منحت قبضة اليد المحسنة ميزةً للأسلاف الذين استخدموا الأدوات متفوقين على أقاربهم من البشرانيات
تشير دراسة جديدة إلى تمتع بعض الأفراد الأقدم من جنسنا البشراني (الهومو) منذ حوالي مليوني سنة بإبهام ببراعة شبيهة بإبهام البشر حاليًا. يمثل هذا الاكتشاف أقدم دليل حتى الآن على التحول التطوري نحو أيدي قوية القبضة تضاهي أيدي صانعي الأدوات البشرية الذين لم يظهروا إلا بعد قرابة 1,7 مليون سنة أخرى.
يقول فريق بقيادة فوتيوس ألكساندروس كاراكوستيس وكاترينا هارفاتي، إن الإبهام الذي مكّن القبضة القوية وحسّن القدرة على التعامل مع الأشياء قد منح الهومو القديم أو سلالة من أشباه البشر وثيقة القرابة ميزة تطورية على معاصريهم من أشباه البشر. اكتشف علماء الأنثروبولوجيا القديمة، من جامعة إبرهارد كارلس في توبنغن في ألمانيا، أن القرد الجنوبي «أسترالوبيثكوس» المنقرض قد استخدم أدواتًا حجرية ولكنه افتقر لبراعة الإبهام ما حد من قدرته على صنع الأدوات.
أجرى الباحثون محاكاة رقمية لدراسة تأثير عضلة رئيسية على حركة الإبهام لدى 12 فرد من أشباه البشر المعثور عليهم سابقًا، وخمسة بشر من القرن التاسع عشر وخمسة قرود شمبانزي. من المثير للدهشة، وفقًا لهارفاتي، أن زوجًا من أحافير الإبهام من جنوب إفريقيا يتجاوز عمرها المليوني عام قد أظهرت خفة الحركة والقوة بصورة مساوية للإبهام البشري الحديث.
يختلف العلماء حول ما إذا كانت الاكتشافات في جنوب إفريقيا تعود لأوائل الهومو أو بارانثروبوس روبستوس، وهو نوع فرعي انتهائي في شجرة تطور البشرانيات. لكن مهارة الإبهام في تلك الأحافير القديمة يمكن مقارنتها بتلك الموجودة في أفراد من أنواع الهومو التي ظهرت بعد حوالي 335000 عام، حسبما أفاد الباحثون في 28 يناير في مجلة Current Biology. يتضمن ذلك إنسان نياندرتال من أوروبا والشرق الأوسط، وإنسان جنوب أفريقي يُدعى هومو ناليدي، والذي يمتلك مزيجًا غير اعتيادي من السمات الهيكلية.
وبالمقارنة، خلصوا إلى أن الهومو أو البارانثروبوس روبستوس امتلكوا إبهامًا أقوى من إبهام ثلاثة أنواع من الأسترالوبيثكوس بعمر عدة ملايين عامًا، و كان قد اقتُرح سابقًا امتلاك اثنان منها أيدي شبيهة بالبشر.
تقول هارفاتي: «من المحتمل أن الأوسترالوبيثكوس كان قادرًا على تأدية معظم حركات اليد [المتعلقة بالأدوات]، إنما ليس بكفاءة البشر أو أنواع الهومو الأخرى التي درسناها». تدنو حصيلة مهارات الأدوات لأنواع الأسترالوبيثكوس من تلك الخاصة بالشمبانزي الحديث الذي يستخدم الأغصان لجمع النمل الأبيض والصخور لكسر الجوز.
ذهب فريق هارفاتي أبعد من الجهود السابقة التي ركزت فقط على حجم وشكل عظام أيدي أشباه البشر القدامى. باستخدام بيانات من البشر والشمبانزي حول كيفية تفاعل عضلات اليد والعظام أثناء الحركة، أنشأ الباحثون نموذجًا رقميًا ثلاثي الأبعاد لمحاكاة كيفية ارتباط عضلة الإبهام الرئيسية –العضلة المقابلة للإبهام– بعظم متوضع في قاعدة الإبهام وآلية عملها على ثني مفصل الإصبع راحيًا.
تؤكد هذه النماذج الجديدة لعمل الإبهام القديمة على بطء تطور يد البشرانيات، وفقًا لعالم الأنثروبولوجيا القديمة ماثيو توشيري من جامعة ليكهيد في ثاندر باي، كندا. صنع الأسترالوبيثكوس أدواتًا حجريةً واستخدمها منذ حوالي 3,3 مليون سنة. «لكننا لا نلاحظ تغييرات كبيرة في الإبهام إلا منذ حوالي مليوني عام، وبعد فترة وجيزة أصبحت القطع الأثرية الحجرية أكثر شيوعًا في جميع أنحاء المشهد الأفريقي».
تقول كارول وارد عالمة الأنثروبولوجيا القديمة بجامعة ميسوري في كولومبيا إن نماذج كاراكوستيس وهارفاتي ثلاثية الأبعاد لبراعة الإبهام القديمة تمثل تقدمًا واعدًا. وتضيف أننا بحاجة إلى بزل جهد أكبر لدراسة كيفية تفاعل عضلات الإبهام الأخرى مع العضلة المقابلة للإبهام للتأثير على كيفية عمل هذا الإصبع في أنواع مختلفة من أسلاف الإنسان.
في اكتشاف ذي صلة، ذكرت وارد وزملاؤها -من ضمنهم توشيري- في عام 2014 أن أحفورة إصبع البشرانيات ذات الـ 1,42 مليون عام تقريبًا والقادمة من شرق إفريقيا تشير إلى ظهور مبكر لمهارات تلاعب شبيه بالمهارة البشرية.
ترجمة: حاتم زيداني
المصدر: sciencenews