لأجيال عديدة، كانت أعناق الزرافات الطويلة مثالًا رئيسيًا على عملية الانتقاء الطبيعي. بيد أن أحفورة زرافية حديثة تقدم دليلاً على تفسير آخر: يبدو أن نوعًا منقرضًا منذ فترة طويلة قد طور رأسًا وعنقًا مثاليين للقتال، ويبدو أن الزرافات اتبعت خطا ذاك النوع.
وفقًا للقصة الأصلية، يمكن لأسلاف الزرافات ذات الأعناق الأطول من أقرانها الوصول إلى أوراق مغذية أكثر على قمم الأشجار، وبالتالي كانت أكثر حظًا بالبقاء والتكاثر. وورّث نسلها هذه الصفة، ما أدى إلى أعناق طويلة دائمًا.
إلا أن فكرة البقاء للأصلح ليست المحرك التطوري الوحيد. كان داروين يدرك أن الانتقاء الجنسي يلعب أيضًا دورًا مهمًا، وتم التعرف أيضًا على المزيد من التعقيدات منذ أيامه تلك. وضع بعض علماء الحيوان نظرية تقول بأن التنافس على الإناث ساهم بتطور رقاب الزرافات القوية، والأدلة الجديدة المقدمة في مجلة Science تدعم هذه القضية.
تؤرجح ذكور الزرافات رؤوسها أمام بعضها للمطالبة بالسيطرة وفرص التزاوج. قد لا تكون على دراية بفيزياء عزم الدوران، ولكنها اكتشفت أن الأعناق الأطول تعني قوة ضرب أكبر. يستخدم الذكور أيضًا قوة الجمجمة المتأرجحة جيدًا لحمل الإناث على التبول للتحقق من خصوبتها. يا للرومانسية!
إذن، هل تطورت الأعناق لتبلغ أعالي الأشجار، أم لتضرب المنافسين؟ في المسار الطبيعي، قد يكون صعبًا تمييز الأسباب، خاصة فيما يتعلق بالسمات التي تطورت منذ ملايين السنين. ومع ذلك، فإن البروفيسور دينغ تاو من الأكاديمية الصينية للعلوم والمؤلفون المشاركون كانوا محظوظين كفايةً بعثورهم على أحفورة عمرها 16,9 مليون عام في حوض جونغار، شينجيانغ. أطلقوا على النوع الموصوف حديثًا ديسكوكيركس شيجنغ «Discokeryx xiezhi». الديسكوكيركس هو من بين أقدم أفراد فوق الفصيلة المعروفة باسم الزرافيات والتي تقتصر الآن على نوعين من الزرافات.
صرحّ دينغ قائلًا «تميزت مجموعة ديسكوكيركس شيجنغ بالعديد من الخصائص الفريدة بين الثدييات، بما في ذلك تطوير بنية عظمية كبيرة قرصية الشكل [هيكل شبيه بالقرن] في منتصف رأسها».
شُحذت هذه القرون من خلال عملية التطور لتكون فعالة في المواجهات بين الذكور. في الواقع، استنتج المؤلفون أنها فعالة أكثر من مكافئاتها في جماجم الحيوانات الحديثة كثيران المسك التي تتنافس على الهيمنة بطرق مماثلة. تسمكت فقرات عنق الديسكوكيركس لتوفير الدعم في مثل هذه المعارك، ويعتبر مفصل الرأس والرقبة خاصتها الأكثر تعقيدًا على الإطلاق في الثدييات للسبب نفسه.
استنتج المؤلفون أن الزرافات كانت تلجأ للمناطحة لتظفر بالإناث منذ فترة طويلة وقبل امتلاكها هذه الأعناق فارعة الطول. علاوة على ذلك؛ «تبدي أحافير الزرافيات درجة أعلى من التنوع في مورفولوجيا خوذة الرأس من أي مجموعة بيكورية أخرى (Pecora الاسم مشتق من اللاتينية pecos ويعني الماشية ذات القرون)؛ يشير هذا التنوع المرتبط بمورفولوجيا الرأس والرقبة المعقدة إلى المعارك الجنسية الضارية بين الذكور في تطور الزرافيات».
عندما بدأت الزرافات الحديثة في التطور منذ خمسة ملايين عام، كان راسخًا لدى أسلافها استخدام الرأس والرقبة كسلاح. لا شك أن الذكور قد استفادوا من الرقاب الأطول لتطبيق قوة أكبر. ومن المحتمل أن يكون الوصول إلى الأوراق البعيدة عن متناول الحيوانات الأخرى أمرًا ثانويًا، على الرغم من أن أسنان الديسكوكيركس الأقصر بكثير تشير إلى أنه تغذى أيضًا على أوراق الأشجار.
رغم أن الديسكوكيركس قد تناطح في عالم أكثر دفئًا ورطوبة مما هو عليه اليوم، إلا أن حوض جونغار كان آخذًا بالجفاف بفضل ارتقاء هضبة التبت، ما خلق نظامًا بيئيًا شبيهًا بسافانا شرق إفريقيا اليوم.
اختير الاسم شيجنغ للتشابه مع الحيوان الصيني الأسطوري الذي يحمل نفس الاسم، بينما يجمع اسم النوع بين كلمة ديسكو (صفيحة مستديرة) وكيركس (بمعنى قرن).
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: iflscience