلا، من الزواحف السباحة المنقرضة، يعتبر “رباعي الأطراف” رغم انه لم يستعمل أطرافه للمشي على اليابسة. الطيور و البشر هم كذلك من رباعيات الأطراف رغم أنهم يستعملون طرفين فقط للتنقل.
يمكن تقسيم الشجرة التطورية المرفقة إلى قسمين، أولا المجموعة الأقرب لأصل الشجرة المسماة “شعاعيات الزعانف” -ray-finned fishes- أو الأسماك حسب المصطلح المتداول و التي تضم اليوم أكثر من 25 ألف نوع. تتميز زعانفها بعضيمات تتفرع بطريقة شعاعية من القاعدة.
في المقابل، يمكن تجميع الكائنات المتبقية في هذه الشجرة التطورية، الحية منها (ممثلة بسهم متواصل) و المنقرضة، في مجموعة نسميها “لحميات الزعانف” -fleshy fins- بما أن أطرافها مغطاة بالعضلات و الجلد.
السلف المشترك لمختلف هذه الكائنات لا ينتمي إلى هذا الصنف أو ذاك، إلا انه كان مائيا و امتلك زعانفا، حراشفا، خياشيم و أيضا كيسا هوائيا متصلا بمؤخرة الحلق. لدى “شعاعيات الزعانف” لم يعد هذا الكيس متصلا بالحلق و أصبح يستعمل للتحكم في الطفو فيما يعرف بمثانة السباحة.
بينما خضع الكيس الهوائي لمصير مختلف لدى رباعيات الأطراف، و أظنك عزيزي القارئ لم تخطئ التخمين، فقد أضحى رئة للتنفس على اليابسة.
ولعلك لاحظت أيضا في الشجرة التطورية عددا لا بأس به من الأحافير التي عاشت منذ 390 و 360 مليون سنة، لحميات الزعانف هذه كان لها الفضل في الهجرة من الماء إلى اليابسة مع كل ما خضعت له من تأقلم و تجديد. (لاحظ أيضا أن رباعيات الأطراف الحية اليوم ممثلة بصورة داروين).
التغيرات الحاصل عديدة و متشعبة، فمثلا، السلف بأصل هذه الشجرة كان يملك جمجمة طويلة و ضيقة تحوي عينين جانبيتين تمكنانه من مراقبة المحيط المائي حوله للإيقاع بالفريسة أو تجنب الوقوع كفريسة. مع بداية الهجرة نحو اليابسة أضحت الجمجمة مسطحة بأعين فوقية (Tiktaalik كمثال) متطلعة للغذاء بالأعلى على مستوى النباتات المحاذية للمياه، لتصبح فيما بعد طويلة و ضيقة بأعين جانبية لنفس الغرض، مراقبة المحيط من جديد، لكن على اليابسة هذه المرة.
العمود الفقري بدوره خضع للتأقلم، من انعدام العنق و تشابه جميع الفقرات، إلى تكوين أول فقرة عنقية متحركة مكنت حيوانات المياه الضحلة من تحريك رؤوسها نحو الأعلى و الأسفل، و من ثم يمينا و يسارا بفضل الفقرة الثانية، ليصل العدد اليوم إلى 7 فقرات عنقية لدى أغلب الحيوانات لتوفير أكثر حركية.
التطور الملحوظ في مورفولوجيا الفقرات و الارتباط المفصلي بينها، ساهم بدوره في تسهيل استقامة و تنقل رباعيات الأطراف على اليابسة و تحدي الجاذبية (التي لم تشكل عائقا في الماء) بأقل جهد عضلي ممكن. التحام بعض الفقرات و تكوينها لعضم العجز ساهم هو الآخر في دعم التنقل على اليابسة بتسهيل توظيف الأطراف الخلفية.
الهيكل العضمي للأطراف تطور بدوره، فعضم العضد Humerus و عضم الفخذ Femur أصبحا كلاهما متصلين بزوج من العضام، الكعبرة Radius و الزند Ulna بالطرف الأمامي، قصبة الساقTibia و الشضيةFibula بالطرف الخلفي. أما الكاحل فكان مكونا من صفتي عضام صغيرة، فقدت العديد منها مع الوقت. حالها كحال عدد أصابع الأطراف الذي كان ثمانية في الأصل لينقص العدد تدريجيا إلى سبعة ثم ستة ثم خمسة و هو العدد الأكثر انتشارا بين رباعيات الأطراف اليوم. و تواصل التأقلم على اليابسة فيما بعد لتفقد هذه الحيوانات وضائف لم تعد في حاجة إليها كالخياشيم و الزعانف الذيلية و نظام الخط الجانبي العصبي الذي يستشعر الاهتزازات بالماء فقط.
الهجرة نحو اليابسة كانت محفوفة بالمخاطر، معقدة، مؤثرة و حاسمة في تاريخ التطور الأحيائي، إلا أنها مغامرة لم تستهو الكثيرين. فالبعض، كالحيتان مثلا، خيروا العودة إلى المياه.
One Comment
Leave a Reply