بروتينات دقيقة في الأعضاء البشرية ظهرت «من العدم»
من المعروف أن للبنى الصغيرة أحيانًا تأثير كبير: فمثلًا ملايين جزيئات الإشارات والهرمونات والجزيئات الحيوية الأخرى تنشط في خلايانا وأنسجتنا، وتلعب دورًا محوريًا في العديد من العمليات الرئيسية في أجسامنا. ومع ذلك، على الرغم من هذه المعرفة، تجاهل علماء الأحياء والأطباء منذ فترة طويلة فئة معينة من البروتينات – إذ افترضوا أنه نظرًا لصغر حجم هذه البروتينات وانحصار وجودها في الرئيسيات، فقد كانت غير مهمة وعديمة الوظائف.
كان للاكتشافات التي قام بها البروفيسور نوربرت هوبنر في مركز ماكس ديلبروك والدكتور سيباستيان فان هيش في مركز الأميرة ماكسيما لطب أورام الأطفال في هولندا دور بتغيير هذا الافتراض قبل بضع سنوات. يقول هوبنر: «كنا أول من أثبت وجود آلاف البروتينات الدقيقة الجديدة في الأعضاء البشرية».
في ورقة بحثية جديدة نُشرت في Molecular Cell، يصف الفريق بقيادة هوبنر وفان هيش كيفية دراستهم الممنهجة لهذه البروتينات الصغيرة وما تعلموه منها. يوضح الدكتور خورخي رويز أوريرا، عالم الأحياء التطوري في مختبر هوبنر وأحد المؤلفين الرئيسيين للورقة الذين يعملون في مركز ماكس ديلبروك والمركز الألماني للأبحاث القلبية الوعائية: «لقد تمكنا من تحديد تسلسل الجينوم المسؤول عن ترميز هذه البروتينات، وتوقيت حدوث طفرات الحمض النووي في تطورها». كشفت تحليلات الجينات المعلوماتية الحيوية لرويز أوريرا أن معظم البروتينات الدقيقة البشرية تطورت بعد ملايين السنين في العملية التطورية مقارنة بالبروتينات الأكبر المعروفة حاليًا.
بروتينات موجودة فقط لدى البشر
تفاجأ الباحثون عندما اكتشفوا أن البروتينات الدقيقة الأصغر عمرًا يمكن أن تتفاعل مع الجيل الأكبر. جاءت هذه الملاحظة من التجارب التي أجريت باستخدام طريقة الفحص التقني الحيوي التي تم تطويرها في مركز ماكس ديلبروك في عام 2017. بالتعاون مع الدكتور فيليب ميرتينز ومنصة البروتيوميات، التي يديرها مركز ماكس ديلبروك بالاشتراك مع معهد برلين للصحة في شاريتيه (BIH)، تم تصنيع البروتينات الدقيقة على غشاء ثم غمرت بمحلول يحتوي على معظم البروتينات المعروف وجودها في الخلية البشرية. ثم سمحت التحليلات الحاسوبية التجريبية المعقدة للباحثين بتحديد أزواج ربط فردية.
يقول شولز: «إذا ارتبط البروتين الدقيق ببروتين آخر، فهذا لا يعني بالضرورة أنه سيؤثر على عمل البروتين الآخر أو العمليات التي يشارك فيها البروتين».
ومع ذلك، فإن القدرة على الارتباط تشير إلى أن البروتينات قد تؤثر على عمل بعضها البعض. تؤكد التجارب الخلوية الأولية التي أجريت في مركز ماكس ديلبروك بالتعاون مع الأستاذين مايكل غوتهاردت وتوماس ويلناو هذا الافتراض. دفع هذا رويز أوريرا إلى الشك في أن البروتينات الدقيقة «يمكن أن تؤثر على العمليات الخلوية التي هي أقدم بملايين السنين من هذه البروتينات، لأن بعض البروتينات القديمة كانت موجودة في أشكال الحياة المبكرة جدًا».
وفقًا لرويز أوريرا، على عكس البروتينات القديمة المعروفة المرمزة في جينومنا، ظهرت معظم البروتينات الدقيقة بشكل أو بآخر «من العدم، وبعبارة أخرى من مناطق الحمض النووي التي لم تكن مسؤولة سابقًا عن إنتاج البروتينات». لذلك لم تأخذ البروتينات الدقيقة الطريق «التقليدي» الأسهل لنسخها واشتقاقها من النسخ الحالية. ولأن هذه البروتينات الصغيرة ظهرت فقط أثناء التطور البشري، فإنها تغيب عن خلايا معظم الحيوانات الأخرى، مثل الفئران والأسماك والطيور. ومع ذلك، تبين أن هذه الحيوانات تمتلك نسخها الخاصة من هذه البروتينات الدقيقة.
أصغر البروتينات حتى الآن
اكتشف الباحثون أيضًا خلال بحثهم أصغر بروتينات بشرية تم تحديدها حتى الآن. تقول الدكتورة كلارا ساندمان، المؤلفة الرئيسية الثالثة للدراسة: «وجدنا أكثر من 200 بروتين متناهي الصغر، وجميعها أصغر من 16 حمضًا أمينيًا». الأحماض الأمينية هي اللبنات الأساسية الوحيدة للبروتينات. تقول ساندمان إن هذا يثير التساؤل حول مدى صغر حجم البروتين الوظيفي – أو بالأحرى، مدى حجمه كي يكون وظيفيًا. تتكون البروتينات عادةً من عدة مئات من الأحماض الأمينية.
تُعرف البروتينات الدقيقة المعروفة مسبقًا باسم الببتيدات، وتعمل كهرمونات أو جزيئات إشارة. تتشكل عندما تنفصل عن بروتينات السلائف الأكبر. تقول ساندمان: «يُظهر عملنا الآن أن الببتيدات بهكذا حجم يمكن أن تتطور بطريقة مختلفة. يمكن لهذه البروتينات الصغيرة أيضًا أن ترتبط على وجه التحديد بالبروتينات الأكبر حجمًا – ولكن من غير الواضح بعدْ قابليتها لتؤدي دور هرمونات أو ما شابه: «لا نعرف حتى الآن ما تفعله معظم هذه البروتينات الدقيقة في أجسامنا».
ومع ذلك، توفر الدراسة فكرة عما تستطيع الجزيئات فعله: «تفتح هذه النتائج الأولية العديد من فرص البحث الجديدة»، وفقًا لفان هيش. من الواضح أن البروتينات الدقيقة مهمة جدًا بالنسبة للباحثين لمواصلة تجاهلها. يقول فان هيش إن مجتمعات الأبحاث الجزيئية الحيوية والطبية متحمسة جدًا لهذه النتائج الجديدة.
يقول هوبنر إن أحد السيناريوهات يقترح «أن هذه البروتينات الدقيقة تلعب دورًا في أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وبالتالي يمكن استخدامها كأهداف جديدة للتشخيص والعلاجات».
تقوم العديد من شركات التكنولوجيا الحيوية الأمريكية بالفعل بإجراء بحث في هذا الاتجاه. والفريق المسؤول عن الورقة البحثية الحالية لديه أيضًا خطط كبيرة: فحصت دراستهم 281 بروتينًا دقيقًا، ولكن الهدف الآن هو توسيع التجارب لتشمل العديد من البروتينات الدقيقة المفهرسة مؤخرًا والتي يبلغ عددها 7000 بروتينات – على أمل أن يكشف ذلك عن العديد من الوظائف غير المكتشفة بعد.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: phys.org