كيف حكمت أسلاف الأسماك البحرية المحيطات
حدد فريق دولي بقيادة باحثين من معهد بحوث وتكنولوجيا الأغذية الزراعية IRTA في معهد التكنولوجيا الحيوية والطبي الحيوي التابع لجامعة برشلونة المستقلة IBB-UAB إلى جانب جامعة بيرغن مجموعة فريدة من الجينات التي تتيح للأسماك البحرية بترطيب بيوضها عن بعد بحيث تطفو وتنتشر للبقاء على قيد الحياة في المحيط. ألقت الآليات المكتشفة ضوءًا جديدًا على تطور هذه المجموعة من الأسماك التي تنتمي إليها جميع الأسماك البحرية الحديثة تقريبًا والتي غامر أسلافها بالانتقال من المياه العذبة إلى المالحة.
يقدم علماء من إسبانيا وإيطاليا والنرويج نظرة معمقة جديدة حول كيفية طورت العظميات teleosts، التي تمثل 96٪ من الأسماك البحرية الحديثة، آلية الترطيب هذه في دراسة جديدة نُشرت في دورية Molecular Biology and Evolution . إذ اكتشفوا مجموعة من جينات الأقنية المائية التي لا توجد إلا في أسماك العظميات. تسمح الجينات للماء بالتدفق عبر أغشية الخلايا وتوجد بشكل خاص في الأغشية الخارجية للبيضة الناضجة.
قاد الدراسة خوان سيردا ورودريك نايغل فين، باحثان من معهد بحوث وتكنولوجيا الأغذية الزراعية، إسبانيا وجامعة بيرغن، النرويج، في معهد التكنولوجيا الحيوية والطب الحيوي التابع لجامعة برشلونة المستقل. شارك أيضًا باحثون من معهد العلوم في ديل مار (ICM-CSIC) والمركز الإسباني لتنظيم الجينوم (CRG) والمعهد النرويجي للبحوث البحرية (IMR) وجامعة بادوفا بإيطاليا.
على الرغم من أن الأسماك تسبح في البحر منذ مئات الملايين من السنين، إلا أن الأمر لم يكن على هذه الشاكلة دائمًا، إذ تطورت أسلافها في المياه العذبة. شكل هذا مشكلة فيزيولوجية كبيرة واجهت أولى الأسلاف الذين غامروا في البيئة الملحية لأن تركيز الملح في سوائل أجسامهم كان أقل بكثير من تركيزه بمياه البحر، كما هو الحال لدى البشر.
جميع العظميات الحديثة تمثل هذه الحالة وتواجه كأسلافها الجفاف بسبب الانتقال السلبي لمياه أجسامها إلى البيئة الخارجية عالية الملوحة. على عكس البشر الذين لا يستطيعون شرب مياه البحر بسبب عجز كليتنا على التخلص من الملح الزائد، طورت العظميات البحرية هذه القدرة باستخدام خلايا متخصصة في خياشيمها لكن مع تحفظ رئيسي، فمن أجل التغلب على البيئة، كان من الضروري التكاثر ضمن البيئة نفسها، لكن بيضها أحادي الخلية يفتقر لأجهزة الأفراد الفتية والبالغة التي تتحمل مياه البحر.
تمثل الحل التكيفي الذي حققته العظميات البحرية بترطيب بيضها الناضج قبل الإباضة لتزويد الأجنة النامية بماء الحياة. تحدد كمية الماء ما إذا كان البيض الذي تم إطلاقه أثقل أم أخف من مياه البحر المحيطة، وبالتالي ما إذا كان سيغرق في قاع البحر أو يطفو وينتشر في المحيطات.
جين مكرر بنفس الوظيفة
إحدى السمات الغريبة لهذين الجينين حقيقة أنهما نسخ مكررة ومرتبطان ارتباطًا وثيقًا ويؤديان نفس الوظيفة. عند ظهور تكرارات جينية وثيقة الصلة، قد يكتسب عادة الفرد وظيفة جديدة أو تغيب بسبب التكرار المتداخل. يوضح خوان سيردا «في هذه الحالة، تؤدي الجينات الجديدة الوظيفة ذاتها في غشاء البيض».
من خلال فحص المئات من جينومات العظميات، كشفت الدراسة أن جميع أنواع العظميات التي تنتج بيضًا عائمًا تحوي جينًا واحدًا على الأقل من هذين الجينين، مع احتفاظ ثلثها بكلا الجينين. على النقيض من ذلك، يغيب كلا الجينين عن قرابة نصف الأنواع التي تنتج بيضًا غير عائم، كما أن جميع الأنواع التي تحضن بيضها داخليًا كحصان البحر تفتقر أيضًا لكلا الجينين.
للكشف عن كيفية استخدام البيض العائم لهذه الجينات، استخدم المؤلفون مجموعة واسعة من التقنيات التجريبية إلى جانب أحدث تقنيات سلسلة الحمض النووي لإظهار أن البروتينات الناتجة عن كل جين طورت آليات محددة تتحكم باندخالها في الأغشية الخارجية للبيض. يقول رودريك نايجل فين: «عند تنشيط مثل هذه الآليات، ترتبط كل قناة بنوع غير معروف سابقًا من البروتين الذي يحافظ على القنوات في الغشاء». تم العثور على هذه البروتينات الجديدة التي اكتشفها الباحثون أيضًا في أسماك العظميات فقط.
الميزة المدهشة هي أنه في العظميات البحرية الحديثة، تتسبب آلية التنشيط الثانية في نقل إحدى القنوات إلى جزء مختلف من غشاء البويضة الخارجي. بهذه الطريقة، تستمر كلتا القناتين في أداء نفس الوظيفة مع تجنب التنافس على المساحة نفسها في الغشاء. والنتيجة هي تسريع تدفق الماء إلى البويضة الناضجة. تنتهي العملية عندما يتم إطلاق بروتينات الربط الجديدة ما يتسبب في مغادرة القناتين لغشاء البويضة الخارجي. ويؤدي هذا لحبس الماء المكتسب داخل البيضة.
آلية الترطيب فعالة للغاية لدرجة أنها تمنح البيضة 90٪ ماءًا. عندما يتم إطلاقها في البيئة البحرية وتخصيبها، يطفو البيض في التيارات المحيطية ويُنقل إلى أماكن جديدة.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org
