كيف تستجيب مجتمعات الكائنات الحية في أوقات الاضطرابات البيئية؟ عندما تنقرض أنواع بأكملها؟ هل تتحرك الأنواع الباقية وتسيطر عليها، أم أن الأنواع الجديدة هي التي تهاجر لملء الفجوات؟
طرحت سارة بريسون، طالبة الدكتوراه في قسم علوم الأرض في جامعة كونيتيكت UConn هذه الأسئلة لدراستها. نُشرت هذه الدراسة في دورية وقائع الجمعية الملكية ب Proceedings of the Royal Society B.
تدرس بريسون حدث الانقراض الجماعي الذي حدث في أواخر العصر الديفوني، منذ حوالي 370 مليون سنة، بهدف فهم كيفية استجابة النظم البيئية ومجتمعات الكائنات الحية داخلها. في هذه الدراسة، ركزت بريسون على الكائنات الصغيرة التي تعيش في المحيط والتي تسمى عضديات الأرجل من خلال دراسة الحفريات المجموعة من حوض الأبلاش في نيويورك وبنسلفانيا.
تقول بريسون: «إن اسم “أحداث الانقراض الجماعي” يجذب انتباه الناس. إنها الأوقات التي حدثت فيها التغيرات الرئيسية في البيئة، وسيساعدنا دراسة تأثير هذه التغييرات على الكائنات الحية على فهم بيئتنا الحالية والتغيرات البيئية التي نمر وقد نمر بها».
في أواخر العصر الديفوني، كان حوض الأبلاش عبارة عن بحر ضحل تشكل في أعقاب نمو الجبال. تقول بريسون إن قاع البحر كان على الأرجح مغطى بعضديات الأرجل، فقد وفيرة في مجموعة العينات. في الماء، أصبحت الأسماك أيضًا أكثر وفرة، وعلى اليابسة، كان هناك نباتات وعائية كبيرة، وظهرت نباتات جديدة لأول مرة في تاريخ الأرض.
تقول بريسون: «كان العالم الديفوني مختلفًا تمامًا، لم تكن هناك نباتات مزهرة لملايين السنين. لقد كانت الأرض تجهز نفسها للانتقال إلى حقبة الدهر الوسيط (عصر الديناصورات) مع نباتات السرخس الكبيرة والأشجار الخشبية الكبيرة».
تنظر بريسون إلى الأرض عند دراستها ديناميكيات النظام الإيكولوجي هذه على أنها نظام ذو منافذ متخصصة يتغير فيها جانب واحد فقط من الهيكل العام بأكمله.
يوجد مفهومان يجب مراعاتهما وهما المنافذ المحافظة والمنافذ المتطورة. توضح بريسون أنه مع المنافذ المحافظة، تظل الكائنات الحية في مكانها وتحتفظ بخصائصها، بينما تتغير الكائنات الحية المتطورة وتتطور بطريقة ما لتفضيل المعايير البيئية الجديدة عبر الزمن.
تتابع بريسون: «في علم الأحياء، يوجد الكثير من الحديث عن ديناميكيات المنافذ، وما إذا كنا نرى منافذ محافظة أم منافذ تطورية، ولا يوجد الكثير من الباحثين الذين يدرسون هذا بشكل مفصل حاليًا».
بعد تحديد حوالي 20 ألف من أحافير عضديات الأرجل بدقة وتحليل تفضيلاتها عبر دراسات تدرج العمق، جمعت بريسون مجموعة بيانات واستخدمت مقياس متعدد الأبعاد غير متري (nMDS) لمعرفة مكان تجمع الأنواع المختلفة عبر النطاق الطبقي بمرور الوقت لتفسير كيفية استجابة الكائنات الحية قبل وبعد حدث الانقراض الجماعي، وبحسب بريسون، كانت النتائج مفاجئة بعض الشيء.
«لقد رأيت الكثير من الانقلابات، فقد انقرضت بعض الأنواع، ولكن نجت بعض الأنواع وبقيت في مكانها، وبقيت منافذها محافظة. يجادل بعض العلماء أن ذلك لم يحدث في حدث الانقراض على نطاق واسع».
بحسب بريسون، في أحداث الانقراض المشابهة التي انقرض فيها حوالي 35% من الأنواع البحرية، من المتوقع أن يؤدي فتح العديد من المنافذ إلى تشجيع الأنواع الباقية القريبة على الانتقال لاحتلال المساحة الخالية الجديدة، وقد أظهرت النتائج حدوث ذلك إلى حد ما.
«كقاعدة، نشاهد المنافذ المحافظة في هذه المنطقة. في الحالات التي قد ترى فيها منافذ تطورية في سجل الصخور، ستكون هناك ضغوط مختلفة على الكائنات الحية. أعتقد أن ترك هذا السؤال مفتوحًا أمر مهم لأن هناك العديد من الضغوط الانتقائية المختلفة ولا يمكن تطبيق جميع الضغوط الانتقائية على كل حالة».
تقول بريسون إن العوامل التي أدت إلى انقراض البقول في العصر الديفوني المتأخر ما تزال محل نقاش. أشارت بعض الأعمال، بما في ذلك البحث الذي أجراه جاليه بيير، وهو مؤلف مشارك وخريج جامعة كونيتيكت، إلى حدوث حدث بارد عالمي. تظهر أدلة أخرى نقص الأكسجين على نطاق واسع والذي يمكن أن يكون ناتجًا عن تدفق المغذيات، مثل حالة المناطق الميتة التي نراها اليوم والتي تتشكل في البيئات البحرية والمائية البحرية.
«جزء من السبب الذي يجعلني أحب دراسة الانقراض الديفوني هو أن هناك أحداث انقراض جماعي مدروسة بدقة، خاصة حدث الانقراض الجماعي في حقبة الحياة الوسطى، ولكن هناك معلومات أقل عن العصر الديفوني المتأخر. نظرًا لأنك تعود إلى الوراء عبر الزمن، يصعب التأكد من ذلك لأن بعض المؤشرات المستخدمة في الدهر الوسيط لا تنطبق على العصر الديفوني. إنه وقت أنيق وديناميكي للدراسة».
يمثل هذا العمل فصلًا واحدًا فقط من أطروحة بريسون، وستنظر التحليلات المستقبلية في البيانات بشكل أكبر، بما في ذلك تحليل النظائر المستقرة لفهم كيفية تأثير النيتروجين على هذه المنطقة. قد يلقي التحديق بعيدًا في الماضي الضوء على تسارع انقراض الأنواع اليوم.
«أتوقع استخدام هذه الطريقة للدراسات المستقبلية لأنها أداة قوية لفهم شكل أنظمتنا البيئية في الماضي. إنه لأمر رائع حقًا تطبيق هذه المفاهيم البيولوجية عبر الزمن».
ترجمة: ولاء سليمان
المصدر: phys.org