عاشت أسماك القرش على كوكب الأرض منذ 450 مليون سنة على الأقل.
أسماك القرش ليست بجديدة على كوكبنا. إذ انوجدت كمجموعة منذ ما لا يقل عن 450 مليون سنة، ونجت من أربعة انقراضات من أحداث الانقراض الجماعي «الخمسة الكبار»، بما في ذلك الكارثة التي أبادت الديناصورات غير الطائرة قبل 66 مليون سنة في نهاية العصر الطباشيري.
وفي هذا السياق تبدو أسماك القرش أكبر عمرًا من الديناصورات التي ظهرت منذ قرابة 240 مليون سنة، وحتى الأشجار التي تطورت على الأرض منذ حوالي 390 مليون سنة.
إذن كيف نجت أسماك القرش كمجموعة كل هذا الوقت الطويل؟ ما هي أسرار نجاحها؟
أحد التفسيرات الممكنة هو أن أسماك القرش قادرة على تعديل فيزيولوجيتها استجابة للظروف البيئية، كتقلص الحجم عند ارتفاع درجات الحرارة. تمكن هذه القدرة الأنواع من التكيف بسرعة مع البيئات سريعة التغير.
تعتبر أسماك القرش وثيقة القرابة مع الورنكيات والشفنينيات والخرافيات، وجميعها تنتمي إلى مجموعة من الأسماك تُعرف باسم الأسماك الغضروفية التي تتميز بأن معظم هيكلها العظمي يتألف من غضاريف بدلاً من العظام. أظهرت دراسات التعبير الجيني في الورنكيات قدرتها على التكيف عند تغير درجة حرارة المياه التي تعيش فيها حتى عدة درجات. على سبيل المثال، تمكنت جمهرة من ورنكيات الشتاء «Leucoraja ocellata» التي تعيش في جنوب خليج سانت لورانس في كندا من التكيف مع ارتفاع درجات حرارة المياه بمقدار 18 درجة فهرنهايت (10 درجات مئوية) على مدى 7000 عام من خلال «تقليص جسمها بشكل كبير» بنسبة بلغت 45٪، وفقًا لدراسة أجريت عام 2016 في مجلة Royal Society Open Science. من الناحية التطورية، 7000 سنة تعتبر فترة زمنية قصيرة، ما دفع العلماء إلى الاعتقاد بأن التغير السريع في حجم ورنكيات الشتاء يرجع إلى الاستجابة اللاجينية، إذ يتم تغيير التعبير الجيني بسبب العوامل البيئية، بدلاً من الانتقاء الطبيعي التدريجي للأفراد الأصغر حجمًا.
قال كريستوفر لوي، أستاذ علم الأحياء البحرية ومدير مختبر القروش في جامعة ولاية كاليفورنيا لونج بيتش لـ Live Science أن بعض أسماك القرش فريدة من نوعها من ناحية امتلاكها جينومات ضخمة حاوية على جينات غير مفيدة حاليًا، لكنها قد تكون مكنتها من تحمل الظروف المناخية الماضية.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للعديد من أنواع صفيحية الخياشيم الغضروفية ، وهي فئة فرعية من مجموعة الأسماك الغضروفية التي تضم أسماك القرش، التنقل بين بيئات المياه العذبة المالحة – وهذا بحد ذاته تحدٍ فيزيولوجي صعب. قرش الثور المعروف بعدوانيته «Carcharhinus leucas» واحد من أشهر القروش القادرة على العيش في بيئات المياه العذبة والمالحة. من المحتمل لهذه القدرة أن تكون قد ساعدت أنواع أسماك القرش السابقة خلال تغير درجات الحرارة العالمية ومع دخول كميات هائلة من المياه العذبة إلى المحيطات نتيجة ذوبان القمم الجليدية.
قال جافين نايلور، مدير برنامج فلوريدا لأبحاث القرش، يمكن لهذا التنوع أن يفسر العمر الطويل لأسماك القرش كمجموعة. على سبيل المثال، ثمة أسماك قرش في أجزاء مختلفة من عمود الماء الواحد – تعيش في أعماق المحيطات والبحار الضحلة وحتى الأنهار – ويمكنها التهام مجموعة واسعة من الفرائس، بما في ذلك العوالق والأسماك وسرطان البحر والفقمات وحتى الحيتان، وفقًا لـ متحف التاريخ الطبيعي في لندن. بعبارة أخرى، إذا تعرضت منطقة أو مصدر غذائي للتهديد، فإن تنوع أسماك القرش كمجموعة يعني أنه في حين معاناة بعض الأنواع أو حتى انقراضها، ستنجو أنواع أخرى من المجموعة.
عادة ما نفكر في أسماك القرش على أنها آكلة لحوم بحتة، لكننا نعلم الآن أنها أكثر تنوعًا بنظامها الغذائي، وفقًا لدراسة أجريت عام 2018 في مجلة Proceedings of the Royal Society B . قد يكون هذا التكيف قد سمح لها أيضًا بالبقاء على قيد الحياة في أوقات شح المصادر الغذائية.
وبينما تمكنت أسماك القرش من تجنب الانقراض الجماعي السابق بقدرتها على التكيف، فإنها تواجه حاليًا تحديًا غير مسبوق: النشاط البشري.
وفقًا لنايلور: «تمكنت أسماك القرش من التعامل مع التغيرات المناخية في الماضي بشكل جيد إلى حد ما، لكن التحدي الأكبر لأسماك القرش والشفنينيات في وقتنا الحاضر هو الصيد الجائر». «لا توجد حيل ذكية تمكن هذه الحيوانات من مواجهة اصطيادها».
وأضاف لوي: «من المحتمل أيضًا أن تؤدي آثار التلوث والملوثات وفقدان الموائل إلى اختفائها في بعض الأماكن».
لا يمكن تحجيم دور أسماك القرش في النظام البيئي العام للمحيطات. نظرًا لأن العديد من أسماك القرش هي حيوانات مفترسة مهيمنة، فمن المحتمل أن تلعب أدوارًا مهمة في تنظيم استقرار الكائنات الحية الأقل مرتبةً في السلسلة الغذائية. الحيوانات المفترسة أقل عددًا بكثير من العوالق، ولكنها ذات تأثير كبير لأنها تتغذى على الأسماك المفترسة التي تتغذى على الحيوانات العاشبة التي تتغذى على العوالق.
قال نايلور: «إذا أزلنا الحيوانات المفترسة الرئيسية، فإننا نخل بالمنظومة العامة، ويمكن أن يؤدي هذا لشتّى أنواع التغييرات في المنظومة البيئية».
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: livescience