يعتمد الأمر على كيفية تعريفنا «للتنفس» و«المؤخرة».
نعلم أن معظم الثدييات تتنفس عبر الفم والأنف. بينما يمكن للضفادع أن تتنفس عبر جلدها. لكن ماذا عن السلاحف؟ كيف تحصل هذه الكائنات صلبة القشرة على الأكسجين؟
لربما سمعت شائعة غريبة مفادها أن السلاحف يمكن أن تتنفس من مؤخراتها. لكن أصحيحٌ ذلك حقًا؟
من الناحية التقنية، لا تتنفس السلاحف من خلال مؤخراتها. ذلك لأن السلاحف لا تمتلك «مؤخرة» حقًا؛ بل تمتلك فتحة متعددة الوظائف تُعرف باسم المذرق تُستخدم للتكاثر الجنسي ووضع البيوض وكذلك لطرح الفضلات. ومع ذلك، تمارس السلاحف عملية تسمى التنفس المذرقي، والتي يمكن تفسيرها نوعًا ما على أنها «تنفس المؤخرة».
قال كريج فرانكلين، عالم فيزيولوجيا الحياة البرية بجامعة كوينزلاند في أستراليا، والذي درس التنفس المذرقي على نطاق واسع «إنه أثناء التنفس المذرقي، تضخ السلاحف المياه عبر المذرق ضمن تشكيلين كيسيين يعرفان باسم الجرابين اللذين يعملان نوعًا ما كرئتين مائيتين. ثم ينتشر الأكسجين في الماء عبر الحليمات، وهي بنى صغيرة تبطن الجراب، ومن ثم ينتشر الأوكسجين ضمن مجرى دم السلحفاة.
ومع ذلك، فإن التنفس المذرقي غير فعال مقارنة بالتنفس الهوائي الطبيعي، وجميع السلاحف لديها القدرة أيضًا على تنفس الهواء برئتيها بسهولة أكبر. نتيجة لذلك، لا نرى التنفس المذرقي إلا في عدد صغير من أنواع المياه العذبة التي تعتمد على هذه الطريقة غير التقليدية للتغلب على التحديات التي تواجهها في بيئات فريدة حيث يصعب تنفس الهواء، كالأنهار سريعة التدفق أو البرك المتجمدة.
أبطال المذارق
مجموعة السلاحف الرئيسية التي أتقنت حقًا التنفس المذرقي هي السلاحف النهرية. على الصعيد العالمي، ثمة حوالي اثنا عشر سلحفاة نهرية يمكنها الاستفادة بشكل صحيح من التنفس المذرقي، يعيش نصفها تقريبًا في الأنهار في أستراليا؛ وقال فرانكلين إن هذه الأنواع تشمل سلحفاة نهر ماري (Elusor macrurus) والسلحفاة بيضاء الحلق (Elseya albagula).
ومع ذلك، فإن بعض أنواع السلاحف النهرية تبرع أكثر في التنفس المذرقي من غيرها. سلحفاة نهر فيتزروي (Rheodytes leukops) من أستراليا هي الأمهر على الإطلاق، ويمكنها أن تستمد 100٪ من طاقتها من خلال التنفس المذرقي. وقال فرانكلين «هذا يسمح لها بالبقاء تحت الماء لفترة غير محدودة».
ولكن بالنسبة لجميع الأنواع الأخرى، لا يفيدها التنفس المذرقي إلا بزيادة زمن بقاءها تحت الماء لتُجبر إلى الصعود مرة أخرى للهواء. قال: «على سبيل المثال، بدلاً من الغوص تحت الماء لمدة 15 دقيقة [حابسةً أنفاسها]، يمكنها البقاء تحت الماء لعدة ساعات».
تعد القدرة على البقاء تحت الماء لفترات طويلة مفيدة للغاية لسلاحف الأنهار لأن الذهاب إلى السطح يمكن أن يكون عملاً شاقًا. قال فرانكلين: «بالنسبة لسلحفاة تعيش في مياه سريعة التدفق، فإن الصعود للسطح للتنفس يطرح مشكلة أمامها لأنها قد تنجرف بعيدًا». وأضاف أن البقاء بالقرب من قاع النهر يجنبها الحيوانات المفترسة كالتماسيح.
يعد تجنب الحيوانات المفترسة أمرًا مهمًا بشكل خاص لصغار السلاحف التي يمكن أن تستهدفها الطيور والأسماك الكبيرة. قال فرانكلين: «أكبر خطر افتراس للسلحفاة بعد أن تفقس هو السباحة عبر عمود الماء إلى السطح». نتيجة لذلك، عادة ما يبرع صغار السلاحف في التنفس المذرقي أكثر بكثير من البالغين، ما يسمح لها بقضاء وقت أطول بالقرب من مجرى النهر حتى تصبح السلاحف الصغيرة كبيرة كفايةً لتغامر بالظهور بشكل متكرر على السطح. قال فرانكلين، من المحتمل أن تكون أنواع السلاحف النهرية الإضافية قادرة أيضًا على التنفس المذرقي كالصغار ولكنها تفقد هذه القدرة في وقت لاحق.
ومع ذلك، فإن التنفس المذرقي أقل كفاءة بكثير من التنفس الهوائي لأن ضخ الماء في الجراب يتطلب الكثير من الطاقة، ما يقلل من صافي اكتساب الطاقة المتلقاة. قال فرانكلين: «عندما نتنفس الهواء، لا توجد طاقة مطلوبة تقريبًا» لأن الغازات خفيفة وتتدفق بحرية داخل وخارج رئتينا. «لكن تخيل أنك تحاول تنفس سائلًا لزجًا ذهابًا وإيابًا». وأضاف أن الماء يحتوي أيضًا على أكسجين أقل بنحو 200 مرة من حجم مساوي له من الهواء، لذلك يتعين على السلاحف ضخ المزيد من المياه للحصول على نفس الكمية من الأكسجين.
ثمة أيضًا ثمن آخر للتنفس المذرقي. عندما ينتشر الأكسجين عبر جلد الجراب ضمن مجرى الدم، تنتشر أيونات الصوديوم والكلور (جزيئات مشحونة) داخل الحليمات وتعتبر هذه الجزيئات حيوية لعمل الخلايا، تنتشر في الاتجاه المعاكس إلى الماء، ما يعيق عمل الخلايا بشكل صحيح. لمواجهة ذلك، طورت السلاحف مضخات خاصة تعيد امتصاص الأيونات المفقودة مرة أخرى إلى الخلايا للحفاظ على مستويات الأيونات ضمن المستويات الطبيعية. تتطلب هذه العملية، المعروفة باسم التنظيم الأسموزي، طاقة إضافية، وبالتالي تقليل صافي كسب الطاقة من التنفس المذرقي.
ثمة أيضًا حوالي ستة أو سبعة أنواع من سلاحف المياه العذبة السباتية في جميع أنحاء أمريكا الشمالية قادرة على التنفس المذرقي بشكل أكثر محدودية. تقضي هذه الأنواع، مثل سلحفاة بلاندينج (Emydoidea blandingii)، شهورًا محاصرة تحت طبقات من الجليد تغطي البرك خلال فصل الشتاء. قال جاكي ليتزجوس، عالم البيئة في الحياة البرية بجامعة لورنتيان في أونتاريو، لـ Live Science، إن بعض هذه السلاحف تمكث تحت الجليد لأكثر من 100 يوم دون أن تتمكن من أخذ نفس واحد من الهواء. وبدلاً من ذلك، يمكن لهذه السلاحف أيضًا أن تأخذ الأكسجين من خلال الجرابين، وكذلك عن طريق غرغرة المياه في حناجرها، والتي تُعرف باسم الضخ الشدقي، وفقًا ليتزجوس.
ومع ذلك، قال فرانكلين إن التنفس المذرقي الذي تمارسه السلاحف السباتية أبسط بكثير مما تفعله السلاحف النهرية. بدلاً من ضخ المياه بنشاط في الجراب كما تفعل أقاربها النهرية، تأخذ السلاحف السباتية الأكسجين الذي ينتشر بشكل سلبي عبر الجلد إلى الجراب. تتشابه هذه العملية مع التنفس الجلدي – عندما ينتشر الأكسجين عبر جلد الحيوان، وهو ما يحدث في البرمائيات والزواحف، وبعض الثدييات -بقدرة محدودة- بما في ذلك البشر.
تستطيع السلاحف السباتية البقاء عبر هذا الشكل السلبي من التنفس المذرقي لأن معدل التمثيل الغذائي لديها منخفض بشكل كبير، ما يعني أنها بحاجة إلى طاقة أقل، وبالتالي، كمية أكسجين أقل. قال ليتزجوس أنه أثناء تواجدها تحت الجليد، لا تتحرك هذه السلاحف كثيرًا، وتحافظ على درجة حرارة أجسامها قريبة من التجمد ويمكن أن تتحول إلى التنفس اللاهوائي -وهو الملاذ الأخير لتوليد الطاقة بدون أكسجين- عندما تعاني من نقص الأكسجين.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: livescience