مقدّمة: بمفرداتها الّتي يصل تعدادها لمئات الآلاف، قد يعنُّ لِامرئٍ الاعتقاد بأنّ اللّغة الإنجليزيّة تتباها بعددٍ فائضٍ من الطّرق للتّعبير عن المفاهيم. وفعلًا، هناك كلمات عديدة تصف فكرةً أو موضوعًا واحدًا، تكون واحدة منها أو أكثر غالبًا من أصولٍ جرمانيّة (Germanic)، والباقي من الجذور اللّاتينيّة للّغة الإنجليزيّة الحديثة. وبالإضافة إلى التّنوّع النّاتج عن التّاريخ اللّغويّ المُهجّن، فإنّ الإنجليزيّة تنزع إلى تَمثُّل واستيعاب كلماتٍ من مختلِف اللّغات الأخرى، وسكِّ مصطلحاتٍ جديدةٍ كلّما دعتِ الحاجة إلى ذلك. ومن ثَمَّ، تكشف معظم المِهَن التّقْنيّة المعقّدة عن فرط الألفاظ والتّعابير والمفردات المختصّة (Jargons) الّتي تكون مُبهمةً لغير المختصّين. وبالتّأكيد، فالعلم ليس استثناءً في هذا الصّدد.
ومعَ ذلك، فعندما يتعلّق الأمر بأكثر المفاهيم جوهريّةً في العلم، فإنّنا ندرك قلّة المصطلحات الّتي لا غموض يحيط بها. والأسوأ من ذلك، فإنّ الكلمات الّتي لها معانٍ واضحةٌ نسبيًّا في اللّغة المحكيّة أو العامّيّة، تكون ذات معانٍ مختلفة كلّيًّا عندما تُوظّف في سياق العلم، وهي ظاهرة تُشوّش النّقاشات العلميّة بشكلٍ كبيرٍ عندما تُجرى في سياقات غير علميّة. فعلى سبيل المثال، إنّ مصطلحاتٍ مثل «الطّاقة-Energy» و«القوّة-Force»، تمتلك معانٍ علميًّة مُحدّدة في الفيزياء، يسهل أن تقود إلى الارتباك عندما نخلط بينها وبين الاستخدامات المعتادة لها. وقد استغلّ البائعون المتنقّلون هذا الغموض والالتباس لغاياتٍ ومنافعَ مُعتَبَرةٍ، وتوسّلوا -افتراءً- بالوقار الّذي يحظى به العلم لبيع منتجاتٍ ستتناقض، في الحقيقة، معَ مبادئ العلم الرّاسخة إذا ما أحدثت أيًّا من تأثيراتها المزعومة.
حتّى على نحوٍ أكثر عموميّةً، فإنّ المصطلحات المرتبطة بطريقة ومنتجات العلم نفسه، مثل «النّظريّة-Theory» و«القانون-Law»، تُناقض أو تختلف تمامًا في ميدان العلم عن ميدان اللّغة المَحكيّة. ولطالما كان هذا مصدرًا ومدعاة إلى الارتباك في النّقاشات العلميّة، سواءٌ أكان هذا الارتباك مُغرِضًا أم صادقًا، خصوصًا في ما يتعلّق بنظريّة التّطوّر – والّتي وَسَمها خصومها بشكلٍ مُضلّل وبدافعٍ إلى المواربة بعبارة “مجرّد نظريّة” لعقودٍ من الزّمان. إنّ هدف هذا المقال هو توضيح بعض معاني المفاهيم المركزيّة العامّة في العلم، والمصطلحات المستخدمة في وصفها، والتّمييز بين مختلِف التّعريفات لنفس الكلمات في الاستخدام الشّائع. وإنّ الاستخدام العلميّ المحدّد لهذه المصطلحات، كما هي مُعرَّفة في العلم، في ما يخصّ موضوع التّطوّر، سيُناقش ببعضٍ من التّفصيل.
تعريف المصطلحات: الفرْضيّة، النّظريّة، الحقيقة، القانون: مصطلحاتٌ عادةً ما تُستهلّ باعتبارها تخمينًا أو مجرّد شعورٍ حدسيّ (Hunch)، إنّها قائمةُ مصطلحاتٍ تعكس ما يعتبره النّاس من أنّها محض تسلسل متدرّج من الأكثر إلى الأقلّ يقينًا (Certainty). قد يكون هذا التّصنيف مُناسبًا أو ذا مكانةٍ في الاستعمال الشّائع، لكنّه -في الحقيقة- غير منطقيٍّ عندما تُوظَّف الكلمات في سياقٍ علميّ. ولْنأتِ الآن على إجلاء ما يكتنف هذه المصطلحات من غموض وتزييف، حتّى نتبيّن معناها الملائِم في ميدان العلوم.
الحقيقة (Fact): قد تكون «الحقيقة-Fact» هي المصطلح الوحيد في القائمة أعلاه الّذي تتماثل تعريفاته في السّياقيْن التّقنيّ والمحكيّ الشّائع. ويكمن الاختلاف الرّئيس في درجة اليقين المُعبَّر عنها، والّتي تقلّ وتزيد في آنٍ معًا في ميدان العلم. وهَاكُم تعريف أكاديميّة العلوم الوطنيّة الأمريكيّة (US National Academy of Science)، أو اختصارًا (NAS)، وهي إحدى المُؤسّسات الكبرى المرموقة في المجتمع العلميّ على مستوى العالم. إذ تقول: إنّ الحقيقة العلميّة هي «ملاحظةٌ أو مشاهدةٌ (Observation) أُكِّدت مرارًا وتكرارًا، واعتُبرت أمرًا صحيحًا (True) استنادًا إلى الأغراض العلميّة كافّة». أو كما عرّفها ستيفن غاي غولد (Stephen Jay Gould) بأسلوبه الفريد: «في العلم، ليس بإمكان الحقيقة أن تعنيَ إلاّ تلك الدّرجة من التّأكُّد الّتي عندها يصبح من الحماقة عدم القبول بالإجماع». إنّ ما يجعل ادّعاء الحقيقة بالغ القوّة في العلم، هي تلك المثابرة على التّأكُّد من الملاحظات عن طريق البيانات والمعطيات، سواءٌ أكانت مستندة إلى الملاحظة المباشرة أم الاستنتاجات الموثوقة. ولكن، كما تشير الأكاديميّة الأمريكيّة للعلوم، فإنّ «الحقيقة في العلم ليست نهائيّة أبدًا، وما يُعتَبر حقيقةً اليوم قد يُعدَّل أو يُتَخلَّص منه في الغد [القريب أو البعيد]». تُراجَع التّفاصيل الصّغيرة النّطاق بشكل منتظِمٍ كلّما حصلنا على ملاحظات أدقّ، ونادرًا ما يُتَخلَّص من الحقائق الرّاسخة ذات الأهمّيّة الأساسيّة. ولكن مبدئيًّا، فليس هناك أيّ حقيقة علميّة، مهما كانت أهمّيّتها، تسلَم من المُراجعة أو الدّحض. نتيجة لذلك، يجب على العلماء إقامة توازن بين الثّقة المُتأتّية من تعزيز الاستنتاجات الّتي نُكوّنها عن العالم بالبيانات المُكرّرة، والفهم بأنّ اليقين المطلق شيءٌ لا ينوي أو لا يقدر المنهج العلميّ على إيصاله.
النّظريّة (Theory): يختلف تعريف النّظريّة، على عكس الحقيقة، في السّياق العلميّ تمامًا عن السّياق المحكيّ. إذ إنّ النّظريّة تُشير في المحادثات اليوميّة ضمنيًّا إلى عَوَزٍ في البيانات الدّاعمة. وبالفعل، فعندما يُدلي المُتحدّث ببينانٍ يبدأه بقوله: «إنّ نظريّتي هي…»، فإنّه أقرب إلى القول: «إنّي أعتقد بـ…»، أو «إنّي أتكهّن بأنّ…»، أو «إنّي أعتقد بذلك، لكنّي لم أحاول أن أُثبِته». أمّا النّظريّة في العلم فإنّها، حَسَبَ أكاديميّة العلوم الأمريكيّة مُجدّدًا، «تفسير مدعوم جيّدًا لبعض جوانب العالم الطّبيعيّ، يُمكنه أن يعمل على إدماج أو احتواء الحقائق والقوانين والاستدلالات والفرّضيّات المُختَبَرة». إنّ العلم لا يُولّد الحقائق فقط، بل يسعى إلى تفسيرها أيضًا، وإنّ التّفسيرات المتشابكة والمدعومة بشكلٍ جيّد لهذه الحقائق تُدعى بـ«النّظريّات». لا تقود النّظريّات إلى وصف الطّبيعة فقط، بل إلى فهمها أيضًا. إنّ النّظريّات أبعد ما تكون عن التّكهّنات الّتى لا أساس لها، إذ إنّها الهدف الأسمى للعلم.
الفرْضيّة (Hypothesis): إنّ صلاحية النّظريّات العلميّة لا تُحدّد فقط بقدرتها على استيعاب وتفسير الحقائق المعروفة، فالنّظريّات تُفحَص وتُختَبَر بشكلٍ مستمرّ، وهنا تمامًا تلعب الفرضيّة دورًا مُهمًّا. فإنّ الفرضيّة العلميّة وَفْقًا لالأكاديميّة الأمريكيّة للعلوم، هي: «بيانٌ مُؤقّت عن العالَم الطّبيعي يُؤدّي بنا إلى استنتاجٍ يُمكن اختبارها». أمّا هذا الاختبار فإمّا أن يكون تجريبًا مُباشرًا، وإمّا توليدًا لتنبُّؤاتٍ عن حقائقَ لم تُرصَد بعدُ، يمكن معرفتها وتقويمها بمزيد من الملاحظة. وتلعب هذه العمليّة الأخيرة دورًا مهمّا في التّحقّق من صحّة النّظريّات في العلوم، كعلم الفلك والجيولوجيا، حيث تكون المعالجة التّجريبيّة المباشرة أمرًا صعبًا. وكما تُشير الأكاديميّة: «إنْ تُحُقّق من صحّة الاستدلالات، فإنّ الفرضيّة تصير مؤكدة مؤقّتًا. وإن كانتِ الاستدلالات غير صحيحةٍ، نكون قد أثبتنا خطأ الفرضيّة الأصليّة، ومن ثَمّ يجب علينا هجرها أو تعديلها». تجدر الإشارة إلى أنّ رفض الفرضيّة لا يعني تفنيد النّظريّة بأكملها تلقائيًّا، إذ إنّ الفرْضيّات عادةً ما تُركّز بشكل كافٍ على جانب واحد من النّظريّات المعقّدة.
القانون (Law): وأخيرًا، فإنّ مصطلح «القانون» في العلم ذو تعريفٍ مُعاكِس لما هو عليه في الحياة اليوميّة. القوانين في الخبرة العاديّة عبارة عن أمرٍ فرْضيّ (Prescriptive) – أي بمعنى إنّها تُملي على الشّخص ما يجب أن يفعل وما لا يجب. فمثلًا، قانون الحدّ الأعلى للسّرعة في الطّرقات يُملي على السّائق سرعته القصوى. لكن في العلم، القوانين هي أمر وصفيّ (Descriptive) – إنّها «تعميم لكيفيّة تصرُّف بعض جوانب العالَم الطّبيعيّ تحت ظروف محدّدة»، وذلك حَسَب أكاديميّة العلوم الأمريكيّة. يفرض القانون في اللّغة العامّيّة التّصرّفات والحدود، وما الّذي يُسمح له بأن يحصل. أمّا في العلم، فالقانون يصف ويتنبّأ بما سيحصل عندما تُحدّد سلسلة الظّروف المُمكنة. إنْ قُبِض على شخصٍ يقود بسرعةٍ عالية، فإنّنا نُنفّذ آليّات مُعيّنة لتصحيح هذا الانحراف عن الحدود المفروضة من مصدرٍ خارجيّ. لكن بالطّبع، لا يوجد هناك عقاب في حال خرق قوانين الفيزياء، أو تحدّي قانون الجاذبيّة، إذ إنّ هذه العبارات فارغة من وجهة نظرٍ علميّة.
وعلى نحوٍ أكثر تحديدًا، فنقول: إنْ لم تُؤكّد المشاهدات تنبُّؤات القانون العلميّ، فإمّا أن تكون مشاهداتنا مُتوهّمة أو فُسِّرت بشكلٍ خاطئ، وإمّا أنّ الحدث المرصود قد حصل خارج الظّروف الّتي تنطبق عليها القوانين، وإمّا (وهذا أمر نادر) أنّ القانون نفسه مصاغٌ بشكلٍ غير دقيق. يُقدّم لنا قانون الدّيناميكا الحراريّة الثّاني، والّذي دائمًا ما يساء فهمه، مثالًا جيّدًا على هذا الأمر، إذ ينصّ القانون على أنّ «الإنتروبيا الكلّيّة للنّظام المغلق (المعزول) في حال عدم الاتّزان تميل إلى الزّيادة على مرّ الوقت، وتصل للقيمة الكبرى في حال الاتّزان». في هذه الحال، ستكون الظّروف محدّدة بشكلٍ واضح: فإنْ لم يكن هناك مصدر طاقة خارجيّ (نظام مغلق)، فستكون هناك محصّلة زيادة في الاضطّراب حتّى يصل النّظام إلى حال الاتّزان. وإنّ الزّيادات المحلّيّة في النّظام ليست مُستَبعدة (ما تزال نُدُفات الثّلج المزخرفة تُشكّل من بخار الماء)، وبالطّبع، هذا لا ينطبق على الكائنات الحيّة، الّتي تأخذ طاقتها من بيئاتها (وفي نهاية المطاف من الشّمس)، فبالتّالي، إنّها تُمثّل نظامًا مفتوحًا.
يُحقّق قُرّاء هذه المقالة هذا الادّعاء الأخير قطعًا، إذ إنّهم أصلًا عبارة عن زيجوت (Zygote) بسيط نما ليصير كائنًا حيًّا معقّدًا تُشكّله تريليونات الخلايا المُختصّة. إنْ تضمّن قانون الدّيناميكا الحراريّة الثّاني أنّ جميع الزّيادات الطّبيعيّة في النّظام مستحيلة، فسيكون قانونًا خاطئًا. النّقطة النّهائيّة الّتي نريد إيضاحها هنا أنّ استعمال قانون الدّيناميكا الحراريّة الثّاني كحجّة ضدّ التّطوّر، يكشف عن فهمٍ خاطئ لتداعيات هذا القانون، ولمعنى مصطلح «القانون» في العلم عمومًا. إنّ النّظريّات تشرح الحقائق، وتُفحص عن طريق ابتداع الفرضيّات. ولا يهمّ تراكم المعلومات، فالفرضيّات لا تصبح نظريّات، والنّظريّات لا ترتقي إلى أن تصبح قوانينَ. هذه المصطلحات تصف ثلاثةَ جوانب مختلفة من العلم.
دراسة حالة جذّابة: قد يظهر الاستعمال العلميّ للكلمات المستخدمة بطرقٍ مختلفة في ظلّ ظروفٍ عاديّة مُعارضًا للحدس، بالتّأكيد. وبهذا المعنى، فمن المُفيد أن ننظر في دراسة حالة تبدو مألوفةً لدى أغلب القُرّاء: إنّها الجاذبيّة (Gravity). هذه بعض الحقائق -وهي مُلاحظات (مشاهدات) تكرّر تأكيدها واعتُبِرت دقيقةً- في ما يخصّ الجاذبيّة:
(1) على الرّغم من أنّ الأرض تدور بسرعة، فإنّ الأجسام المادّيّة على سطحها (لنقل قُرّاء هذا المقال) لا تُقذَف إلى الفضاء.
(2) إن أوقع أحدهم شيئًا أو رماه في الهواء، فإنّه سيسقط نحو الأرض.
(3) تُسارِع الجاذبيّة الأجسام السّاقطة في نفس الموقع بنفس المعدّل، وذلك بغضّ النّظر عن كتلتها (وعن مقاومة الهواء).
إنّ أوّل نقطة يمكن أن تُرصد وتُؤكّد في أيّ لحظة حول كوكبنا. والثّانية يمكن اختبارها في أيّ وقت (يمكنك تجريبها بنفسك عن طريق إلقاء جسمٍ غير قابل للكسر من اختيارك في الهواء). أمّا الثّالثة فإنّها أبعد من أن تكون بديهيّةً، لدرجة أنّها تطلّبت عبقرية غاليليو (Galileo) ليثبتها كمبدأ علميّ، وباحثين لاحقين مُتسلّحين بأدواتٍ أكثر تطوّرًا ليُؤكّدوا المبدأ. يمكن إثبات أنّ مُعدّل تسارع الأجسام متساوٍ بغضّ النّظر عن الكُتلة عن طريق استخدام أجسامٍ متماثلة الشّكل (لاستبعاد أيّ اختلافٍ في الاحتكاك مع الهواء – جرّب، على سبيل المثال، كرة بيسبول وكرة سلّة. إذ استعمل غاليليو كراتٍ تتدحرج على منحدر)، ويمكن أن يُرى هذا باستعمال غرفة مُفرّغة من الهواء. ومع ذلك، فإنّ أكثر البرهنات دراماتيكيّة حصلت عندما رمى ديف سكوت (Dave Scott)، وهو رائد فضاء في بعثة أبولو (15) إلى القمر، مطرقةً وريشةً وراقب النّتيجة. إذ علّق على ذلك قائلًا: «ماذا بشأن ذلك؟ لقد كان السّيّد غاليليو مُحقًّا».
لا يمكن أن تُرصَد الجاذبيّة مباشرةً، لذلك، يُستدلّ على خصائصها برصد تأثيراتها. وقد اتّضح أنّ هذه التّأثيرات يمكن التّنبّؤ بها بدقّة عالية إن قمنا بتحديد ظروفٍ مُعيّنة. بِقَولٍ آخر: هناك قوانينُ تصف سلوك الأجسام تحت تأثير الجاذبيّة. فأوّلًا، يُمكن أن توصف القوّة الّتي تبذلها الجاذبيّة كحاصل ضرب كتلة الجسم بتسارعه: وهذا معروف بقانون نيوتن الثّاني للحركة. وعلاوةً على ذلك، ينصّ قانون نيوتن للجاذبيّة الكونيّة على أنّ قوّة الجاذبيّة الّتي تؤثر على جسميْن تتناسب طرديًّا مَعَ حاصل ضرب كتلتيهما وعكسيًّا مع مربّع المسافة بين مركزيهما. بمعنًى آخر، إنْ حدّد شخصٌ كتلةَ جسميْن والمسافة بينهما، فإنّه سيتمكّن من حساب قوّة الجذب الّتي سيكونان خاضعيْن لها بدقّة، والسّلوك الّذي سيتبعانه نتيجة لذلك. إنّ الانحرافات الموجودة في مدار أورانوس (Uranus)، استنادًا إلى قوانين الفيزياء، سمحت للعلماء بالتّنبُّؤ بوجود وموقع جسم آخر هائل الكتلة – الجسم الذي نتكلّم عنه هنا، هو كوكب نبتون (Neptune)، وقد اكتُشِف عام 1846 ضمن درجة واحدة من موقعه المُستَنتَج.
بالطّبع، إنّ تقدير ووصف وحتّى التّنبّؤ بتأثيرات الجاذبيّة لا يفسّر الكيفيّة الّتي تعمل بها هذه الظّاهرة، أو لماذا تملك الخصائص الّتي تمتلكها. القوانين والحقائق غير كافية لفهمٍ عميقٍ للجاذبيّة، ولتحقيق هذا الأمر، فيلزمنا تفسير شامل مدعوم بالأدلّة وقابل للاختبار ومتّفق مع كلّ الحقائق المعروفة عن الجاذبيّة – بمعنًى آخر، إنّنا نحتاج نظريّة. اقتُرحت نظريّات عديدة عن الجاذبيّة، والعديد منها فشل في الاختبار أو اصطدم بعدم توافقٍ مع الحقائق المعتمدة، ولذلك قد رُفِضت. النّظريّة الحاكمة الآن هي نظريّة آينشتاين في النّسبيّة العامّة، والّتي تُفسّر الجاذبيّة باعتبارها نتيجة لانحناء الزّمكان (space–time)، أو النّسيج الكونيّ، بفعل الكتلة. واستمرّ نجاح نظريّة آينشتاين إلى اليوم، وذلك لأنّها تمكّنت من تفسير المشاهدات الّتي فشلت النّظريّات الأخرى في تفسيرها (مثل نظريّة نيوتن). ومثال على تلك المشاهدات هو مدار عطارد (Mercury) وانحناء الضّوء بفعل الكتلة. في الحقيقة، كان هناك اختبار للمشاهدة الآخيرة (انحناء الضوء) أثناء كسوف عام 1919، والّذي حدا بآينشتاين إلى أن يصبح مشهورًا عالميًّا.
اختبار النّسبيّة، كأيّ نظريّة أخرى في العلم، مستمرّ إلى الآن. ومن الجدير بالذّكر أنّ كرامر (Kramer) وآخرين عام 2006 اقترحوا استخدام نظامٍ نابضٍ نجميّ ثنائيّ (double pulsar system) كمُرشّح جيّد لاختبار نسبيّة آينشتاين العامّة والنّظريّات البديلة للجاذبيّة. الحقيقة أنّ نظام تحديد المواقع العالميّ، أو اختصارًا الـ(GPS)، لم يكن ليعمل لولا التّصحيحات الّتي ألحقتها به النّظريّة النّسبيّة، ولذلك هو يُمثّل تأكيدًا غير مباشرٍ على صحّتها.
إنّ نظريّة آينشتاين غير مكتملة، فلم نتمكّن لحدّ الآن من التّوفيق بينها وبين المشاهدات (أو الاستنتاجات على وجه الدّقّة) الكونيّة الّتي تقع دون المقاييس الذّرّيّة، حيث تجري الأحداث الكموميّة. وهي أيضًا لا تفسّر سبب ضعف الجاذبيّة بالنّسبة إلى القوى المعروفة الأخرى (نقصد الكهرومغناطيسيّة والقوّتين النوّويّة الضّعيفة والقوية). وبالفعل، فإنّ تطبيقًا ضئيلًا للقوّة الكهرومغناطيسيّة أكثر من كافٍ لإبطال أو التّصدّي لقوّة الجاذبيّة الّتي يبذلها الكون بأكمله، كما هي الحال عندما يرفع مغناطيس صغير مِشبك الورق. لذلك، يُعدّ تفسير خصائص الجاذبيّة مجالًا حيويًّا للبحث في مجال الفيزياء النّظريّة.
التّطوّر حقيقةً: لم يبتدع تشارلز داروين (Charles Darwin) فكرة أنّ الأنواع تغتغيّر عبر الزّمان وأنّ الكائنات الحيّة تجمعها صلة قرابة من خلال سلفٍ مشترك. إذ إنّ الأفكار الّتي تخصّ التّغيُّرات التّطوّريّة، كالأفكار الّتي تخصّ الجاذبيّة، تمتدّ جذورها إلى الوراء وصولًا إلى بضعة مفكّرين يونانيّين قدماء. وقد كان هناك الكثير من الجدل القائم حول هذا الموضوع قبل تشارلز دراوين بِجيلَيْن، حيث تكلّم فيه جان دو لامارك (Jean-Baptiste de Lamarck)، وَجَدُّ تشارلز داروين «إيرازموس داروين» (Erasmus Darwin) أيضًا، الذي تكلّم بصراحة عن أنّ الأنواع يمكن أن تتغيّر. لقد كان إسهام داروين الأساسيّ ليس يتمثّل في تقديم هذه الفكرة، وإنّما جمع خلاصة وافية من البيانات لدعم الفكرة الّتي سمّاها «التّحدّر معَ التّعديل».
نُشر كتاب أصل الأنواع عام (1859)، واستشهد داروين بأدلّة مستقّلة من مختلِف الفروع: التّوزيع البيوجغرافي (Biogeographical distribution) للأنواع، وتماثل البنية التّركيبيّة، ووجود تراكيب (أعضاء) أثريّة أو ضامرة (Vestigial organs) في الكائنات الحيّة، والتّأسّل الرّجعيّ (Atavism)، وعمليّة الانقراض المتّفق عليها بالفعل، باعتبار أنّ هذه الأشياء جميعها تشير إلى استنتاج مفاده أنّ الأنواع قد تغيّرت عبر الوقت، وهي متّصلة بالانحدار من أسلافٍ مشتركة. وبسبب قوّة حجة داروين، والعدد الكبير من البيانات الّتي قدّمها، فلم يمرّ وقت طويل حتّى اعترف وقدّر المجتمع العلميّ المعاصر حقيقة التّحدّر التّطوّريّ التّاريخيّة.
ويُلخّص لنا ألفريد ويليام بينّيت (A. W. Bennett) في (1870) الموقف كما يلي: «إنّ فرضيّة التّحدّر مع التّعديل المذهلة قد ترسّخت -خلال السّنوات القليلة الماضية- تمامًا في العقل العلميّ، سواء في بريطانيا العظمى أم ألمانيا، إذ إنّ جميع رجال العلم الصّاعدين من النّشْء يمكن أن يُصنّفوا باعتبارهم ينتسبون إلى مدرسة [داروين] الفكريّة. ومن المحتمل أنّه منذ نيوتُن، فما كان هناك لِأحد تأثيرًا عظيمًا على مسيرة تطوّر الفكر العلميّ كما كان لداروين».
على مدى (150) سنةً ماضية، أُضيف إلى قائمة داروين الابتدائيّة من الأدلّة عددٌ لا نهائيّ من المشاهدات، سواء من علم المستحاثّات (Palaeontology)، أم التّشريح المقارن (Comparative anatomy)، أم علم الأحياء النّمائيّ (Developmental biology)، أم البيولوجيا الجزيئيّة، أم علم الجينوم المقارن، وعبر الملاحظة المباشرة للتّغيّرات التّطوّريّة بين الجماعات في الطّبيعة أو في المختبر. تُنشَر كلّ سنةٍ آلاف المقالات المُرَاجَعة (Peer-reviewed) في المجلاّت العلميّة، إذ تُزوّدنا بمزيدِ من التّأكيد (مع أنّه كما يُنوّه دوغلاس جول: ليس هناك بيولوجيٌّ اليوم يُفكّر في نشر ورقةٍ عن «دليلٍ جديد عن التّطوّر»، إذ ليست هذه قضيّة ذات شأنٍ في الدّوائر العلميّة من أكثر من قرن). وعلى العكس من ذلك، فلم يُقدّم أيّ دليلٍ أو مُشاهدة موثوقة تدحض وتناقض المفهوم العام للأصل أو السّلف المُشترك. ولذلك، فليس ذلك مفاجئ في شيء إذ يقبل المجتمع العلمي على نحوٍ واسع مفهوم الأصل المشترك، باعتباره واقعًا تاريخيًّا من لدن داروين إلى الآن، كما ينظر إليه باعتباره من بين أكثر المفاهيم رسوخًا وموثوقيّةً وأهمّيّةً جوهريّةً عبر تاريخ العلم بأكمله.
التّطوّر نظريّةً: إنّ ترسيخ حقيقة التّطوّر كان فقط نصف هدف داروين. إذ قد سعى أيضًا إلى تفسير هذه الحقيقة بعرض الآليّة الّتي تتّبعها: إنّها نظريّة التّطوّر بالانتقاء الطّبيعيّ (Natural selection). وكما صرّح عام (1871): «لديّ هدفان متميّزان في مرمى بصري: أوّلًا، أن أُثبِتَ أنّ الأنواع لم تُخلَق بشكلٍ مستقلّ. وثانيًا، أن أُثبت أنّ الانتقاء الطّبيعي كان رائد عمليّة التّغيير».
لم يكن الانتقاء الطّبيعيّ أوّل ولا آخر نظريّةٍ اقتُرِحت لتفسير حقيقة التّطوّر. إذ كانت نظريّة لامارك، خصوصًا، مرتكزة على فكرتين رئيستين [شرحناهما في مقالةٍ سابقةٍ تناولت آليّة الانتقاء الطّبيعيّ]: (1) الاستعمال والإهمال، و(2) وراثة الصّفات المكتَسَبة (Acquired characteristics). وإنّ هاتين الفكرتين تقترحان معًا أنّ «الصّفات (السّمات) الّتي اكتسبها الكائن الحيّ عبر استعمال أعضاءٍ مُعيّنة في حياته، سيُمرّرها إلى ذرّيّته (مثلًا أنّ أبناء الأفراد الّتي تتمرّن أو تتحرّك بنشاطٍ مضاعف، ستُولَد بجهازٍ عضليّ أعظم)، وعلى العكس من ذلك، فإنّ الخصائص المُهمَلة ستضمر وتختفي، ولن تُمرّر إلى الذّرّيّة اللّاحقة». وإنّ الفكرة القائلة بأنّ التّغيُّرات التّطوّريّة هي نتيجة «الحاجة»، بالإضافة إلى السّعي الدّاخليّ للكائن الحيّ نحو كمالٍ وهيئة أعظم، هي سوء فهم شائع يُنسَب في الأغلب إلى لامارك. إنّ آليّة لامارك المقترحة غير تُعارِض الفهم المعاصِر لعلم الجينات، ولذلك فقد تُخُلّي عنها. ومع ذلك، تبدو فكرة لامارك وفكرة سعي الكائن إلى الكمال أكثر بداهةً من الانتقاء الطّبيعيّ الدّاروينيّ، وهذا يُفسّر سبب اقتراح هذه الأفكار أوّلًا، ولماذا معظم الطّلاّب ما يزالون يتصوّرون التّطوّر وكأنّه يجري عن طريق هذه المصطلحات غير الدّقيقة. حدث مثل هذا في تدريس الفيزياء أيضًا، إذ تُدرّس أفكار آينشتاين ونيوتُن، وتُنافِس تصوّرات أرسطو المُسبّقة الأكثر وضوحًا للبداهة.
على الرّغم من أنّ داروينقد نجح في ترسيخ حقيقة التّطوّر في غضون تدرّجٍ ووقتٍ قصير، فإنّه لم يعِشْ كفاية ليشهد الانتقاء الطّبيعيّ يصير الآليّة الرّئيسة في النّظريّة التّطوّريّة. في الحقيقة، بحلول فجر القرن العشرين، أصبح الانتقاء الطّبيعيّ الآليّة الرّئيسة والمُفضّلة لتفسير التّغيُّر التّطوّريّ. ولكن، عادت نظريّات أخرى إلى ميدان النّور، كالّتي تنطوي على تغيُّر فوريّ (Instantaneous) بدلًا من التّغيُّر التّدريجيّ (Gradual)، والتّطفّريّة (Mutationism)(1)، والأورثوجينيّة (Orthogenesis)(2) الّتي تُشير إلى ذلك الميل وتلك التّغيّرات الدّاخليّة الّتي تخلق نوعًا من الخمود التّطوّريّ الّذي لا مفرّ منه، ونداءات تدعو إلى إعادة الاعتبار إلى مفهوم لامارك عن الاستعمال والإهمال (النّيولاماركيّة: Neo-Lamarckism). وما عاد الانتقاء الطّبيعيّ إلى المقدّمة إلاّ بعد أن ظهر «التركيب الحديث» (Modern synthesis) في ثلاثينيّات وأربعينيّات القرن العشرين، إذ أظهر توافقه مع قوانين مندل للوراثة (Mendel’s laws of Inheritance). إنّ داروين نفسه ما كان على درايةٍ بعلم الجينات، ممّا يُخوّل النّسخة المُنقّحة عن التّطوّر الحقّ لتصير متميّزة بما فيه الكفاية عن تلك النّسخة الأولى، فتصبح «النّظريّة الدّاروينيّة الجديدة» (neo-Darwinian theory).
تُمثّل النّظريّة التّطوّريّة الحديثة مجموعةً من التّفسيرات المتعدّدة الجوانب، لأنماطٍ شُوهِدَت في المجموعات الحيّة المعاصرة والقديمة، كما يكشف عنها السّجلّ الأحفوريّ (Fossil record). ويَعتَبر العديد من العلماء الانتقاء الطّبيعيّ المُكَوِّن الرّئيس للنّظريّة التّطوّريّة والآليّة العمليّة الوحيدة القادرة على تفسير السّمات التّكيّفيّة للمُتَعضّيات. وعلى المستوى الجُزيئيّ، فإنّ الآليّات غير التّكيّفيّة تُعتبر ذات أهمّيّة عالية، وهناك تركيز مُتَعاظِم على التّغيُّرات الحاصلة نتيجة عمليّات مثل الانجراف الوراثيّ (Genetic drift)، الّذي يختلف عن الانتقاء الطّبيعيّ باستناده إلى الصّدفة.
وبسبب هذا التّعقيد الظّاهر، فإنّ البيولوجيّين نادرًا ما يُشيرون إلى «نظريّة التّطوّر»، إذ إنّهم يُشيرون بدلًا من ذلك إلى «التّطوّر» (أيْ التّحدّر مع التّعديل) أو «النّظريّة التّطوّريّة» (أيْ مجموعة التّفسيرات المتزايدة والمعقّدة الدّاعمة لحقيقة التّطوّر). إنّ التّطوّر نظريّة يعني في السّياق العلميّ المناسب أنّ هناك حقيقةً تطوّريّة تحتاج إلى أن تُفسَّر، وإطارًا آليًّا مدعومًا كفايةً يُعلّلها. وأنْ تزعمَ أنّ التّطوّر «مجرّد نظريّة»، فإنّك تُظهِرُ لنا جهلًا مُطبقًا بالبيولوجيا الحديثة، وافتقارًا بالغًا إلى أدنى أساسيّات طبيعة العلم.
التّطوّر مسارًا: إنّ بعض التّخصّصات العلميّة -مثل الجيولوجيا وعلم الآثار وعلم الفلك والبيولوجيا التّطوّريّة- لا تتعامل فقط مَعَ آليّات وعمليّات التّطوّر العامّة، ولكن أيضًا مع تفاصيلَ تاريخيّةٍ فريدة. وبالإضافة إلى تجسُّد التّطوّر باعتباره «حقيقةً» و«نظريّةً»، فإنّه يُمكن أن يتمثّل في تجسُّدٍ ثالثٍ مُميّزٍ باعتباره «مسارًا». يتعامل التّطوّر كمسار مَعَ التفاصيل الواقعيّة لتاريخ الحياة، كدرجة القرابة بين الأنواع الحديثة، والزّمن الّذي يحدث فيه الانفصال بين الأنساب (Lineages)، وسمات الأسلاف المنقرِضة، والأحداث الكبرى الّتي وَقَعَت على مدى أربع ملايين سنة ماضية ملحميّة. وعلى سبيل المثال، فإنّ المُختصّين بمن فيهم علماء الحفريّات والسِّستيماتيكيّون الجينيّون (Molecular systematists: أي المُختصّون في الدّراسة الجينيّة الجزيئيّة لتطوّر العلاقات بين الأفراد والأنواع) قد يتحقّقون من الفكرة القائلة إنّ الطّيور تتحدّر من نسلِ الدّيناصورات (وإن كان الأمر كذلك، فأيّ واحدٍ منها)، ومتى تطوّرت أول قدرة على الطّيران، وما هي التّغيُّرات الّتي انطوت عليها هذه العمليّة، وما هي أنماط التّنويع الّتي عُرِضت للطّيور منذ تطوّر القدرة على الطّيران؟ إنّ كلّ سؤال ذُكِر يُمكن أن يُطرَح بالنّسبة إلى كلّ فرع من شجرة الحياة.
وكما نوّه «موران-Moran» (1993)، فإنّ بعض تفاصيل تاريخ الحياة غير كافية لتعتبر حقائقَ، لكنّ هذا الأمر (ومن المحتمل أنّه سيكون كذلك) سيتغيّر كلّما حصلنا على المزيد من البيانات لتدعم بعض المسائل المعيّنة. فمثلًا، من الأمور المتّفق عليها الآن أنّ الدّيناصورات كانت الحيوانات الفقاريّة الأرضيّة المسيطرة لفترةٍ امتدّت (160) مليون سنة، واختفت بشكل مفاجئ نسبيًّا قبل (65) مليون سنة. لكن، مع ذلك، فمن غير الواضح إلى الآن الآثار المترتّبة على حدث الانقراض الجماعيّ هذا في التّطوّر اللّاحق للثّدْييّات الّتي تحتلّ الآن أماكنَ عديدة كانت موئلًا للدّيناصورات.
وكما نجد أنّ التّطوّر باعتباره نظريّةً وحقيقةً يُعرّض لمختلِف ألوان سوء الفهم، فإنّ هناك بعض الالتباس في فهم التّطوّر باعتباره مسارًا يُظهره غير المختصّين. وإنّ المفهوم الخاطئ الّذي يقول إنّ البشر تحدّروا من الشّمبانزي أو القردة يقع في قائمة هذه الالتباسات. الشّمبانزي والإنسان ليسا مُرتبطين كالأسلاف والأسلّة، بل باعتبارهما ابنيْ عمّ شارك نسلهما في سلفٍ مشتركٍ قبل نحو 6 ملايين سنة مضت. وقد عُرِضت لنسلهما تغيّرات عظيمة منذ انفصالهما من ذلك السّلف المشترك، وإنّ أنواعًا عديدة قد ظهرت وانقرضت على طول خطَّيِ التّحدّر.
الهامش
(1) التّطفّريّة (Mutationism): كانت تُعرَف قبل عام (1900) باسم الـ«Saltationism»، وهي تشير إلى مجموعة وجهات النّظر القائلة إنّ التّطوّر الّذي يُشدّد على الدّور الّذي تلعبه الطّفرات على نحوٍ كبير قادرٌ على أن يقود إلى قفزات تطوّريّة فُجائيّة، تتضمّن الانتواع (Speciation) الفوريّ. وإنّها إحدى بدائل نظريّة التّطوّر الدّاروينيّة، إذ إنّ هذه الأخيرة تُشير إلى التّغيّر التّدريجيّ، ولا تتضمّن إشارةً إلى القفزات التّطوّريّة الفوريّة. فالطّفرات هي المبتدع الأكبر في العمليّة التّطوّريّة بالنّسبة إلى التّطفّريّة، ولا يُنظر إلى الانتقاء الطّبيعيّ باعتباره مُبدعًا وخلاّقًا.
(2) الأورثوجينيّة (Orthogenesis): تُعرف أيضًا باسم «Orthogenetic evolution» أو «progressive evolution»، وغير ذلك،وهي إحدى بدائل نظريّة التّطوّر الدّاروينيّة أيضًا. وهي فرْضيّة مثيرة للجدل تزعم أنّ المُتعضّيات تملك ميلًا فطريًّا إلى التّطوّر طبقًا لاتّجاهٍ مُحدّد ومُوجّه نحو هدفٍ ما «غائيّة-Teleology» استنادًا إلى آليّة داخليّة أو «قُوّة مُوَجِّهة». فوَفقًا للنّظريّة، إنّ الاتّجاهات الواسعة للتّطوّر تسير نحو هدفٍ مطلقٍ إذ يزيد التّعقيد الحيويّ. وعبر التّاريخ، تجد أنصارًا لهذه النّظريّة، مثل ألفرد والاس، وهربرت سبنسر، وهنري برغسون، وغيرهم.
ترجمة: شريف دويكات – تدقيق علميّ ولغوي: أحمد زياد
References
Alters BJ, Nelson CE. Teaching evolution in higher education.
Evolution 2002;56:1891–901.
Bennett AW. The theory of natural selection from a mathematical
point of view. Nature 1870;3:30–33.
Bininda-Emonds ORP, Cardillo M, Jones KE, MacPhee RDE, Beck
RMD, Grenyer R, et al. The delayed rise of present-day mammals.
Nature 2007;446:507–12.
Bishop BA, Anderson CW. Student conceptions of natural selection
and its role in evolution. J Res Sci Teach 1990;27:415–27.
Bowler PJ. The eclipse of Darwinism. Baltimore, MD: Johns Hopkins
University Press; 1992.
Bowler PJ. Evolution: the history of an idea. 3rd ed. Berkeley, CA:
University of California Press; 2003.
Darwin CR. Origin of species [Letter]. Athenaeum 9 May: 617; 1863.
Darwin C. On the origin of species by means of natural selection, or
the preservation of favoured races in the struggle for life.
London: John Murray; 1859.
Darwin C. The descent of man, and selection in relation to sex.
London: John Murray; 1871.
Demastes SS, Settlage J, Good R. Students’ conceptions of natural
selection and its role in evolution: cases of replication and
comparison. J Res Sci Teach 1995;32:535–50.
Dobzhansky T. Nothing in biology makes sense except in the light of
evolution. Am Biol Teach 1973;35:125–9.
Futuyma DJ. Evolutionary biology. 3rd ed. Sunderland, MA: Sinauer
Associates; 1998.
Gould SJ. Evolution as fact and theory. Discover 1981 May:34–37.
Halloun IA, Hestenes D. The initial knowledge state of college
physics students. Am J Phys 1985a;53:1043–55.
Halloun IA, Hestenes D. Common sense concepts about motion. Am J
Phys 1985b;53:1056–65.
Kampourakis K, Zogza V. Students’ preconceptions about evolution: how
accurate is the characterization as “Lamarckian” when considering
the history of evolutionary thought? Sci Educ 2007;16:393–422.
Kramer M, Stairs IH, Manchester RN, McLaughlin MA, Lyne AG,
Ferdman RD, et al. Tests of general relativity from timing of the
double pulsar. Science 2006;314:97–102.
Lenski R. Evolution: fact and theory. ActionBioScience.org http://
www.actionbioscience.org/evolution/lenski.html; 2000.
Mayr E, Provine WB. The evolutionary synthesis. Cambridge, MA:
Harvard University Press; 1980.
Moran L. Evolution is a fact and a theory. Talk.Origins http://www.
talkorigins.org/faqs/evolution_fact.html; 1993.
National Academy of Sciences of the USA. Teaching about evolution
and the nature of science. Washington, DC: National Academies
Press; 1998.
Randall L. Warped passages. New York: Harper Perennial; 2005.
Ruse M. Taking Darwin seriously. Amherst, NY: Prometheus Books; 1997.
Wible JR, Rougier GW, Novacek MJ, Asher RJ. Cretaceous
eutherians and Laurasian origin for placental mammals near the
K/T boundary. Nature 2007;447:1003–6.
One Comment
Leave a Reply