«قد لا يكون هناك مفهوم أشدّ أصالةً، وأشدّ تعقيدًا، وأشدّ جرأةً في تاريخ الأفكار من تفسير داروين الآليّ لعمليّة التّكيّف». (من كتاب إرنست ماير: نموّ الفكر البيولوجيّ، 1982).
مقدّمة
الانتقاء الطّبيعيّ هو تمايز غير عشوائيّ في الإنتاج التّكاثريّ بين الأحياء المتكاثرة، وذلك يعود عادةً -وبشكلٍ غير مُباشرٍ- إلى التّمايزات الكائِنة بين مختلِف المُتعضّيات (Organisms) في الحفاظ على البقاء تحت ظروفٍ معيّنة، ممّا يؤدّي إلى زيادةٍ في نسبة السِّمات النّافعة والقابلة للتّوريث في مجموعةٍ ما عبر الأجيال المُتعاقبة. والحقيقة القائلة إنّ هذه العمليّة قابلة للاختزال في جملةٍ واحدةٍ -ولو كانت طويلةً- يجب ألاّ تُقلّل من تقديرنا لعمقها ونفوذها. فهي إحدى الآليّات الرّئيسة للتّغيّر التّطوّريّ (Evolutionary change)، وهي العمليّة الرّئيسة المسؤولة عن تَعقُّد العالم الحيّ وتكيّفاته الدّقيقة. ووَفْقًا للفيلسوف دانيال دينّيت في كتابه «فكرة داروين الخَطِرة»: فإنَّ التّطوّر البيولوجيّ عن طريق الانتقاء الطّبيعيّ يُؤَهَّل لأن يكون «أفضل فكرةٍ خَطَرت في بال أحدهم قطّ».
يَنتُج الانتقاء الطّبيعيّ عن تضافر عددٍ صغيرٍ من الشّروط الأساسيّة في علم البيئة (Ecology) والوراثة (Heredity). وكثيرًا ما تكون للظّروف الّتي تنطبق فيها تلك الشّروط أهمّيّة مباشرة لصحّة الإنسان وسلامته، كما في تطوّر المضادَّات الحيويّة ومقاومة المبيدات الحشريّة، أو تأثيرات الافتراس الشّديد على البشر. ولهذا، يعدّ فهم هذه العمليّة أمرًا ذا أهمّيّة، سواءٌ أكان ذلك من النّاحية الأكاديميّة أم من النّاحية البراغماتيّة (العمليّة). ولسوء الحظّ، فإنّ قائمةً مطوّلةً من الدّراسات تقودنا إلى أنّ الانتقاء الطّبيعيّ في الأعمّ الأغلب ليس أمرًا يُفهم جيّدًا – لا من قِبَل الطّلاب الشّباب وعامّة النّاس فحسب، بل حتّى عند مَنْ تَلَقّوا تعليمًا جامعيًّا في البيولوجيا.
وكما يصحّ بالنّسبة إلى أمورٍ أخرى، فإنّ قلّة أو سوء فهم الانتقاء الطّبيعيّ لا يرتبط ضرورةً بعدم الثّقة في مستوى فهم النّاس. فقد يعود ذلك للتّصوّر، الّذي أكّده بيولوجيّون عديدون للأسف، القائل: إنّ الانتقاء الطّبيعي مُلزِمٌ منطقيًّا بحيث تصبح تداعياته بيّنةً بذاتها ما إنْ تُشرَح مبادئه الأساسيّة. ولهذا، قد يتّفق العديد من البيولوجيّين المُختصّين على أنّ «[التّطوّر] يُرينا كيف ظهر كلّ شيء من الضّفادع إلى البعوض عبر بضع عمليّات بيولوجيّة سهلة الفهم» (كوين، كتاب «لماذا التّطوّر حقيقة»، والتّأكيد منّي). لكنّ الواقع المُؤسف، كما لاحظه بيشوب وأندرسون (1990) قبل قرابة عقدين من الزّمان، هو أنّ «أفكار التّطوّر بالانتقاء الطّبيعيّ أصعب فهمًا بالنّسبة إلى أذهان الطّلاب ممّا يتخيّل معظم البيولوجيّينَ. ورَغم الافتراضات الشّائعة الدّالّة على خلاف ذلك عند الطّلاّب والمُدرّسين، فمن الواضح أنّ سوء فهم الانتقاء الطّبيعيّ يُمثّل الأمر المسيطِر، أمّا الفهم العملي فليس إلاّ استثناءً نادرًا.
والغرض من هذه الورقة هو توطيد (أو ربّما تأكيد) فهم القرّاء الأساسيّ للانتقاء الطّبيعيّ. ويتضمّن ذلك: توفير نظرة عامّة لأساس الانتقاء الطّبيعيّ وإحدى النّتائج العامّة له، كما يفهمها البيولوجيّون التّطوّريّون، كخطوة أولى. وتليها مناقشةٌ وجيزة للمدى والأسباب المحتملة وراء الصّعوبات الكامنة في الفهم الكامل لمفهوم الانتقاء الطّبيعيّ، والتّداعيات المتمخّضة عنه. وفي الختام، نُقدّم استعراضًا لأوسع الأوهام انتشارًا حول مفهوم الانتقاء الطّبيعيّ. تنبغي ملاحظة أنّ أدواتٍ تعليميةً معيّنة، تُمكّننا من تكوين فهمٍ أفضل عند الطّلاّب، ما تزال غائبةً عنّا في العموم، ولسنا نُقدّم هنا أيّ اقتراحات جديدة في هذا الشّأن. لكنّ هذه المقالة موجّهةٌ إلى القرّاء الرّاغبين بمواجهة وتصحيح أيّ أوهامٍ قد يحملونها، أو امتلاك إدراكٍ أفضل لتلك الّتي يحملها معظم الطّلابّ وغير المُختصّين.
أساس ومبادئ الانتقاء الطّبيعيّ:
رَغم أنّ أشكالًا بدائيّةً لهذه الفكرة قد قُدِّمت من قبل (كما عند داروين ووالاس، 1858، وكذلك آخرين من قبلهم)، ففي كتاب حول أصل الأنواع عن طريق الانتقاء الطّبيعيّ، استطاع داروين (1859) تقديم أوّل شرحٍ مُفصّلٍ لعمليّة الانتقاء الطّبيعيّ وتداعياتها بعد إنهاء رحلته على سطح سفينة البيغل (Beagle) ببضع سنين. ووَفْقًا لماير (1982 و2001) فإنّ مناقشة داروين المُوَسّعة للانتقاء الطّبيعيّ يُمكن أن تُعتَصر في خمس «حقائقَ» أو ملاحظات مباشرة، وثلاثة استنتاجاتٍ ترتبط بها. وهي مُقدّمة في الشّكل (1).
الشّكل 1. أساس الانتقاء الطّبيعيّ، كما قدّمه داروين (1859) بناءً على تلخيص ماير (1982).
كان بعضُ مكوّنات هذه العمليّة، وخاصّة مصادر التّمايز (Variation) وآليّات الوراثة، بسبب قلّة المعلومات المتاحة أيّام داروين، إمّا غائمًا وإمّا خاطئًا في صياغته الأصليّة. ومنذئذٍ، فقد وُضِّح ووُثِّق كلّ جانبٍ من الجوانبِ الجوهريّة لآليّته، ممّا يجعل النّظريّة الحديثة للانتقاء الطّبيعيّ أشدّ تفصيلًا وأوثق دعمًا ممّا كانت عليه حين اقتُرِحت لأوّل مرّة قبل نحو 150 عامًا. ويتكوّن هذا الفهم المُحدَث للانتقاء الطّبيعيّ من العناصر الّتي نوضّحها لدى حديثنا في كلّ بابٍ من الأبواب الآتية.
فرط التّكاثر، ونموّ السّكّان المقيّد، «والصّراع من أجل البقاء»
إنّ ملاحظةً رئيسةً يستند إليها الانتقاء الطّبيعيّ هي أنّ الجماعات، من حيث المبدأ، تمتلك القدرة على تزايد عددها أُسّيًّا (أو هندسيًّا أو تضاعفيًّا)، فإنْ كان الكائن يستطيع إنتاج صغيريْن، وكان الصّغيران يُنتجان بدورهما صغيريْن آخريْن، وهكذا، فإنّ العدد الكلّيّ سيزداد بمعدّل سريع للغاية (1 – 2 – 4 – 8 – 16 – 32 – 64 … وحتّى 2ن) بعد (ن) دورة من التّكاثر.
من الصّعب فهم مدى ضخامة هذه الإمكانيّة للنّموّ الأسّيّ. فمثلًا، تأمّل أنّك لو بدأت مَعَ بكتيريا (E.coli) واحدة، مفترِضًا أنّ الانقسام الخلويّ يحدث كلّ (30) دقيقةً، فسيأخذ الأمر أقلّ من أسبوعٍ لسلالة هذه الخلية المفردة كي تفوق كتلة الأرض. بالطّبع، فإنّ التّوسّع بالنّموّ الأسّيّ لا يقتصر على البكتيريا. فكما تهكّم الفائز بجائزة نوبل جاك مونود (Jaques Monod) ذات مرّة: «ما يصحّ على (E.coli) يصحّ أيضًا على الفيل»، وبالفعل فقد استخدم داروين نفسه الفِيَلة كتوضيحٍ لهذا المبدأ، ليحسب أنّ سلالة زوجٍ واحدٍ منها قد تصل لأكثر من (19) مليونًا خلال (750) سنةً فقط. ويشير كيون «Keown» عام (1988) إلى مثال المحار، الّذي قد ينتج قرابة (114) مليونَ بيضةٍ في بطن واحد (Single Spawn)، ولو أنّ كلّ تلك البيوض كبِرت لتصبح محارًا وأنتجت بدورها نفس العدد الّذي تمكّن من البقاء والتّكاثر، فخلال خمسة أجيال فقط، سيكون هناك محار أكثر من عدد الإلكترونات في الكون المنظور.
ومن الواضح أنّ العالم ليس غارقًا بالبكتيريا أو الفِيَلة أو المحار. فلمَّا كانت هذه الأنواع وغيرها تشترك بما يدعى فرط التّكاثر (Overproduction) أو «الخصوبة الهائلة»، وتاليًا، يمكنها –مبدئيًّا– أن تتوسّع أُسّيًّا، فإنّها ليست كذلك عمليًّا. والسّبب بسيط: فمعظم الذّريّة النّاتجة لا تبقى حتّى تُنتِج ذرّيّتها الخاصّة. في الواقع، فإنّ معظم أحجام الجماعات تميل لأن تبقى مستقرّةً نسبيًّا على المدى الطّويل. وذلك يعني بالضّرورة أنّ كلّ زوجٍ من المحار يُنتِج في المعدّل صغيريْن فقط يتمكّنان من التّكاثر بنجاح، وأنّ (113,999,998) من البيوض لكلّ أنثى لا تنجو. فالعديد من صغار المحار سيأكلها المفترسون، وأخرى ستموت جوعًا، وثالثة غيرها ستموت بالعدوى. وكما لاحظ داروين، فإنّ هذا الفرق الهائل بين عدد الذّرّيّة المُنتَجة والعدد الّذي يمكن الحفاظ على حياته بفضل الموارد المتوفّرة، سيخلق «صراعًا من أجل البقاء» لن تنجحَ فيه إلاّ قلّة قليلة من الأفراد. وفي رأيه، يمكن تصوّر ذلك كصراعٍ لا ضدّ الأحياء الأخرى فقط (وخاصّة أفراد نفس النّوع، الّتي تتشابه احتياجاتها البيئيّة كثيرًا) بل على نحوٍ أشدّ تجريدًا: بين الأحياء وبيئتها المادّيّة.
التّمايز والوراثة (Variation and Inheritance)
يُعدّ التّمايز(1) (Variation) بين الأفراد شرطًا أساسيًّا لعمليّة التّغيّر التّطوّريّ. ونظرًا إلى كونه أمرًا جوهريًّا في نظريّة داروين عن الانتقاء الطّبيعيّ، ومخالفًا بوضوحٍ لكثير من الفكر الّذي عاصره، فليس من المفاجئ أنّه -داروين- بذل جهدًا مُعتَبرًا في محاولة إثبات أنّ التّمايز، في الواقع، يُعدّ أمرًا شائعًا جدًّا. كما أكّد أيضًا على واقع أنّ بعض الأحياء -نعني الأقارب، وخاصّة الآباء والذّرّيّة- يشبه بعضه بعضًا أكثر من شبهه بغير الأقرباء ضمن الجماعة. وقد اتّضح له أنّ ذلك أيضًا جوهريٌّ في عمل الانتقاء الطّبيعيّ. وكما عبَّر عنه داروين، فإنّ «أيّ تمايزٍ غير متوارثٍ لا يهمّنا». لكنّه لم يستطِع تفسيرَ: لماذا وُجِدَ التّمايز؟ أو كيف كانت السّمات المُحدَّدة تُوَرَّث من الآباء إلى الأبناء؟ ومن ثَمَّ، أُجبِرَ على التّعامل مَعَ المصدر الّذي ينبجس منه التّمايز، وآليّات الوراثة المُتّبعة باعتبارها «صندوقًا أسودَ».
لكنّ الآليّات الجينيّة عادت غير غامضةٍ. فاليوم بات مفهومًا أنّ الوراثة تعمل عبر تناسخ أو تضاعف(2) (Replication) سلاسل الحمض النّوويّ، وأنّ الأخطاء في هذه العمليّة (الطّفرات-Mutations) وإعادة خلط التّمايزات الموجودة (التّأشيب-Recombination)(3) تمثّل مصادر هذا التّمايز الجديد. وعلى وجه الخصوص، يُعرف عن الطّفرات أنّها عشوائيّة (أو بشكل أقلّ تشوّشًا، «غير موجّهة») في ما يخصّ أيّ تأثيراتٍ قد تُحدِثها. فأيّ طفرة معيّنة ليست سوى خطأ بالصّدفة في نظام الجينات – وبهذا، فإنّ فرصة حدوثها لا تتأثّر بأنّها ستصبح ضارّة لاحقًا، أو مفيدةً، أو محايدةً (في الأعمّ الأغلب).
كمّا توقّع داروين، فإنّ التّمايز الواسع بين الأفراد قد ثبت وجوده الآن في المستويات الجسديّة، والنّفسيّة، والسّلوكيّة. وبفضل صعود البيولوجيا الجزيئيّة، وعلم الجينوم حديثًا، فقد صار من الممكن الآن توثيق التّمايز في مستوى البروتينات، والجينات، وحتّى قواعد الحمض النّوويّ لدى الإنسان والعديد من الأنواع (الضُّروب-Species) الأخرى.
الفروق غير العشوائيّة في البقاء والتّكاثر
لقد رأى داروين أنّ فرط التّكاثر والموارد المحدودة تخلق صراعًا من أجل البقاء، ينجح فيه بعض الأحياء ويخسر معظمه. كما اكتشف أيضًا أنّ الأحياءَ في الجماعات ستختلف في ما بينها من حيث عدد الصّفات الّتي تميل إلى أن تُمرّر من الآباء إلى الأبناء. وقد تمثّلت بصيرته البارعة في الجمع بين العاملين، وإدراك أنّ النّجاح في هذا الصّراع من أجل البقاء لن تُحدّده الصّدفة، بل ستميل به بعض الفروق الموروثة الّتي توجد بين الأحياء. وفي الأخصّ، فإنّه قد لاحظ أنّ بعض الأفراد يحملون صفاتٍ تجعلهم أفضلَ بقليلٍ في التّكيّف مَعَ بيئة معيّنة، ممّا يعني أنّهم أنجح في البقاء من ذوي الصّفات الأقلّ تكيّفًا. وبالتّالي، فالأحياء المالكون لتلك الصّفات سيتركون، في المعدل، ذرّيّةً أكثر من منافسيهم.
في حين يحدث منشأ التّمايز الجينيّ الجديد عشوائيًّا من حيث تأثيره على الكائن الحيّ، فإنّ احتمال مروره إلى الجيل اللّاحق ليس عشوائيًّا أبدًا، إنْ كان يُؤثّر على قابليّات البقاء والتّكاثر لدى ذلك الكائن. والمهمّ هنا أنّ هذه العمليّة تنطوي على خطوتيْن: أوّلًا، نشوء التّمايز عن طريق الطّفرة العشوائيّة. وثانيًا، الفرز غير العشوائيّ لهذا التّمايز نَظرًا إلى التّأثيرات الحاصلة على البقاء والتّكاثر (ماير، 2001). ورَغم أنّ تعريفات الانتقاء الطّبيعيّ قد صِيغَت بطرقٍ شتّى، فهذا الفرق غير العشوائيّ في البقاء والتّكاثر يُشكّل أساس هذه العمليّة.
الكفاية/اللّياقة/الصّلاحية الدّاروينيّة (Darwinian Fitness)
معنى الكفاية في البيولوجيا التّطوّريّة؟
كي نفهم عمل وتأثير الانتقاء الطّبيعيّ، من المهمّ أن نملك وسيلةً لوصف وتقويم العلاقات بين الجينوتايب (النّمط الجينيّ-Genotype) والفينوتايب (النّمط الظّاهريّ المتضمّن للمظاهر الجسديّة والسّلوكيّة-Phenotype)، والبقاء (Survival)، والتّكاثر ضمن بيئاتٍ معيّنة. والمفهوم الّذي يستخدمه البيولوجيّون التّطوّريّون في هذا الصّدد يُعرَف «بالكفاية/اللّياقة الدّاروينيّة-Darwinian fitness» الّتي تُعرَّف ببساطة بأنّها مقياسٌ للإنتاج التّكاثريّ الكلّيّ (أو النّسبيّ) لكائنٍ حيّ يملك نمطًا جينيًّا معيّنًا. وبأبسطِ عبارة، يحقّ لنا القول: إنّه كلّما أنتج الفرد ذرّيّةً أكثر، كانت كفايته أكبر. وينبغي التّأكيد على أنّ لفظ «اللّياقة» كما يُستخدم في البيولوجيا التّطوّريّة، لا يُشير إلى الحالة البدنيّة أو القوّة أو التّحمّل، ولهذا، فإنّه يختلف عن استخدامه الشّائع بشكلٍ جليّ.
«البقاء للأصلح» تعبيرٌ مضلّل
في الطّبعة الخامسة من أصل الأنواع (الّتي نُشِرت عام 1869) بدأ داروين باستخدام تعبير «البقاء للأصلح»، الّذي صاغه قبل بضعة أعوام -نقصد في ذلك الوقت- صديقه الاقتصاديّ والفيلسوف والنّفسانيّ البريطانيّ هربرت سبنسر (Herbert Spencer)، كاختصارٍ للانتقاء الطّبيعيّ. وقد كان ذلك قرارًا غير موفّق، وذلك لوجود عدّة أسباب تسوّغ اعتبار تعبير «البقاء للأصلح» وصفًا سيّئًا للانتقاء الطّبيعيّ:
فأوّلًا، في سياق داروين، فقد عنى بـتعبير «الأصلح» الإشارة إلى الفرد «الأفضل تكيّفًا ضمن بيئةٍ معيّنة»، بدلًا من «الألْيَق بدنيًّا»، لكنّ هذا الفرق الجوهريّ كثيرًا ما يُهمل في الاستخدام غير التّقْنيّ، وخاصّة حين يشوبه المزيد من التّشويه ليصبح «لا ينجو إلاّ الأقوياء».
ثانيًا، إنّه يولي البقاء تأكيدًا غير مستحقّ: فعلى الرّغم من أنّ الأحياء الميتة لا تتكاثر، فإنّ البقاء ليس بالمهمّ تطوّريًّا إلاّ حينما يُؤثّر على عدد الذّرّيّة النّاتجة. إنّ الصّفات الّتي تُؤثّر في عمر الأفراد بالزّيادة أو النّقصان ليست ذات صلةٍ إلاّ إنْ أثّرت في النّسل اللّاحق أو الذّرّيّة النّاتجة. وبالفعل، فإنّ الصّفات الّتي تُحسّن من صافي النّسل المُنتَج، قد يتكرّر ظهورها بشكلٍ أكبر عبر الأجيال المتعاقبة، بغضّ النّظر عن تأثيرها المحتمل في العمر المتوقّع الفرديّ. وبالعكس، فإنّ الفروق في الخصوبة وحدها قد تنشِئ اختلافاتٍ في الكفاية، حتّى لو كانت معدّلات البقاء متطابقةً بين الأفراد.
ثالثًا، إنّه يضع تركيزًا مفرطًا على الأحياء، في حين أنّ الصّفات أو الجينات الّتي تقف وراءها يمكن في الواقع وصفها بأنّها أكثر أو أقلّ كفايةً من بدائلها.
وأخيرًا، فكثيرًا ما يُساء فهم هذا التّعبير بوصفه دائريًّا، أو توتولوجيًّا – أعني تحصيل حاصل: مَنْ ينجو؟ الأصلح. ومن هم الأصلح؟ إنّهم أولئك الّذين ينجون. ومُجدّدًا، فذلك يسيء فهم المعنى الحديث للكفاية (اللّياقة)، الّتي يمكن توقّعها بدَلالة أنّها عبارة عن سمات يتوقّع نجاحها في بيئة معينة، وقياسها بدلالة النّجاح التّكاثريّ الفعليّ في تلك البيئة.
أيّ صفاتٍ هي الأكثر كفايةً؟
يمكن فهم الانتقاء الطّبيعيّ الاتّجاهيّ كعمليّة تزداد فيها نسبة السّمات (أو الجينات) الأكثر كفايةً ضمن الجماعات على مدار عدة أجيال. ويجب أن نفهم أنّ الكفاية النّسبيّة لمختلِف الصّفات تعتمد على البيئة الحاليّة. ولهذا، فإنّ الصّفات اللّائقة الآن قد تكون ليست كذلك لاحقًا لو حصل وتغيّرت البيئة. وبالعكس، فإنّ الصّفات الّتي أصبحت لائقةً الآن، ربّما كانت حاضرةً لوقتٍ طويلٍ قبل أن تظهر البيئة الحاليّة، دون أن تمنح البيئة لها أيّ مِيْزة في ظلّ الظّروف السّابقة. وأخيرًا، تجدر ملاحظة أنّ الكفاية تُشير إلى النّجاح في عمليّة التّكاثر مقارنةً بالبادئل الحاضرة هُنا والآن – إذ لا يمكن للانتقاء الطّبيعيّ أن يزيد من نسبة الصّفات فحسب على أمل أن تصبح مفيدةً يومًا ما. والتّأمل الحذر في كيفيّة عمل الانتقاء الطّبيعيّ ينبغي أن يُوضّح ذلك.
الانتقاء الطّبيعيّ والتّطوّر التّكيّفيّ (Adaptive Evolution)
الانتقاء الطّبيعيّ وتطوّر الجماعات
رغم أنّ كلاًّ منها قد اختُبِرت وأُثبتت دقّتها، فلا تكفي أيٌّ من الملاحظات والاستنتاجات الّتي تؤسس للانتقاء الطّبيعي بمفردها لتوفير آليّة التّغيّر التّطوّريّ. فالتّكاثر المُفرِط بمفرده لن تكون له عواقب تطوّريّة إنْ كانت كلّ الأفراد متطابقة؛ والفروق بين الأحياء ليست مهمّةً إلاّ إنْ أمكن توارثها؛ والتّمايز الجينيّ بحدّ ذاته لن يؤدّيَ للانتقاء الطّبيعيّ ما لم يُحدِث أثَرًا ما في بقاء الأحياء وتكاثرها. ولكن، كلّما انطبقت كلّ حدوس داروين معًا -كما يحدث في معظم الجماعات- فسيحدث الانتقاء الطّبيعيّ. والمحصّلة في هذه الحال أنّ صفاتٍ معيّنةً، أو بنحوٍ أدقّ، التّمايزات الجينيّة الّتي تحدّد تلك الصّفات ستُمرّر، في المعدّل، من جيل إلى جيلٍ بمعدّل أعلى من البدائل الموجودة في الجماعة. بعبارةٍ أخرى، فحين ينظر المرء إلى آباء الجيل الحاليّ، سيرى أنّ عددًا غير مكافئ منهم قد امتلك صفاتٍ (سمات) نافعةً للبقاء والتّكاثر في البيئة المعيّنة الّتي عاشوا فيها.
والنّقاط المهمّة هي أنّ هذا النّجاح التّكاثريّ غير المكافئ بين الأفراد يُمثّل عمليةً تحدث في كل جيل، ولها آثار تراكميّة على مدى عدّة أجيال. بمرور الزّمن، ستصبح الصّفات المفيدة سائدةً بازدياد في الجماعات اللّاحقة بفضل إنجاب الوالديْن المالكيْن لتلك الصّفات بانتظام ذرّيّةً أكبر من غير المالكيْن لها. وإنْ صادف حدوث هذه العملية في اتّجاه ثابت -كأنْ تميل الأفراد الأضخم في كل جيل لإنجاب ذرّيّة أكثر من الأفراد الأقصر- فقد يكون هناك تغيّر تدريجيّ، يحدُث جيلًا بعد جيل، في نسبة الصّفات ضمن الجماعة. وهذا التّغيّر في النّسبة، لا التّعديل على الأحياء بحدّ ذاتها، هو ما يقود إلى تغيّرات في النّسبة المتوسّطة لصفة معيّنة ضمن الجماعة. فالأحياء المفردة لا تتطوّر، إنّما الجماعات هي مَنْ تتطوّر، والمهمّ هو النّوع، وليس الفرد.
التّكيّف
يُشتَق لفظ «تكيّف-Adaptation» من (Ad + Aptus) الّذي يعني حرفيًّا «نحو الأليق أو الأكثر كفاية». وكما يدلّ الاسم، فهذه هي العمليّة الّتي تتطوّر بها جماعاتٌ من الأحياء بنحوٍ يجعلها أنسب لبيئاتها مع هيمنة الصّفات المفيدة. وعلى صعيدٍ أوسع، فهي نفس العمليّة الّتي تظهر بها السّمات البدنيّة، والوظيفيّة، والسّلوكيّة الّتي تساهم في البقاء والتّأثّر، أي («التّكيّفات خلال الزّمن التّطوّريّ»). وهذا الموضوع الأخير يصعب فهمه لدى الكثير، رغم أن الخطوة الأولى والمحوريّة هي بالطّبع أن نفهم عمل الانتقاء الطّبيعيّ على مستويات أصغر في الزّمن والتّأثير.
لدى النّظرة الأولى، قد يصعب أن نرى كيف يمكن للانتقاء الطّبيعيّ أن يقود لخصائصَ جديدةٍ إن كان عمله الأساسيّ هو التّخلص من الصّفات غير اللّائقة. وبالفعل، فالانتقاء الطّبيعيّ بحدّ ذاته عاجز عن إنتاج صفاتٍ جديدة، وفي الواقع (كما قد يخمّن العديد من القرّاء)، فمعظم أشكال الانتقاء الطّبيعيّ تستنفد التّمايز الجينيّ داخل الجماعات. فكيف يمكن إذًا لعملية إقصائيّة كالانتقاء الطّبيعيّ أن تقود لنتائجَ إبداعيّة؟
للإجابة عن هذا السّؤال، يجب أن نستذكر أنّ التّطوّر بالانتقاء الطّبيعيّ عمليّة من خطوتيْن: تتضمّن الأولى توليد تمايز جديد عبر التّطفّر والتّأشيب (Recombination)، في حين تُحدّد الثّانية أيًّا من التّمايزات المُوَلّدة عشوائيًّا ستدوم حتّى الجيل القادم. معظم الطّفرات الجديدة محايدة بالنّسبة إلى البقاء والتّكاثر، ولهذا فهي غير مهمّة بالنّسبة إلى الانتقاء الطّبيعيّ، (لكنّها ليست كذلك، كما تجدر الإشارة، بالنّسبة إلى التّطوّر بنحوٍ أعمّ). كما إنّ أكثر الطّفرات الّتي تؤثّر في البقاء والإنتاج التّكاثريّ ستكون سلبيةً، وبالتّالي ستكون فرصتها أقلّ من البدائل الحاضرة في التّمرير للأجيال القادمة. لكنّ نسبةً ضئيلةً من الطّفرات الجديدة سيتّضح أنّ لها تأثيراتٍ إيجابيّة في بيئة معيّنة، وستساهم في معدّل عالٍ من التّكاثر للأحياء الّتي تملكها. وحتّى إنّ مِيزة ضئيلة جدًّا ستظلّ كافيةً لزيادة نسبة الطّفرات النّافعة على مدى عدّة أجيال.
يصف البيولوجيّون الطّفرات النّافعة أحيانًا بأنّها «تنتشر» أو «تتفشّى» ضمن جماعة ما، لكنّ هذا الاختصار مُضلّل. فالطّفرات النافعة إنّما تزداد نسبتها من جيل إلى آخر ببساطة لأنّها، بحكم التّعريف، تُساهم في البقاء والنّجاح التّكاثريّ للكائن الحيّ الّذي يحملها. وفي النّهاية، فإنّ طفرة إيجابية قد تكون البديل الوحيد الباقي، حين يفشل كلّ ما سواها في المرور. وعند هذه النقطة، يُقال: إنّ التّمايز الجينيّ المفيد قد «يُوطَّد» في الجماعة.
ومُجدّدًا، فإنّ الطّفرات لا تحدث بهدف زيادة الكفاية (اللياقة)، فهي لا تُمثل غير أخطاء في التّضاعف الجينيّ. وذلك يعني أنّ معظم الطفرات لا يُحسّن من الكفاية. فهناك الكثير من الطّرق الأخرى الّتي تجعل الأمور أسوأ أكثر من جعلها أفضل حالًا. كما يعني أن الطّفرات ستستمر بالحدوث حتى بعد توطّد الطّفرات النّافعة السابقة. وهكذا، فقد يكون هناك «تأثير السّقاطة-Ratchet effect» الّذي تظهر فيه الطّفرات النّافعة وتتوطّد بالانتقاء، ثمّ تكملها لاحقًا طفرات نافعة أخرى تتوطّد بدورها. وفي نفس الوقت، تحدُث طفرات محايدة (Neutral) ومُضرّة (Deletrious) أيضًا في الجماعة، تُمرّر الأخيرة منها بمعدّل أقلّ من بدائلها، وكثيرًا ما تُضيّع قبل أن تصل لأيّ نسبةٍ مُعتبرة.
وهذا بالطّبع تبسيط مُخلّ. ففي الأنواع التي تتكاثر جنسيًّا، يمكن الجمع بين عدّة طفرات نافعة عبر التّأشيب، بحيث لا يحتاج توطّد الجينات المفيدة لأن يحدث بالتّعاقب. وبالمثل، فإنّ التّأشيب قادرٌ على ضمّ الطّفرات الضّارّة إلى بعضها، ممّا يُعجّل فقدانها من الجماعة. ومَعَ ذلك، فمن المفيد أن نتخيل عملية التكيف بحيث تظهر فيها الطّفرات المفيدة باستمرار (ولو بنحو متقطّع جدًّا ومَعَ آثار إيجابيّة ضئيلة)، ثمّ تتراكم في الجماعة عبر الأجيال.
تُمثّل عمليّة التّكيف ضمن جماعة بشكلها الأساسيّ جدًّا في الشّكل (2)، ويمكن استخلاص عدّة نقاط مهمّة حتّى من تصوّر مُخلّ في تبسيطه كهذا:
• الطّفرات هي مصدر التّمايز الجديد. والانتقاء الطّبيعي بحدّ ذاته لا يخلق صفات جديدة؛ إنّه لا يغيّر إلاّ نسبة التّمايز الحاضر أصلًا في الجماعة. والتّفاعل المُتكرّر ذو الخطوتيْن لهذه العمليّات، هو ما يقود إلى تطوّر ميزات تكيّفيّة غير مألوفة.
• «التّطفّر» عشوائيّ بالنّسبة إلى «الكفاية». و«الانتقاء الطّبيعي»، بحكم التّعريف، غير عشوائيّ بالنّسبة إلى «الكفاية»، وذلك يعني، بالإجمال، أنّ من سوء الفهم المفرط أن يُعدّ التّكيّف أمرًا يحصل «بالصّدفة».
• تحدث الطّفرات بثلاث نتائجَ ممكنةٍ: محايدة، وضارّة، ومفيدة. وقد تكون الطّفرات المفيدة نادرةً، ولا تجيء إلاّ بمنفعةٍ ضئيلةٍ، لكنّها -مع ذلك- قد تزداد نسبتها في الجماعة على مرّ الأجيال بالانتقاء الطّبيعيّ. إنّ حدوث أيّ طفرة مفيدة بعينها قد يكون غير محتملٍ جدًّا، لكنّ الانتقاء الطّبيعيّ يملك كفايةً عاليةً في دفع تلك التّحسينات غير المحتملة بمفردها إلى التّراكم. فالانتقاء الطّبيعيّ يعمل كمُركِّز للّا احتماليّة (أو لغير المُحتَمَل).
• لا تتغيّر الكائنات المتعضّية مع تكيّف الجماعات. إنّما يتضمّن ذلك تغيّرات في نسبة الصّفات النّافعة على مرّ الأجيال المتعدّدة.
• الاتّجاه الّذي تحدث فيه التّغيرات التّكيّفية يعتمد على البيئة. وإنّ تغيُّرًا في البيئة قد يجعل من صفاتٍ نافعة في ما مضى محايدةً أو مُضرّةً، والعكس بالعكس.
• التّكيف لا يُنتج الخصائص المُثلى. إنّه مُقيّد بمُحدِّدَات تاريخيّة وجينيّة ونمائيّة، وبتنازلاتٍ بين الصّفات.
• لا يهمّ ما قد تبدو عليه السّمة التّكيّفيّة «المُثلى»، فالعامل المهمّ الوحيد هو أنّ التّمايزات الّتي تُنتِج فُرَصًا أكبر للبقاء والتّكاثر مقارنة بالبدائل الأخرى، ستُمرّر بنسبةٍ أكبر. وكما كتب داروين في رسالة إلى «جوزيف هوكر-Joseph Hooker» (الحادي عشر من سبتمبر، 1857): «لقد كنت أكتب لِتوّيَ مناقشةً صغيرةً جريئة، كي أُوضّح أنّ الكائنات العضويّة ليست مثاليّةً، لكنّها مثاليّةٌ بقدْرٍ كافٍ لتضطّلع بصراع منافسيها».
• عمليّة التكيف بالانتقاء الطّبيعيّ لا تنظر إلى الأمام، ولا يمكنها إنتاج صفاتٍ على أساس أنّها قد تُصبح نافعةً في نقطةٍ ما من المستقبل. في الواقع، فالتّكيفات تحدث دومًا بالنّسبة إلى الظروف الّتي عايشتها أجيال الماضي.
الانتقاء الطّبيعي أنِيق ومنطقيّ وصعب الفهم لدرجة مذهلة
حجم المشكلة
في شكله الأبسط، الانتقاء الطّبيعي نظرية أنيقة تُفسّر بكفاية مدى التّوافق الواضح بين الأحياء وبيئاتها. وكآليّة، فهو بالغ البساطة من حيث المبدأ، لكنّه مذهل القدرة في التّطبيق. ولكنّ حقيقةَ أنّه ظلّ عصيًّا على الوصف حتّى (150) سنةً مضت، تدّل على أنّ فهم عمله وتداعياته أمرٌ أشدّ تحدّيًا ممّا يُفتَرض عادةً.
لقد أنتجت ثلاثة عقود من البحث بياناتٍ لا لَبْس فيها، تُوضّح هيمنةً عاليةً جدًّا للأوهام حول الانتقاء الطّبيعيّ بين عموم النّاس والطّلاب في كلّ المستويات، من تلاميذ الابتدائيّة وحتّى طلاّب الجامعة المختّصين في العلوم. ونتيجة أنّ أقلّ من (10%) من المشمولين بالاستبيان يملكون فهمًا كافيًا للانتقاء الطّبيعيّ ليست شاذّة. لكن من المقلق جدًّا والمخيف دون شكّ أنّ الارتباكات حول الانتقاء الطّبيعيّ شائعةٌ حتّى بين المسؤولين عن تدريسه. وكما استنتج نيم (Nehm) وشونفيلد (Schonfeld) مُؤخّرًا: «لا يمكن للمرء افتراض أنّ مُدرّسي البيولوجيا ذوي الخلفيّات الواسعة في البيولوجيا يملكون معرفةً عمليّةً دقيقةً في التّطوّر، أو الانتقاء الطّبيعيّ، أو طبيعة العلم».
لماذا يعدّ الانتقاء الطّبيعيّ صعب الفهم كثيرًا؟
تظهر فرْضيّتان واضحتان لتفسير سبب الانتشار الواسع لهذه الأوهام حول الانتقاء الطّبيعيّ: الأولى، هي أنّ فهم آليّة الانتقاء الطّبيعيّ يتطلّب قَبُولًا بالحقيقة التّاريخيّة للتّطوّر، وهي ما يرفضها قسمٌ كبيرٌ من السّكّان. ففي حين أنّ فهمًا مُطوّرًا للعمليّة قد يساعد حقّا في زيادة التّقبّل العامّ للنّظريّة، فإنّ الاستبيانات تدلّ على أنّ معدّلات التّقبّل هي بالفعل أعلى بكثيرٍ من مستويات الفهم. وفي حين أنّ معدّلات الفهم والتّقبّل قد تكون مترابطةً بين المُدرّسين، فيبدو أنّ بين العامِلَيْن علاقة ضعيفة فقط عند الطّلاب. وبغضّ النّظر عن المُدرّسين، «يبدو أنّ الأكثريّة من على جانبَيِ الجدل القائم بين الخلقيّة والتّطوّر، لا يفهمون عمليّة الانتقاء الطّبيعيّ ودورها في التّطوّر» (بيشوب وأندرسون، 1990).
الفرْضيّة الحدسيّة الثّانية هي أنّ معظم النّاس يفتقرون ببساطة إلى التّعليم الرّسمي المُعتمد في البيولوجيا، وقد تعلّموا صِيَغًا خاطئة لِلآليّات التّطوّريّة من مصادرَ غير موثوقةٍ (كالتّلفاز، والأفلام، والآباء). والتّصاوير غير الدّقيقة للآليات التّطوّريّة في الإعلام، لدى المدرّسين، ولدى العلماء أنفسهم، تزيد دون شكّ من سوء الأوضاع. لكنّ ذلك وحده لا يمكن أن يُوفّر تفسيرًا كاملًا، لأنّه حتّى التّعليم المباشر حول الانتقاء الطّبيعي يميل فقط لإحداث تحسيناتٍ متواضعةٍ في فهم الطّلاّب. وهناك أيضًا أدلّة على أن مستويات الفهم لا تختلف بشكلٍ كبيرٍ بين طلاّب العلوم وطلاّب تخصّصاتٍ أخرى. وبالتّعبير المُقلق لفيرّاري (Ferrari) وتشي (Chi): إنّ الأوهامَ حول أبسط مبادئ نظريّة داروين للتّطوّر حتّى، تظلّ نشطة جدًّا حتّى بعد أعوامٍ من تعليم البيولوجيا».
من المعروف أنّ هناك أوهامًا شائعةً في العديد (وربما المعظم) من جوانب العلم، حتّى في ظواهرَ أبسط بكثير وأسهل مصادفة، مثل فيزياء الحركة (Physics of Motion). وقد يكون مصدر هذه المشكلة الأكبر هو الانفصال الواسع بين طبيعة العالم كما تعكسها الخبرة اليوميّة، وكما يكشفها البحث العلميّ المُنظّم. فالتّفسيرات الحدسيّة للعالم، على الرّغم من كفايتها للمُضيّ في الحياة اليوميّة، عادةً ما تتضارب من الأساس مع المبادئ العلمية. ولو كان الحسّ العامّ دقيقًا بنحوٍ أكثر من سطحيّ، لكانت التّفسيرات العلمية أقلّ منافاةً للحدس، لكنّها ستفقد أهمّيّتها أيضًا بشكلٍ كبيرٍ.
الإطارات التّصوّريّة ضدّ البنى التّلقائيّة
لقد أشار بعض المؤلّفين إلى أنّ الطّلاّب الشّباب عاجزون ببساطة عن فهم الانتقاء الطّبيعيّ لأنّهم لم يُطوِّروا قابليّات التّفكير أو التّعقّل الصُّوريّ الضّروريّة لاستيعابه. وقد نفهم من ذلك أنّ الانتقاء الطّبيعي يجب ألاّ يُدرّس حتّى مراحلَ متأخّرةٍ؛ لكنّ القائمين بدراساتٍ حول فهم الطّلاّب مباشرة، يميلون لمخالفةِ اقتراح كهذا. فعمومًا، لا يبدو أنّ المشكلة هي غياب المنطق، بل إنّها خليطٌ من تصوّرات أساسيّة خاطئة حول الآليّات، وتحيّزات إدراكيّة مُتجذّرة تؤثّر على تفسيراتهم.
كثيرٌ من الأوهام الّتي تعيق فهم الانتقاء الطّبيعيّ تتطوّر مبكّرًا في الطفولة كجزء من الإدراكات «السّاذجة» -لكنّها عمليّة- للكيفيّة الّتي يتركّب بها العالم. وهي تميل للتّرسّخ ما لم تُستبدل بها معلومات أدقّ وأكفى. وفي هذا الصّدد، نادى بعض الخبراء بأنّ هدف التعليم يجب أن يكون استبدال أُطُرٍ أدقّ بالأطر التّصوّريّة القائمة. وفي ظلّ هذه النّظرة، فإن «مساعدة النّاس على فهم التطوّر… ليس مسألة إضافة إلى معلوماتهم القائمة، بل مساعدتهم على مراجعة نماذجهم المسبّقة عن العالم، لابتداع طريقة جديدة للنّظر إليه» (سيناترا وآخرون، 2008). كما اقترح مؤلفون آخرون أنّ الطّلاّب لا يحافظون –في الواقع– على أطر تصوّرية متماسكة تتعلّق بالظّواهر المعقّدة، بل يبنون التّفسيرات تلقائيًّا باستخدام حدوسٍ مشتقّة من الخبرة اليوميّة (ساذرلاند وآخرون، 2001). وعلى الرّغم من أنّها أقلّ قبولًا، فإنّ هذه الرّؤية تنال دعمًا من ملاحظة أنّ التفسيرات التّطوّرية السّاذجة الّتي يقدّمها غير الخبراء قد تكون مؤقّتة ومتضاربة، وقد تختلف على أساس نوع الأحياء الّتي تؤخذ في الاعتبار. في بعض الحالات، قد يحاول الطّلاّب إنشاء تفسير أعقد، لكنّهم يلجؤون إلى أفكار حدسيّة حين تلاقيهم صعوبة. وفي كلا الحاليْن، من الواضح بشكلٍ وفير أنّ مجرّد وصف عملية الانتقاء الطّبيعيّ للطّلاّب أمر غير فعّال، ومن اللّازم أن نواجه تلك الأوهام إنْ كنّا نريد تصحيحها.
قائمة للأوهام الشائعة
في حين تظلّ أسباب العوائق الإدراكيّة في انتظار من يُحدّدها، فإنّ تبعاتها مُوثّقة بشكل جيّد. ومن الواضح من دراساتٍ عديدة، أنّ الشّروح المعقّدة الدّقيقة للتّكيّف البيولوجيّ تقود عادةً إلى حدوس ساذجة، بناءً على الخبرة الشّائعة. وبالتّالي، فإنّ أيًّا من المكوّنات الرّئيسة للانتقاء الطّبيعي، يمكن أن يُهمّل أو يُساء فهمه حين يجيء وقت النّظر إليها مجتمعةً، حتّى لو بدت فُرادى سهلةَ الفهم نسبيًّا. تُقدم المقاطع التّالية عرضًا للأوهام المتنوّعة، الّتي لا يقف أيٌّ منها ضدّ غيره، بل كثيرًا ما تترابط، والّتي وُجِد أنها الأكثر شيوعًا. نُشجّع كلّ القرّاء على تأمّل هذه السَّقَطات الفكريّة بعناية، كي يمكنهم تجنّبها. ونحثّ المدرّسين خاصّةً على ائتلاف هذه الأخطاء، كي يضطّلعوا بتعرّفها ومجابهتها عند طلابهم.
الغائيّة (Teleology) و«النّزعة الوظيفيّة-Function Compunction»
يتضمّن جزء كبير من التّجربة البشريّة تجاوز العقبات، وتحقيق الأهداف، وإشباع الحاجات. وبنحو غير مفاجئ، فإنّ النّفسيّة البشريّة تنطوي على تحيُّز هائل نحو التّفكير في «هدف» أو «وظيفة» الأشياء والسّلوكيّات – وهو ما لقّبه كيليمن (Kelemen) وروسّيه (Rosset) «بالنّزعة الوظيفيّة الإنسانيّة». وهذا التّحيّز شديد خاصّة عند الأطفال، الّذين يميلون إلى أن يَرَوا العالِم في المعظم بوصفه ذا هدفٍ ما: فعلى سبيل المثال، حتّى إنّهم يميلون إلى الإشارة إلى أنّ «الأحجار حادّةٌ بُغية منع الحيوانات من القعود عليها». وهذا الميل إلى ابتداع تفسيراتٍ قائمةٍ على انطواء الأشياء على هدفٍ ما (الغائيّة) يظلّ راسخًا ويستمرّ حتّى الثّانويّة، وأحيانًا حتّى التّعليم الجامعيّ. في الواقع، فقد أُشير إلى أنّ النّمط الافتراضيّ للتّفكير الغائيّ يُقمع، في أفضل الأحوال، بدلًا من التّخلّص منه، وإحلال تعليمٍ علميّ تمهيديّ مكانه. ولهذا، فهو يعاود الظّهور بسهولة حتّى عند مَنْ خضعوا لتدريبٍ علميّ أساسيّ، كما في أوصاف التّوازن البيئيّ مثلًا: الفطريّات تنمو في الغابة كي تساعد على التّحلّل. أو بقاء الأنواع: لقد تنوّعت الشّرشوريّات (Finches) –وهي فصيلة عصافير غرّيدة– من أجل البقاء».
تعود التّفسيرات الغائيّة للسّمات البيولوجيّة إلى أيّام أرسطو (Aristotle)، وما تزال شائعةً جدًّا في التّفسيرات السّاذجة للتّكيّف. من جهة أولى، قد يُعيق التّفسير الغائيّ أيّ اعتبارٍ للآليّات مطلقًا، إنْ كان مجرّد تعرّف وظيفة حاليّة لعضو أو سلوك ما يُعدّ كافيًا لتفسير وجوده. ومن جهة أخرى، فحين يتناول الآليّات مفكرّون ذوو توجّه غائيّ، فكثيرًا ما تُصاغ بوصفها تغيُّرًا يحدث استجابةً لحاجة معيّنة. ومن الواضح مدى تضارب ذلك مع العمليّة ذات الخطوتيْن، الّتي تتضمّن الطّفرات غير الموجَّهة، ثم الانتقاء الطّبيعيّ.
الأنثروبومورفيّة (التّشبيهيّة) والقصديّة
إنّ التّحيّز التّصوّريّ المتعلّق بالغائيّة هو ما يُدعى بالتّشبيهيّة، أي الّذي ينسب قصدًا واعيًا إمّا للكائنات الّتي تمرّ بعمليّة الانتقاء الطّبيعيّ، وإمّا إلى العمليّة ذاتها. وبهذا المعنى، فإنّ الأوهام التّشبيهيّة يمكن أن تُصنّف بأنّها داخليّة (تنسب التّغيّر التّكيّفيّ إلى الأفعال القصديّة للأحياء)، أو خارجيّة (تتصوّر الانتقاء الطّبيعيّ أو «الطّبيعة» كفاعلٍ واعٍ). ولِنكون أكثر وضوحًا، نقول: إن الأنثروبومورفيّة (Anthropomorphism) في السّياق العام، تعني خلع الصّفات والخصائص البشريّة، بما فيها الأفعال الغائيّة، إلى كائنات أو عمليّات أخرى، من آلهةٍ وحيواناتٍ وظواهرَ طبيعيّةٍ وأجسامٍ. فالأنثروبومورفيّة -إذًا- في السّياق التّطوّريّ، تشير إلى إضفاء الغائيّة على العمليّة بِرُمّتها؛ داخليًّا وخارجيًّا.
وإنّ الأنثروبومورفيّة أو «القصديّة» الدّاخليّة، ترتبط بشدّة بوهم أنّ الأحياء المنفردة تتطوّر استجابةً إلى تحدّياتٍ تفرضها البيئة (بدلًا من النّظر إلى التّطوّر كعمليّةٍ تحصل على مستوى الجماعات). وقد وصف غولد «Gould» (1980) سبب الإغواء الواضح لهذه الأفكار الحدسيّة بهذا الأسلوب:
لمّا كان العالم الحيّ نِتاجًا للتّطوّر، فَلِمَ لا نفترض أنّه ظهر بأبسط شكلٍ وأشدّه مباشرةً؟ لِمَ لا نفترض أنّ الأحياء تُحسِّن من نفسها بجهودها الخاصّة، وتُمرّر تلك التّحسينات إلى ذرّيّتها على شكل جينات معدّلة، وهي عملية كانت قد سُمّيت منذ أمَدٍ بعيد، بتعبير تقْنيّ، «توارث الصّفات المكتَسبة». وهذه الفكرة تستهوي الحسّ العام لا لبساطتها فقط، بل ولِادّعائها المتفائِل أنّ التّطوّر يسلك طريقًا تقدّميًّا بطبعه، يُحرّكه العمل الشّاقّ للكائنات بذاتها.
إنّ الولع برؤية القصد الواعي كثيرًا ما يبلغ من القوة حدّ تطبيقه لا على الفقاريّات غير البشريّة فحسب (الّتي قد يكون لها وعي ما فعلًا، ولو دون معرفةٍ بالجينات والكفاية الدّاروينيّة بالتّأكيد)، بل وعلى النّباتات والأحياء وحيدة الخليّة. ولهذا فقد تُوصف التكيفات في أيّ تصنيف بأنّها «إبداعات»، أو «اختراعات»، أو «حلول»، لا بل حلولًا مُبتكرة أحيانًا. وحتّى تطوُّر مقاومة المضادّات الحيوية يُعدّ عمليّة استطاعت بها البكتيريا «تعلُّم» كيفيّة التّغلّب على المضادّات بدهائها وحيلتها بشكلٍ محبط الانتظام. إنّ الأنثروبومورفيّة بتشديدها على القصد، هي ما يدعم الوهم الشّائع بأنّ الكائنات تتصرّف على نحوٍ مُعيّن كي تزيد من الرّفاهية طويلة الأمد لنوعها. ومن جديد، فإنّ تأمّل الآليّات الفعليّة للانتقاء الطّبيعيّ سيكشف عن وجه المغالطة في ذلك.
بشكلٍ واسع جدًّا، فإنّ الرّؤية الأنثروبومورفيّة للتّطور تدعمها أوصاف ضعيفة تطلقها جهات مسؤولة. انظر مثلًا إلى هذا المثال الفاضح من موقع تدعمه معاهد الصّحّة الوطنيّة:
“بينما تتطوّر الميكروبات، فإنّها تتكيّف مع بيئتها. وإنْ مَنَعها شيءٌ من النّموّ والانتشار -ولْيكُن مضادّ ميكروبات- فإنّها تُطوّر آليّاتٍ جديدةً لمقاومة مضادّات الميكروبات عبر تغيير تركيبها الجينيّ. وإنّ هذا التّغيير يضمن أنّ تكون ذرّيّة الميكروبات المُقاوِمة مقاومةٌ أيضًا”.
إنّ أوصافًا تُنافي الدّقّة من الأساس كهذا شائعةٌ لدرجة الخطر. ولأجل التّصحيح، فمن التّمرين المفيد أن نترجم أوصافًا خاطئةً كهذه إلى لغةٍ دقيق، فيصبح النّصّ أعلاه هكذا:
“البكتيريا المُمرِضة توجد في جماعاتٍ كبيرة، وأفرادها غير متماثلين. وإنْ صادف امتلاك بعض الأفراد لسماتٍ جينيّة تجعلها مقاومةً للمضادّات، فسينجو هؤلاء من المعالجة، في حين يُقضى على البقيّة تدريجيًّا. ونتيجة لبقائهم بنسبة أكبر، فإنّ الأفراد المقاوِمة ستُنتِج ذرّيّة أكثر من الأفراد المستهدَفة، بحيث تزداد نسبة الأفراد المقاوِمة كلّما نَتَج جيلٌ جديدٌ. وحين لا يبقى غير ذرّيّة الأفراد المقاوِمة، يمكن القول بأنّ تعدادَ البكتيريا قد طوَّر مقاومةً للمضادّات”.
الاستعمال والإهمال
إنّ العديد من الطلاب الذين ينجحون أو يُعنَوْن في تجنّب مزالق الغائيّة والأنثروبومورفيّة، يتراءى التّطوّر لهم -على الرّغم من ذلك- وكاّنّه يتضمّن تغيّرات تحدث نتيجة لاستعمال أو إهمال بعض الأعضاء. وهذه الرّؤية، الّتي طوّرها جان بابتيست لامارك بصراحة، واستعان بها داروين (1859) إلى حدٍّ ما، تُركّز على تغيّرات في الأحياء المفردة تحدث مع استخدامها لسماتٍ معيّنة على نحوٍ أكثر أو أقلّ. فمثلًا، استعان داروين بالانتقاء الطّبيعيّ كي يُفسّر فقدان البصر لدى بعض القوارض الجوفيّة (تحت الأرضيّة)، لكنّه فضّل عليه عامل الإهمال وحده لتفسير فقدان العيون لدى الحيوانات العمياء الّتي تسكن الكهوف: «حيث يصعب تخيّل أنّ العيون، رغم عدم نفعها، قد تكون مضرّة بأيّ شكلٍ للحيوانات الّتي تحيا في الظّلمة، فأنا أنسب فقدانها كلّيًّا إلى الإهمال». وهذا الضّرب من الحدس يظلّ شائعًا في التّفسيرات الساذجة لاستحالة الأعضاء غير الضّرورية إلى أثريّة، أو اختفائها في النّهاية. أمّا النّظريّة التّطوّريّة الحديثة فتقترح عدّة أسباب قد تُفسّر فقدان السّمات المعقّدة، وقد يتضمّن بعضها الانتقاء الطّبيعيّ المباشر، ولكن لا يعتمد أيٌّ منها ببساطة على الإهمال.
الوراثة اللّيّنة (Soft Inheritance)
إنّ التّطوّر الّذي يتضمّن تغيُّرًا في الأحياء المفردة، سواءٌ على أساس الخيار الواعي أم الاستعمال والإهمال، سيتطلّب أن تُمرّر الخصائص المكتسبة خلال حياة الفرد إلى ذرّيّته، وهي عمليّة تُعرف بـ«الوراثة اللّيّنة». وقد ظلّت فكرةُ أنّ الصّفات المكتسبة يمكن أن تُمرّر إلى الذّرّيّة افتراضًا شائعًا بين المفكّرين لأكثر من ألفيْ سنة، حتّى في عصر داروين ولامارك. وعبر التّاريخ، فقد اقترح هذه الفكرة قديمًا أبقراط (Hippocrates) وأرسطو. أمّا نحن كما نفهمها الآن، فنقول: إنّ الوراثة في الواقع «صلبة-Hard» (بمعنى أنّ التّغيّرات البدنيّة الّتي تحدث خلال حياة الكائن الحيّ لا تُمرّر إلى الذّرّيّة). وذلك لأنّ الخلايا المساهِمة في التّكاثر -مثل الأمشاج والزّيجوت- (المعروفة بخطّ النّطف أو الخطّ الإنتاشيّ. في الإنجليزيّة: Germline) مستقلّة عن تلك الّتي تُشكّل سائر الجسد (الخلايا الجسديّة أو الخطّ الجسديّ. في الإنجليزيّة: Somatic cells or line)، ووحدها التّغيّرات الّتي تُؤثّر في الخطّ الإنتاشيّ يُمكن أن تُمرّر.
تظهر تمايزات جينيّة جديدة عبر التّطفّر والتّأشيب خلال التّضاعف (Replication)، وكثيرًا ما تحدث آثارها في الذّرّيّة فقط، لا الوالدين اللّذيْن تمثّل خلاياهم التّكاثريّة ميدان حدوث العمليّة المعنيّة، على أنّها يمكن أن تحدث مبكّرًا خلال النّموّ، وتظهر لاحقًا في الذّرّيّة البالغة. لقد دَلَّتِ الدّراسات على أنّ الاعتقاد في الوراثة اللّيّنة يظهر مبكّرًا في الشّباب كجزءٍ من نموذجٍ ساذجٍ عن الوراثة. وكون الوراثة اللّيّنة موافقة للحدس، فقد يفسّر ذلك سبب صمودها لهذه المدّة الطّويلة بين المفكّرين العظماء، ولماذا تظلّ عصيّة على التّصحيح بين الطّلاّب المحدثين. والمؤسف أنّ الفشل في ترك هذا الاعتقاد لا يمكن أن يتوافق مع تثمين التّطوّر بالانتقاء الطّبيعيّ كعمليّة من خطوتين، يُعدّ فيها نشوء تمايزٍ جديد وأهمّيّته للبقاء في بيئة معيّنة عبارة عن اعتباريْن منفصليْن.
الطّبيعة كعامل انتقاء
قبل ثلاثين عامًا، قدّم المُذيع الواسع الاحترام، السّير ديفيد آتّنْبورو «David Attenborough» (1979) وصفًا لائقًا للتّحدّي الّذي يمثّله تجنّب الاختزالات الأنثربومورفيّة في أوصاف التّطوّر:
“لقد أثبت داروين أنّ القوّة المحرّكة للتّطوّر [التّكيّفيّ] تتأتّى من التّراكم، عبر أجيالٍ بلا حصر، للتّغيرات الجينيّة العَرَضيّة الّتي تنخلها مصاعب الانتقاء الطبيعيّ. وخلال وصف تداعيات هذه العملية، من السّهولة بمكان أن نستخدم نوعًا من الكلمات يُشير إلى أنّ الحيوانات نفسها كانت تُناضل لإحداث التّغيير على نحوٍ هادف – إنّ السمك رغب في التّسلق إلى أرضٍ جافّة، وتعديل زعانفه فتتحوّل إلى سيقان، وإنّ الزّواحف تمنّت الطّيران، وناضلت لتحويل حراشفها إلى ريش، وبهذا أصبحت طيورًا في نهاية المطاف”.
خلافًا للعديد من المؤلّفين، فقد سعى آتّنبورو إلى عدم استخدام اصطلاحاتٍ مضلّلة كهذه. لكنّ هذا الاقتباس يوضّح دون قصد تحدّيًا إضافيًّا في وصف الانتقاء الطّبيعيّ دون لغةٍ محمّلة. فهو يصف الانتقاء الطّبيعيّ كـ«قوّة مُحرّكة» تقوم بصرامة بـ«نخل» التّمايز الجينيّ، ويمكن أن يساء فهمه كي يعني أنّه يمارس دورًا فاعلًا في تحريض التّغيّر التّطوّريّ. وعلى نحو أكثر جدّية، فكثيرًا ما يصادف المرء أوصافًا للانتقاء الطّبيعيّ كعمليّة «تختار» بين تمايزاتٍ «مفضّلة» أو «تختبر» أو «تستكشف» خياراتٍ مختلفة. وبعض التّعابير، مثل «يُفضّل» و«ينتقي» تستخدم على نحوٍ شائع كاختصاراتٍ في البيولوجيا التّطوّريّة ولا يُراد منها إضفاء الوعي على الانتقاء الطّبيعيّ، لكنّها أيضًا يمكن أن يسيء غير المختّصين تفسيرها بمعنًى عامّيّ، وتستحقّ التّوضيح.
حتّى إنّ داروين لم يتمالك نفسه من الانزلاق إلى لغة الفاعليّة في بعض الأحيان، حين قال:
“وقد يُقال أنّ الانتقاء الطّبيعيّ دائم التّنقيب كلّ يوم وكلّ ساعة، في جميع أرجاء العالم، بحثًا عن أكثر التّمايزات بساطة، ولافظًا ما هو رديء منها، ومحتفظًا ومدّخرًا لكلّ ما هو جيّد، وعاملًا بصمتٍ وتمهّل، كلّما وعندما تلوح له الفرصة، على إدخال التّحسينات على كلّ كائنٍ عضويٍّ في ما يتعلّق بظروف حياته العضويّة وغير العضويّة. ونحن لا نرى شيئًا من هذه التّغييرات البطيئة أثناء قيامها، إلى أن تترك يد الزّمن علامات مرور العصور، ويبدو أنّ ذلك هو نتيجة لعدم كمال نظرتنا إلى العصور الجيولوجيّة البالغة القدم، فإنّنا لا نرى سوى أنّ الأشكال الحيّة مختلفة حاليًّا عمّا كانت عليه في الماضي”.
وربّما اعترافًا منه بسهولة إساءة فهم هذا الأسلوب، فقد كتب داروين لاحقّا أنّ «لفظ ’الانتقاء الطّبيعيّ‘ قد يكون في بعض الأحيان سيّئًا، حيث يبدو أنّه يشير للخيار الواعي، لكنّ ذلك سيُهمَل بعد قليلٍ من الألفة والاعتياد». وللأسف، فإنّ أكثر من «قليلٍ من الألفة» يبدو ضروريًّا للتّخلّي عن فكرة «الطّبيعة» كحَكَمٍ فاعل.
لأنّ الانتقاء الطّبيعيّ، كما هو الواقع، نتيجةٌ بسيطةٌ لفروق في النّجاح التّكاثريّ بفضل صفاتٍ موروثة، فلا يمكنه أن يملك خُططًا أو أهدافًا أو مقاصدَ، كما لا يمكنه أن يُحدث تغيّرات كاستجابةٍ لحاجةٍ. ولهذا، فقد ألقى «يونغويرت-Jungwirth» (1975 و1977) باللّائمة على المؤلّفين والمدرّسين لاستعانتهم بأوصافٍ غائيّة وأنثروبومورفيّة لهذه العملية، وجادل بأنّ ذلك ساهم في ترسيخ الأوهام لدى الطّلبة. ومع ذلك، فإنّ دراسةً لطلاّب الثانوية قام بها تامر وزوهار (1991) أشارت إلى أنّ الطّلاّب الأكبر يستطيعون التّفريق بين صياغة أنثروبومورفيّة أو غائيّة (أي مجرّد وصف مناسب) وتفسير أنثروبومورفيّ/غائيّ (أي يتضمّن قصدًا واعيًا أو آليّات ذات أهداف كعوامل سببيّة).
وبالمقابل، فقد استنتج مور وآخرون (2002) من دراستهم لطلاّب الكلّيّات أنّ الطّلاّب يفشلون في التّمييز بين السّجلّ المتماسك أو المادّيّ نسبيًّا للجينات، واللّغة الأشدّ رمزيّةً للاختصار المتخصّص الّذي نحتاجه لتكثيف الرّؤية الطويلة للعمليّات التطوّريّة. وقد جادل بعض المؤلّفين بأنّ التّعبير الغائيّ قد يكون له بعض القيمة كاختصارٍ لوصف الظّواهر المعقّدة على نحو بسيط، لأنّه يتعلّق تحديدًا بأنماط التّفكير العاديّة، ومقارنة ذلك صراحةً مع اللّغة الدّقيقة قد يكون تمرينًا مفيدًا خلال التّدريس (زوهار وغينوسار، 1998). وعلى كلّ حال، فعلى البيولوجيّين والمدرّسين أن يكونوا على علم بخطر التّضليل الّذي قد تُحدثه الاختصارات اللّغوية في أذهان الطّلاّب.
منشأ التّمايز في مقابل فرزه
إنّ النّماذج الحدسيّة للتّطوّر المستندة إلى الوراثة اللّيّنة هي نماذج ذات خطوة واحدة في التّكيّف: فالصّفات تُعدّل في جيلٍ ما ثمّ تظهر بشكلها المعدّل في الجيل اللّاحق. وذلك يخالف العمليّة الواقعيّة ذات الخطوتين للتّكيّف، المتضمّنة عمليّتيْن مستقلّتيْن هما التّطفّر والانتقاء الطّبيعيّ. وللأسف، فإنّ العديد من الطّلاّب الّذين يتخلَّوْن عن وهم الوراثة اللّيّنة، يفشلون مع ذلك في تمييز الانتقاء الطّبيعيّ عن منشأ التّمايزات الجديدة.
وفي حين يقرّ الفهم الدّقيق بأنّ معظم الطّفرات الجديدة محايدة أو مضرّة في أيّ بيئة، فإنّ هذه التفسيرات السّاذجة تفترض أنّ الطّفرات تحدث استجابةً لتغيّرات بيئيّة، ولذا فهي نافعةٌ دومًا. فقد يعتقد العديد من الطلاب مثلًا أنّ التّعرّض للمضادّات الحيويّة يدفع البكتيريا فورًا لأن تصبح مقاومةً، بدلًا من الاكتفاء بتغيير نسبة الأفراد المقاوِمة بإزاء غير المقاومة عبر قتل الفئة الأخيرة. ومن جديد، فإنّ الانتقاء الطّبيعيّ بحد ذاته لا يخلق تمايزًا جديدًا، بل يكتفي بالتّأثير على نسب التمايزات الحاليّة. فمعظم أشكال الانتقاء تُقلِّص من قَدْر التّمايز الجينيّ ضمن الجماعات، وهو أمر يمكن أن يُعوِّضه الظّهور المستمرّ لتمايزٍ جديدٍ عبر التّطفّر والتّأشيب غير الموجّه.
التّفكير النّمطيّ والجوهريّ والتّحوليّ
معَ أنّ الأوهامَ حول كيفيّة ظهور التّمايز تُعدّ أمرًا مُشكِلًا، فإنّ فشلًا أعمقَ وأكثر شيوعًا في الإقرار بأنّه يلعب أيّ دورٍ على الإطلاق يثير قلقًا أكبرَ. فمنذ داروين (1859)، اعتمدت النّظريّة التّطوّريّة بقوّة على التّفكير «بالجماعات» الّذي يُؤكّد على الفروق بين الأفراد. وبالمقابل، فإنّ العديد من التّفسيرات السّاذجة للتّطوّر تظلّ متّكلة على التّفسير «النّمطيّ» أو «الجوهريّ» الّذي يعود إلى قدماء اليونان. وفي هذه الحال، يُنظَر إلى لأنواع بوصفها تُبدِي «نَمطًا» واحدًا أو «جوهرًا» مشتركًا، أمّا التّمايز بين الأفراد فيُمثّل انحرافاتٍ شاذّة وغير مهمّة إجمالًا عن ذلك النّمط أو الجوهر. وكما يلاحظ «شتولمان-Shtulman» (2006): «يميل البشر إلى جوهَرَةِ الأنواع الحيّة، والجوهريّة (Essentialism) لا تتوافق مع الانتقاء الطّبيعيّ». وكما هي الحال معَ تحيّزات تصوّريّة أخرى، فإنّ الميل للجوهريّة يَظهر مبكّرًا في الطّفولة، ويظلّ هو الأساس لدى معظم الناس. ولِنوضّح مذهب الجوهريّة، نقول: إنّه النّزعة الّتي تُعلن أنّ كلّ كِيانٍ ينطوي على مجموعة سماتٍ أساسيّة تُكوّن هُويّتهَ ووظيفته وجوهره. ونراها قديمًا عند أفلاطون (Plato) في نطريّة المُثُل، حيث كلّ شيء موجودٌ في عالمنا يمتلك جوهرًا مثاليًّا أو فكرةً أو مثالًا حقيقيًّا في عالم المُثُل. وبالمثل، نراها عند أرسطو في المقولات (Categories) العشر، وإحدى هذه المقولات هي الجوهر (Substance)، الّذي يُمكننا أن نُعرّفه بأنّه ما يجعل الأشياء على ما هي عليه، وبغيابه لن يكون الشّيء كما هو. ويقابل هذه النّزعة ما يُعرف بـ«اللّا جوهريّة-Non-essentialism».
يقود الاعتقاد الخاطئ بأنّ الأنواع منتظمةٌ إلى تصوّرات «تحوّليّة» للتّكيّف، تتحوّل فيها الجماعة بأسرها خلال التّكيّف. وذلك يخالف الفهم «التّمايزيّ» الصّحيح للانتقاء الطّبيعيّ، الّذي لا تتغيّر فيه إلاّ نسبة الصّفات ضمن الجماعة. وليس من المفاجِئ أن تتضمّن النّماذج التّحوليّة للتّكيّف افتراضًا ضمنيًّا للوراثة اللّيّنة، وتغيُّرًا بخطوةٍ واحدةٍ كاستجابةٍ للتّحدّيات. وبالفعل، فقد وجد شتولمان أنّ نسبة التّحوّليّين الّذين يعتبرون «الحاجة» دافعًا للتّطوّر هي ثلاثة أضعاف نسبة التّمايزيّين.
الأحداث والمُطْلَقَات في مقابل العمليّات والاحتمالات
إن فهمًا سليمًا للانتقاء الطّبيعيّ يستوعب أنّه عمليّةٌ تحدث ضمن الجماعات على مدى أجيالٍ متعاقبة، وهي تتمّ عبر تأثيراتٍ تراكميّة إحصائيّة لنسبة الصّفات التي تختلف في تأثيراتها على النّجاح التّكاثريّ. وذلك يتضارب مع خطأين كبيرين كثيرًا ما تنطوي عليهما التّصوّرات الحدسيّة لهذه العمليّة:
• يُنظَر خطأً للانتقاء الطّبيعيّ على أنّه عبارةٌ عن حدث وليس عمليةً. للأحداث عمومًا بداية ونهاية، وهي تحدث بترتيب تعاقبيّ محدّد، وتتكوّن من أفعالٍ مستقلّة، وقد تكون ذات هدفٍ ما. وبالمقابل، فإنّ الانتقاء الطّبيعيّ -في الواقع- يحدث باستمرارٍ وآنيّة ضمن جماعاتٍ كاملة، وهو لا يرمي إلى هدفٍ ما. وإساءة فهم الانتقاء الطّبيعيّ بوصفه حدثًا قد تساهم في التّفكير التّحوليّ (Transformationist thinking)، حيث يُظنّ أنّ التّغيّرات التّكيّفيّة تحدث في الجماعة بأسرها في آنٍ واحدٍ. كما إنّ النّظر إلى الانتقاء الطّبيعيّ كحدثٍ واحدٍ قد يقود أيضًا إلى افتراضاتٍ «فجائيّة» خاطئة، يُتخيّل فيها أنّ السّمات التّكيّفيّة المعقّدة قد تحدث فجأة في جيلٍ واحد.
• يُتصوّر أيضًا وعلى نحوٍ خاطئ أنّ الانتقاء الطّبيعيّ يحدث «لكلّ شيءٍ أو لِلا شيء»، حيث تموت كلّ الأفراد غير اللّائقة، وتعيش كلّ الأفراد اللّائقة. والواقع إنّه عمليّة احتماليّة، تُرجِّح فيها بعض الصّفات -ولا تضمن- أنّ الأحياء الّتي تملكها ستتكاثر بنجاحٍ. وبالإضافة، فإنّ الطّبيعة الإحصائيّة للعمليّة تسمح حتّى لفرقٍ ضئيلٍ في النّجاح التّكاثريّ (ولو كان 1%) بإنتاج تزايدٍ تدريجيّ في نسبة تلك الصّفة بمرور عدّة أجيال.
ملاحظات ختاميّة
تَرسم استبياناتُ الطّلاّب في كلّ المراحل صورةً قاتمةً عن مستوى فهم الانتقاء الطّبيعيّ. ورغم أنّه يقوم على مكوّنات مدعّمة جيّدًا ومباشِرة بمفردها، فإنّ فهمًا مناسِبًا للآليّة وتداعياتها يظلّ نادرًا جدًّا بين غير المختصّين. والاستنتاج الّذي لا مفرّ منه أنّ الأغلبيّة السّاحقة من الأفراد، بمن فيها حَمَلة الشّهادات في العلوم، يفتقرون إلى فهم أساسيّ لكيفيّة حدوث التّغيّر التّكيّفيّ.
ورغم عدم توصلنا بعدُ إلى حلول واقعيّة، فمن الواضح أنّ مجرّد استعراض المكوّنات المختلفة للانتقاء الطّبيعيّ قلّما يقود إلى فهمٍ الطّلاّب للعمليّة. في أقلّ تقدير، فمن الواضح بوفرةٍ أنّ تعليم الانتقاء الطّبيعيّ وتعلُّمَه يجب أن ينطويَ على جهودٍ لتعريف، ومواجهة، واقتلاع الأوهام الّتي يُشتقّ معظمها من تحيّزاتٍ تصوّريّة عميقة، ربّما كانت حاضرةً منذ الطفولة. فالانتقاء الطّبيعيّ، مثل معظم النّظريّات العلميّة المعقّدة، يمضي بالضدّ من الخبرة الشّائعة، ولهذا فهو يُنافس -عادة دون نجاح- الأفكار الحدسيّة حول الوراثة والتّمايز والوظيفة والقصديّة والاحتماليّة. والميل إلى استخدام لغةٍ غير دقيقةٍ لوصف ظواهرَ تطوّريّةٍ ربّما يعمل على تعزيز هذه المشاكل.
إنّ الانتقاء الطّبيعيّ مُكوِّن محوريّ للنّظريّة التّطوّريّة الحديثة، وهي بدورها موضوعٌ موحّد للبيولوجيا بأسرها. ومن دون فهم هذه العمليّة وتداعياتها، فمن المحال ببساطة أن نفهم، ولو بعباراتٍ بسيطة، كيف ولماذا أصبحتِ الحياةُ بهذا القَدْر المذهل من التّنوّع. والتّحدّي الجسيم الّذي يواجِهه البيولوجيّون والمدرّسون في تصحيح الأوهام المنتشِرة عن الانتقاء الطّبيعيّ، لا يماثله شيء غير الأهمّيّة الكامنة وراء هذه المهمّة.
الهامش
(1) التّمايُز (Variation): يعني التّمايز الاختلاف بين الأحياء بمِيزة جديدة واحدة، أو بشيءٍ مميّز جديد، كما إنّ العمليّة تُوحي ببعضٍ من التّقدّم. وهذا الاختلاف، هو أيّ اختلاف بين الخلايا، أو الأفراد المتعضّية المنفردة، أو مجموعة من الأفراد المتعضّية من أيّ نوعٍ كانت. ويحدث هذا التّمايز عن طريق الاختلافات الوراثيّة (التّمايز على مستوى النّمظ الجينيّ الوراثيّ. في الإنجليزيّة: Genotypic variation)، أو تأثير العوامل البيئيّة على قدرة إحدى المُورّثات أو الجينات على تعديل الكائن الحيّ (التّمايز على مستوى النّمط الظّاهريّ. في الإنجليزيّة: Phenotypic varitation). ويكون التّعبير عن هذه التّمايزات ظاهرًا في المظهر الجسديّ، أو عمليّات التّمثيل الغذائيّ، أو الخصوبة، أو أسلوب التّكاثر، أو السّلوك، أو القدرات العقليّة وقدرات التّعلّم، وأيّ سماتٍ أخرى واضحة وقابلة للقياس. ويحدث كلّ نوعٍ من التّمايز بطريقة معيّنة ومختلفة. ويختلف التّمايز عن أيّ مصطلحات إنجليزيّة أخرى، مثل: Differentiation, Alteration, Deviation, Change, Distinction and Modification.
(2) التّضاعف (Replication): التّضاعف وسيلة من وسائل التّطوّر والنّموّ والتّجديد واستمرار الحياة، ويشير إلى عمليّة تضاعف أو تناسخ الحمض النّوويّ (DNA)، حيث تُنتَج نُسَخ جديدة مُطابقة للحمض النّوويّ الرّئيس من حيث التّركيب.
(3) التّأشيب (Recombination): أو إعادة التّركيب الجينيّ، أو إعادة الخلط الجينيّ. وهي عمليّة إنتاج ذرّيّة جديدة بتوليفة سماتٍ تختلف عن تلك الموجودة عند الوالديْن، ولهذا يُسمّى خلطًا جينيًّا. وعندما نقول توليفة سمات، نقصد أنّ ما يُخلط هي تجمّعات الأليلات (Alleles) الموجود في المواقع الجينيّة. ولذلك، يخلط التّأشيب تبايناتٍ جينيّة أو سماتٍ كانت موجودةً مُسبّقًا.
ترجمة: حيدر عبدالواحد راشد
تدقيق: أحمد زياد
:قائمة المصادر
-
Alters B. Teaching biological evolution in higher education. Boston: Jones and Bartlett; 2005.Google Scholar
-
Alters BJ, Nelson CE. Teaching evolution in higher education. Evolution. 2002;56:1891–901.Google Scholar
-
Anderson DL, Fisher KM, Norman GJ. Development and evaluation of the conceptual inventory of natural selection. J Res Sci Teach. 2002;39:952–78. doi:10.1002/tea.10053.Google Scholar
-
Asghar A, Wiles JR, Alters B. Canadian pre-service elementary teachers’ conceptions of biological evolution and evolution education. McGill J Educ. 2007;42:189–209.Google Scholar
-
Attenborough D. Life on earth. Boston: Little, Brown and Company; 1979.Google Scholar
-
Banet E, Ayuso GE. Teaching of biological inheritance and evolution of living beings in secondary school. Int J Sci Edu 2003;25:373–407.Google Scholar
-
Bardapurkar A. Do students see the “selection” in organic evolution? A critical review of the causal structure of student explanations. Evo Edu Outreach. 2008;1:299–305. doi:10.1007/s12052-008-0048-5.Google Scholar
-
Barton NH, Briggs DEG, Eisen JA, Goldstein DB, Patel NH. Evolution. Cold Spring Harbor: Cold Spring Harbor Laboratory Press; 2007.Google Scholar
-
Bartov H. Can students be taught to distinguish between teleological and causal explanations? J Res Sci Teach. 1978;15:567–72. doi:10.1002/tea.3660150619.Google Scholar
-
Bartov H. Teaching students to understand the advantages and disadvantages of teleological and anthropomorphic statements in biology. J Res Sci Teach. 1981;18:79–86. doi:10.1002/tea.3660180113.Google Scholar
-
Beardsley PM. Middle school student learning in evolution: are current standards achievable? Am Biol Teach. 2004;66:604–12. doi:10.1662/0002-7685(2004)066[0604:MSSLIE]2.0.CO;2.Google Scholar
-
Bell G. The basics of selection. New York: Chapman & Hall; 1997.Google Scholar
-
Bell G. Selection: the mechanism of evolution. 2nd ed. Oxford: Oxford University Press; 2008.Google Scholar
-
Berkman MB, Pacheco JS, Plutzer E. Evolution and creationism in America’s classrooms: a national portrait. PLoS Biol. 2008;6:e124. doi:10.1371/journal.pbio.0060124.Google Scholar
-
Bishop BA, Anderson CW. Evolution by natural selection: a teaching module (Occasional Paper No. 91). East Lansing: Institute for Research on Teaching; 1986.Google Scholar
-
Bishop BA, Anderson CW. Student conceptions of natural selection and its role in evolution. J Res Sci Teach. 1990;27:415–27. doi:10.1002/tea.3660270503.Google Scholar
-
Bizzo NMV. From Down House landlord to Brazilian high school students: what has happened to evolutionary knowledge on the way? J Res Sci Teach. 1994;31:537–56.Google Scholar
-
Bloom P, Weisberg DS. Childhood origins of adult resistance to science. Science. 2007;316:996–7. doi:10.1126/science.1133398.Google Scholar
-
Brem SK, Ranney M, Schindel J. Perceived consequences of evolution: college students perceive negative personal and social impact in evolutionary theory. Sci Educ. 2003;87:181–206. doi:10.1002/sce.10105.Google Scholar
-
Brumby M. Problems in learning the concept of natural selection. J Biol Educ. 1979;13:119–22.Google Scholar
-
Brumby MN. Misconceptions about the concept of natural selection by medical biology students. Sci Educ. 1984;68:493–503. doi:10.1002/sce.3730680412.Google Scholar
-
Burkhardt RW. The inspiration of Lamarck’s belief in evolution. J Hist Biol. 1972;5:413–38. doi:10.1007/BF00346666.Google Scholar
-
Burkhardt RW. The spirit of system. Cambridge: Harvard University Press; 1995.Google Scholar
-
Chinsamy A, Plaganyi E. Accepting evolution. Evolution. 2007;62:248–54.Google Scholar
-
Clough EE, Wood-Robinson C. How secondary students interpret instances of biological adaptation. J Biol Educ. 1985;19:125–30.Google Scholar
-
Corsi P. The age of Lamarck. Berkeley: University of California Press; 1988.Google Scholar
-
Coyne JA. Selling Darwin. Nature. 2006;442:983–4. doi:10.1038/442983a.Google Scholar
-
Creedy LJ. Student understanding of natural selection. Res Sci Educ. 1993;23:34–41. doi:10.1007/BF02357042.Google Scholar
-
Curry A. Creationist beliefs persist in Europe. Science. 2009;323:1159. doi:10.1126/science.323.5918.1159.Google Scholar
-
Darimont CT, Carlson SM, Kinnison MT, Paquet PC, Reimchen TE, Wilmers CC. Human predators outpace other agents of trait change in the wild. Proc Natl Acad Sci U S A. 2009;106:952–4. doi:10.1073/pnas.0809235106.Google Scholar
-
Darwin C. On the origin of species by means of natural selection, or the preservation of favoured races in the struggle for life. London: John Murray; 1859.Google Scholar
-
Darwin, C. The variation of animals and plants under domestication. London: John Murray; 1868.Google Scholar
-
Darwin C, Wallace AR. On the tendency of species to form varieties; and on the perpetuation of varieties and species by natural means of selection. Proc Linn Soc. 1858;3:46–62.Google Scholar
-
Deadman JA, Kelly PJ. What do secondary school boys understand about evolution and heredity before they are taught the topic? J Biol Educ. 1978;12:7–15.Google Scholar
-
Demastes SS, Settlage J, Good R. Students’ conceptions of natural selection and its role in evolution: cases of replication and comparison. J Res Sci Teach. 1995;32:535–50. doi:10.1002/tea.3660320509.Google Scholar
-
Deniz H, Donelly LA, Yilmaz I. Exploring the factors related to acceptance of evolutionary theory among Turkish preservice biology teachers: toward a more informative conceptual ecology for biological evolution. J Res Sci Teach. 2008;45:420–43. doi:10.1002/tea.20223.Google Scholar
-
Dennett DC. Darwin’s dangerous idea. New York: Touchstone Books; 1995.Google Scholar
-
Espinasa M, Espinasa L. Losing sight of regressive evolution. Evo Edu Outreach. 2008;1:509–16. doi:10.1007/s12052-008-0094-z.Google Scholar
-
Evans EM, Mull MS, Poling DA, Szymanowski K. Overcoming an essentialist bias: from metamorphosis to evolution. In Biennial meeting of the Society for Research in Child Development, Atlanta, GA; 2005.
-
Evans EM, Spiegel A, Gram W, Frazier BF, Thompson S, Tare M, Diamond J. A conceptual guide to museum visitors’ understanding of evolution. In Annual Meeting of the American Education Research Association, San Francisco; 2006.
-
Ferrari M, Chi MTH. The nature of naive explanations of natural selection. Int J Sci Educ. 1998;20:1231–56. doi:10.1080/0950069980201005.Google Scholar
-
Firenze R. Lamarck vs. Darwin: dueling theories. Rep Natl Cent Sci Educ. 1997;17:9–11.Google Scholar
-
Freeman S, Herron JC. Evolutionary analysis. 4th ed. Upper Saddle River: Prentice Hall; 2007.Google Scholar
-
Futuyma DJ. Evolution. Sunderland: Sinauer; 2005.Google Scholar
-
Gelman SA. Psychological essentialism in children. Trends Cogn Sci. 2004;8:404–9. doi:10.1016/j.tics.2004.07.001.Google Scholar
-
Geraedts CL, Boersma KT. Reinventing natural selection. Int J Sci Educ. 2006;28:843–70. doi:10.1080/09500690500404722.Google Scholar
-
Gould SJ. Shades of Lamarck. In: The Panda’s Thumb. New York: Norton; 1980. p. 76–84.
-
Greene ED. The logic of university students’ misunderstanding of natural selection. J Res Sci Teach. 1990;27:875–85. doi:10.1002/tea.3660270907.Google Scholar
-
Gregory TR. Evolution as fact, theory, and path. Evo Edu Outreach. 2008a;1:46–52. doi:10.1007/s12052-007-0001-z.Google Scholar
-
Gregory TR. The evolution of complex organs. Evo Edu Outreach. 2008b;1:358–89. doi:10.1007/s12052-008-0076-1.Google Scholar
-
Gregory TR. Artificial selection and domestication: modern lessons from Darwin’s enduring analogy. Evo Edu Outreach. 2009;2:5–27. doi:10.1007/s12052-008-0114-z.Google Scholar
-
Hall BK, Hallgrimsson B. Strickberger’s evolution. 4th ed. Sudbury: Jones and Bartlett; 2008.Google Scholar
-
Halldén O. The evolution of the species: pupil perspectives and school perspectives. Int J Sci Educ. 1988;10:541–52. doi:10.1080/0950069880100507.Google Scholar
-
Halloun IA, Hestenes D. The initial knowledge state of college physics students. Am J Phys. 1985;53:1043–55. doi:10.1119/1.14030.Google Scholar
-
Hillis DM. Making evolution relevant and exciting to biology students. Evolution. 2007;61:1261–4. doi:10.1111/j.1558-5646.2007.00126.x.Google Scholar
-
Humphreys J. The laws of Lamarck. Biologist. 1995;42:121–5.Google Scholar
-
Humphreys J. Lamarck and the general theory of evolution. J Biol Educ. 1996;30:295–303.Google Scholar
-
Ingram EL, Nelson CE. Relationship between achievement and students’ acceptance of evolution or creation in an upper-level evolution course. J Res Sci Teach. 2006;43:7–24. doi:10.1002/tea.20093.Google Scholar
-
Jeffery WR. Adaptive evolution of eye degeneration in the Mexican blind cavefish. J Heredity. 2005;96:185–96. doi:10.1093/jhered/esi028.Google Scholar
-
Jensen MS, Finley FN. Teaching evolution using historical arguments in a conceptual change strategy. Sci Educ. 1995;79:147–66. doi:10.1002/sce.3730790203.Google Scholar
-
Jensen MS, Finley FN. Changes in students’ understanding of evolution resulting from different curricular and instructional strategies. J Res Sci Teach. 1996;33:879–900. doi:10.1002/(SICI)1098-2736(199610)33:8<879::AID-TEA4>3.0.CO;2-T.Google Scholar
-
Jiménez-Aleixandre MP. Thinking about theories or thinking with theories?: a classroom study with natural selection. Int J Sci Educ. 1992;14:51–61. doi:10.1080/0950069920140106.Google Scholar
-
Jiménez-Aleixandre MP, Fernández-Pérez J. Selection or adjustment? Explanations of university biology students for natural selection problems. In: Novak, JD. Proceedings of the Second International Seminar on Misconceptions and Educational Strategies in Science and Mathematics, vol II. Ithaca: Department of Education, Cornell University; 1987;224–32.
-
Jørgensen C, Enberg K, Dunlop ES, Arlinghaus R, Boukal DS, Brander K, et al. Managing evolving fish stocks. Science. 2007;318:1247–8. doi:10.1126/science.1148089.Google Scholar
-
Jungwirth E. The problem of teleology in biology as a problem of biology-teacher education. J Biol Educ. 1975a;9:243–6.Google Scholar
-
Jungwirth E. Preconceived adaptation and inverted evolution. Aust Sci Teachers J. 1975b;21:95–100.Google Scholar
-
Jungwirth E. Should natural phenomena be described teleologically or anthropomorphically?—a science educator’s view. J Biol Educ. 1977;11:191–6.Google Scholar
-
Kampourakis K, Zogza V. Students’ preconceptions about evolution: how accurate is the characterization as “Lamarckian” when considering the history of evolutionary thought? Sci Edu 2007;16:393–422.Google Scholar
-
Kampourakis K, Zogza V. Students’ intuitive explanations of the causes of homologies and adaptations. Sci Educ. 2008;17:27–47. doi:10.1007/s11191-007-9075-9.Google Scholar
-
Kampourakis K, Zogza V. Preliminary evolutionary explanations: a basic framework for conceptual change and explanatory coherence in evolution. Sci Educ. 2009; in press.
-
Kardong KV. An introduction to biological evolution. 2nd ed. Boston: McGraw Hill; 2008.Google Scholar
-
Kargbo DB, Hobbs ED, Erickson GL. Children’s beliefs about inherited characteristics. J Biol Educ. 1980;14:137–46.Google Scholar
-
Kelemen D. Why are rocks pointy? Children’s preference for teleological explanations of the natural world. Dev Psychol. 1999a;35:1440–52. doi:10.1037/0012-1649.35.6.1440.Google Scholar
-
Kelemen D. Function, goals and intention: children’s teleological reasoning about objects. Trends Cogn Sci. 1999b;3:461–8. doi:10.1016/S1364-6613(99)01402-3.Google Scholar
-
Kelemen D, Rosset E. The human function compunction: teleological explanation in adults. Cognition. 2009;111:138–43. doi:10.1016/j.cognition.2009.01.001.Google Scholar
-
Keown D. Teaching evolution: improved approaches for unprepared students. Am Biol Teach. 1988;50:407–10.Google Scholar
-
Lawson AE, Thompson LD. Formal reasoning ability and misconceptions concerning genetics and natural selection. J Res Sci Teach. 1988;25:733–46. doi:10.1002/tea.3660250904.Google Scholar
-
MacFadden BJ, Dunckel BA, Ellis S, Dierking LD, Abraham-Silver L, Kisiel J, et al. Natural history museum visitors’ understanding of evolution. BioScience. 2007;57:875–82.Google Scholar
-
Mayr E. The growth of biological thought. Cambridge: Harvard University Press; 1982.Google Scholar
-
Mayr E. What evolution Is. New York: Basic Books; 2001.Google Scholar
-
McCloskey M, Caramazza A, Green B. Curvilinear motion in the absence of external forces: naïve beliefs about the motion of objects. Science. 1980;210:1139–41. doi:10.1126/science.210.4474.1139.Google Scholar
-
Moore R, Mitchell G, Bally R, Inglis M, Day J, Jacobs D. Undergraduates’ understanding of evolution: ascriptions of agency as a problem for student learning. J Biol Educ. 2002;36:65–71.Google Scholar
-
Nehm RH, Reilly L. Biology majors’ knowledge and misconceptions of natural selection. BioScience. 2007;57:263–72. doi:10.1641/B570311.Google Scholar
-
Nehm RH, Schonfeld IS. Does increasing biology teacher knowledge of evolution and the nature of science lead to greater preference for the teaching of evolution in schools? J Sci Teach Educ. 2007;18:699–723. doi:10.1007/s10972-007-9062-7.Google Scholar
-
Nehm RH, Poole TM, Lyford ME, Hoskins SG, Carruth L, Ewers BE, et al. Does the segregation of evolution in biology textbooks and introductory courses reinforce students’ faulty mental models of biology and evolution? Evo Edu Outreach. 2009;2: In press.
-
Nelson CE. Teaching evolution effectively: a central dilemma and alternative strategies. McGill J Educ. 2007;42:265–83.Google Scholar
-
Nelson CE. Teaching evolution (and all of biology) more effectively: strategies for engagement, critical reasoning, and confronting misconceptions. Integr Comp Biol. 2008;48:213–25. doi:10.1093/icb/icn027.Google Scholar
-
Packard AS. Lamarck, the founder of evolution: his life and work with translations of his writings on organic evolution. New York: Longmans, Green, and Co; 1901.Google Scholar
-
Palumbi SR. Humans as the world’s greatest evolutionary force. Science. 2001;293:1786–90. doi:10.1126/science.293.5536.1786.Google Scholar
-
Passmore C, Stewart J. A modeling approach to teaching evolutionary biology in high schools. J Res Sci Teach. 2002;39:185–204. doi:10.1002/tea.10020.Google Scholar
-
Pedersen S, Halldén O. Intuitive ideas and scientific explanations as parts of students’ developing understanding of biology: the case of evolution. Eur J Psychol Educ. 1992;9:127–37.Google Scholar
-
Pennock RT. Learning evolution and the nature of science using evolutionary computing and artificial life. McGill J Educ. 2007;42:211–24.Google Scholar
-
Prinou L, Halkia L, Skordoulis C. What conceptions do Greek school students form about biological evolution. Evo Edu Outreach. 2008;1:312–7. doi:10.1007/s12052-008-0051-x.Google Scholar
-
Ridley M. Evolution. 3rd ed. Malden: Blackwell; 2004.Google Scholar
-
Robbins JR, Roy P. The natural selection: identifying & correcting non-science student preconceptions through an inquiry-based, critical approach to evolution. Am Biol Teach. 2007;69:460–6. doi:10.1662/0002-7685(2007)69[460:TNSICN]2.0.CO;2.Google Scholar
-
Rose MR, Mueller LD. Evolution and ecology of the organism. Upper Saddle River: Prentice Hall; 2006.Google Scholar
-
Rutledge ML, Mitchell MA. High school biology teachers’ knowledge structure, acceptance & teaching of evolution. Am Biol Teach. 2002;64:21–7. doi:10.1662/0002-7685(2002)064[0021:HSBTKS]2.0.CO;2.Google Scholar
-
Scharmann LC. Enhancing an understanding of the premises of evolutionary theory: the influence of a diversified instructional strategy. Sch Sci Math. 1990;90:91–100.Google Scholar
-
Settlage J. Conceptions of natural selection: a snapshot of the sense-making process. J Res Sci Teach. 1994;31:449–57.Google Scholar
-
Shtulman A. Qualitative differences between naïve and scientific theories of evolution. Cognit Psychol. 2006;52:170–94. doi:10.1016/j.cogpsych.2005.10.001.Google Scholar
-
Sinatra GM, Southerland SA, McConaughy F, Demastes JW. Intentions and beliefs in students’ understanding and acceptance of biological evolution. J Res Sci Teach. 2003;40:510–28. doi:10.1002/tea.10087.Google Scholar
-
Sinatra GM, Brem SK, Evans EM. Changing minds? Implications of conceptual change for teaching and learning about biological evolution. Evo Edu Outreach. 2008;1:189–95. doi:10.1007/s12052-008-0037-8.Google Scholar
-
Southerland SA, Abrams E, Cummins CL, Anzelmo J. Understanding students’ explanations of biological phenomena: conceptual frameworks or p-prims? Sci Educ. 2001;85:328–48. doi:10.1002/sce.1013.Google Scholar
-
Spiegel AN, Evans EM, Gram W, Diamond J. Museum visitors’ understanding of evolution. Museums Soc Issues. 2006;1:69–86.Google Scholar
-
Spindler LH, Doherty JH. Assessment of the teaching of evolution by natural selection through a hands-on simulation. Teach Issues Experiments Ecol. 2009;6:1–20.Google Scholar
-
Stauffer RC (editor). Charles Darwin’s natural selection: being the second part of his big species book written from 1856 to 1858. Cambridge, UK: Cambridge University Press; 1975.Google Scholar
-
Stearns SC, Hoekstra RF. Evolution: an introduction. 2nd ed. Oxford, UK: Oxford University Press; 2005.Google Scholar
-
Strevens M. The essentialist aspect of naive theories. Cognition. 2000;74:149–75. doi:10.1016/S0010-0277(99)00071-2.Google Scholar
-
Sundberg MD. Strategies to help students change naive alternative conceptions about evolution and natural selection. Rep Natl Cent Sci Educ. 2003;23:1–8.Google Scholar
-
Sundberg MD, Dini ML. Science majors vs nonmajors: is there a difference? J Coll Sci Teach. 1993;22:299–304.Google Scholar
-
Tamir P, Zohar A. Anthropomorphism and teleology in reasoning about biological phenomena. Sci Educ. 1991;75:57–67. doi:10.1002/sce.3730750106.Google Scholar
-
Tidon R, Lewontin RC. Teaching evolutionary biology. Genet Mol Biol. 2004;27:124–31. doi:10.1590/S1415-475720054000100021.Google Scholar
-
Vlaardingerbroek B, Roederer CJ. Evolution education in Papua New Guinea: trainee teachers’ views. Educ Stud. 1997;23:363–75. doi:10.1080/0305569970230303.Google Scholar
-
Wilson DS. Evolution for everyone: how to increase acceptance of, interest in, and knowledge about evolution. PLoS Biol. 2005;3:e364. doi:10.1371/journal.pbio.0030364.Google Scholar
-
Wood-Robinson C. Young people’s ideas about inheritance and evolution. Stud Sci Educ. 1994;24:29–47. doi:10.1080/03057269408560038.Google Scholar
-
Zirkle C. The early history of the idea of the inheritance of acquired characters and of pangenesis. Trans Am Philos Soc. 1946;35:91–151. doi:10.2307/1005592.Google Scholar
-
Zohar A, Ginossar S. Lifting the taboo regarding teleology and anthropomorphism in biology education—heretical suggestions. Sci Educ. 1998;82:679–97. doi:10.1002/(SICI)1098-237X(199811)82:6<679::AID-SCE3>3.0.CO;2-E.Google Scholar
One Comment
Leave a Reply