يكشف التحليل الجيني والأحفوري الجديد لطيور البطريق كيفية تطورها.
تشتهر طيور البطريق بكونها طيور لا تطير وتساعدها أجنحتها على «الطيران سباحةً» عبر مياه القطب الجنوبي المتجمدة. بيد أن طيور البطريق فقدت قدرتها على الطيران لتصبح سبّاحة انسيابية منذ حوالي 60 مليون سنة، قبل وقت طويل من تشكل الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي – وقد كشف الباحثون الآن كيف حدث ذلك.
حددت دراسة جديدة لأحافير البطريق وجينومات طيور البطريق الحالية والمنقرضة مؤخرًا مجموعة من التكيفات الجينية لتعيش أسلوب حياة مائي؛ من الرؤية الحساسة للألوان الزرقاء تحت الماء إلى الجينات المتعلقة بأكسجة الدم، وحتى التغيرات في كثافة العظام. تشير النتائج معًا إلى أن طيور البطريق كمجموعة قد تكيفت للبقاء على قيد الحياة في بعض التغييرات البيئية الخطيرة التي تكشّفت على مدى ملايين السنين.
من كائنات طائرة لكائنات عاجزة عن الطيران
قال المؤلف المشارك في الدراسة دانيال كسيبكا، عالم الحفريات في متحف بروس في غرينتش، كونيتيكت، إن أقدم حفريات البطاريق يعود تاريخها إلى 62 مليون سنة. بحلول ذلك الوقت، كانت طيور البطريق عاجزة عن الطيران، رغم اختلافها الشديد عن طيور البطريق الحديثة. قال كسيبكا لـ Live Science أنها امتلكت أرجل ومناقير أطول، وكانت أجنحتها ما تزال تشبه الأجنحة أكثر من شبهها بالزعانف.
وقال كسيبكا: «من المحتمل أن هذه الحيوانات المبكرة قد تطورت من حيوان شبيه بالبفن كان ما زال بإمكانه الطيران في الهواء». (لم يُكشتف هذا السلف الطائر بعدْ في السجل الأحفوري، لذلك من غير المعروف بالضبط متى فقدت طيور البطريق قدراتها الجوية).
قال كسيبكا أن التطور بمرور الزمن قد أنتج «مجموعة متنوعة ومثيرة للاهتمام من البطاريق»، من طيور البطريق طويلة المناقير الشبيهة بالرمح إلى طيور البطريق ذات الريش الأحمر إلى طيور أطول بقدم أو قدمين من أكبر أنواع البطاريق حاليًا، الإمبراطور الذي يبلغ طوله حوالي 3 أقدام و 7 بوصات (1.1 متر).
في الدراسة، قيّم الباحثون الأدلة الأحفورية جنبًا إلى جنب مع جينومات جميع طيور البطاريق التي ماتزال حية، والجينومات الجزئية لتلك المنقرضة منها خلال بضع مئات من السنوات الماضية. تشير النتائج إلى أن طيور البطريق نشأت بالقرب مما يعرف اليوم بنيوزيلندا في وقت ما قبل 60 مليون سنة، وانتشرت في أمريكا الجنوبية والقارة القطبية الجنوبية، ثم عادت إلى نيوزيلندا. قال كسيبكا إن معظم الأنواع التي تعيش اليوم تباعدت عن بعضها البعض في المليوني سنة الأخيرين أو نحو ذلك. خلال تلك الفترة، مرت الأرض بدورات من الفترات الجليدية وبين الجليديين التي توسع وتراجع خلالها الجليد القطبي. دفع تقدم الجليد طيور البطريق شمالًا، وربما عزل بعض المجموعات عن بعضها البعض ومكنها من اتخاذ مسارات تطورية خاصة لمدة 100000 عام تقريبًا. بحلول الوقت الذي تراجع فيه الجليد، كانت طيور البطريق المنفصلة قد تطورت إلى أنواع مختلفة.
قال كسيبكا: «إنه لا يؤثر على جميع الأنواع بالتساوي، لكن يبدو الأمر أشبه بمصنع لأنواع البطاريق».
التكيفات الجينية
رغم كل التغييرات التي مرت بها، فإن البطاريق تمتلك أبطأ معدل تغير تطوري بين جميع الطيور، حسبما أفاد الباحثون في 19 يوليو في مجلة Nature Communications. قال كسيبكا إن هذا كان مفاجئًا ومايزال دون تفسير. وقال إن الحيوانات الأكبر وتلك التي تتكاثر ببطء نسبيًا -كما البطاريق- تميل إلى أن يكون لها معدلات تطورية أبطأ. ومع ذلك، فإن بعض الطيور الأكبر من البطاريق تتطور بسرعة أكبر من تطور البطاريق. قال كسيبكا إن الأنواع الأخرى من الطيور التي تتكاثر بمعدل مشابه لمعدل البطاريق تتطور أيضًا بسرعة أكبر، لذلك ينبغي بذل المزيد من الجهد لفهم سبب بطء تطور البطاريق.
في حين أن تطور البطاريق قد يكون بطيئًا نسبيًا، إلا أن ذلك منحها العديد من التكيفات للحياة في البحر وقربه. تتشارك البطاريق مجموعة من الجينات مع الطيور الأخرى غير الطائرة والتي من المحتمل أنها المسؤولة عن قصر أجنحتها، ولديها أيضًا جينات فريدة ربما تكون قد حولت العديد من عضلات أجنحة أسلاف البطريق إلى أوتار، ما أدى إلى تصلب أجنحة البطريق وجعلها أشبه بالزعانف. وجد الباحثون أيضًا طفرات جينية مرتبطة بتخزين الكالسيوم وتساهم في العظام الكثيفة التي تساعد البطاريق على الغوص.
أحدث التطور أيضًا العديد من التغييرات الأخرى، كالجينات المرتبطة بتخزين الدهون وتنظيم درجات الحرارة. أحد الاكتشافات المثيرة للاهتمام هو أن طيور البطريق فقدت العديد من الجينات في وقت مبكر من تطورها والتي كانت مرتبطة بهضم الهياكل الخارجية للقشريات. وقال كسيبكا إن هذا يشير إلى أن النظام الغذائي للبطاريق المبكرة كان قائمًا حول فرائس كالأسماك والحبار. لكن توسع الصفائح الجليدية خلق نظامًا بيئيًا في القطب الجنوبي كان غنيًا بالكريليات، وهي قشريات صغيرة. لحسن الحظ، وجد الباحثون أن طيور البطريق لديها جين واحد متبقي «جينCHIA » الذي مكنها من الاستمرار في هضم القشريات.
قال كسيبكا: «لو تعطل هذا الجين الأخير، لواجهت صعوبة في هضم الكريليات».
وحذر كسيبكا من أن حوالي 75٪ من جميع أنواع البطاريق قد انقرضت، وقد يمحي تغير المناخ أنواعًا أكثر. هذا ينطبق بشكل خاص على الأنواع ذات نمط الحياة المتخصص، مثل بطاريق الإمبراطور (Aptenodytes forsteri) التي تتكاثر بالكامل على الجليد البحري. إن ذاب الجليد البحري، قد تعاني بطاريق الإمبراطور في العثور على مناطق للتكاثر. من جهة أخرى، تعيش البطاريق الصغيرة التي تسكن جزر غالاباغوس الصخرية بعيدًا جدًا عن الأراضي الأخرى لدرجة أنها لا تملك أي مكان تهرب إليه إن أصبح موطنها الاستوائي شديد الحرارة.
وقال كسيبكا: «نعتقد بالتأكيد أن هذه الحيوانات حساسة للتغير البيئي، وفي كثير من الحالات تعتبر بالفعل مهددة بالانقراض، في حالات أخرى يمكن أن تصبح أكثر عرضة لخطر الانقراض خلال العقود القليلة المقبلة».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: livescience
