إن التطور العضوي هو تغير تدريجي بطئ في الأحياء لتعطي أنواعًا جديدة، بحيث تتغير الحياة من البسيط إلى المُعقد، ومن عدد قليل من الأسلاف إلى التنوع الكبير الذي نشهده حاليًا.
وبذلك .. فإن الكائنات الحية التي تعيش حولنا الآن قد أتت ؛ نتيجة لتغيرات أو تحولات تطورية محدودة في مجموعات بسيطة من الكائنات، استمرت لملايين السنين، حتى وصلت إلى ما نراها عليه الآن.
ويشمل التطور العضوي التغيرات التي تحدث فى المجموعات البيولوجية التي تعيش مع بعضها، وتنتمي إلى الأنواع نفسها لتعطي أنواعًا جديدة، ويلعب تكيف الكائن مع البيئية التي يعيش فيها دورًا أساسيًا في تطوره؛ حيث يترتب على ذلك أن تظهر للكائن صفات، وأعضاء خاصة تساعده على المعيشة في البيئة الجديدة، فمثلا تمتلك مختلف أنواع عائلة القط أنيابًا حادة في مقدمة الفم، تستخدمها في ثقب لحم الفريسة بينما تمتلك ضروسًا لها شفرات حادة في خلف الفم، تُستخدم في تقطيع لحم الفريسة إلى شرائح.
أما الجياد .. فإنها تكون مزودة بأسنان أمامية تُشبه الأزميل لقرض الحشائش، بينما تكون الضروس الخلفية عريضة لطحن الغذاء الذي قطعته الأسنان الأمامية، ولذلك فإن التطور يعمل على تغير الصفات الموجودة بالفعل في الكائن ليجعله أكثر قدرة على أداء وظائفه الحيوية كما يصبح أكبر قدرة على التواؤم مع البيئة التي يعيش فيها.
ومن الواضح أيضا أن التطور العضوي هو تغير في بنية أو تركيب الكائن، فعندما نجد مجموعة من الأحياء تشترك في بناء بيولوجي أساسي مشترك، فإن هذا يشير إلى أنها ترجع إلى أصل مشترك تطورت عنه؛ فمثلا تشترك كل الثدييات في أن لها أسنانًا ذات جذور تمتد في عظام الفك، كما تتكون من عاج الأسنان، والمينا، وهو ما يعكس إلى انتمائها إلى أصل وراثي واحد نشأت منه في البداية.
التطور التاريخي لفكرة التطور : –
لقد كان حكماء اليونان أول من نظر في كيف تتغير الأحياء مع الزمن منذ ما يزيد عن ستة قرون قبل الميلاد؛ حيث ذكر (أنكسمندر)، والذي وُلد عام 610 قبل الميلاد «أن الحياة خلقت من خليط من الماء والطين، والذى سُخن بفعل أشعة الشمس .. فنتجت الحيوانات الأولى، والتي كانت كثيفة، وقبيحة وغير منظمة ، ثم نشأت مخلوقات جديدة أكثر انتظامًا، وقدرة على التنوع، ثم خُلق الإنسان من الأسماك».
كما تحدث (أمبدوكليس) بعد ذلك بقرن من الزمان عن تسلسل خلق الأحياء، وليس معروفًاعلى وجه اليقين ما إذا كان حكماء اليونان قد توصلوا إلى هذه الأفكار، بأنفسهم أم نقلوها عن المصريين القدماء.
وقد تطور الفيلسوف اليوناني أرسطو وآخرون من بعده فكرة سلسلة الكائنات، والتي تعني وجود تدرج كامل في عالم الأحياء من أبسط الأحياء إلى أعقدها.
وقد تصور هؤلاء أن كل نوع يحتل درجة من سلم الحياة لا يبرجها، ولا يمكنه أن يتحول إلى أى شيئ أخر، وقد بقى هذا التصور سائدًا لقرون عديدة بعد ذلك، حتى جاء (لينيوس) في القرن الثامن عشر.
وقد كان العرب أول من تكلم بأسلوب علمي عن مبدأ النشوء، والارتقاء من أول عصور الحضارة العربية؛ حيث يوجد في رسائل (إخوان الصفا)
– وخاصة الرسالة العاشرة – ما يشير إلى أنهم توصلوا لكثير من المبادئ الأولية، والقواعد العامة كما اجتهدوا في تسجيل كثير من المشاهدات التي تثبت مدلولاتها إشارات إلى الوراثة، والانتخاب الطبيعي، والانقارض وغيرها.
كما أشار عديد من علماء العرب بعد ذلك إلى فكرة النشوء، وتحول الاحياء، أمثال (ابن مسكويه) المتوفي عام 421 هجرية في كتابيه ( الفوز الأخير) و (تهذيب الأخلاق)، و(ابن خلدون) فى مقدمته الشهيرة و(الجاحظ) فى كتابه ( الحيوان).
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: رحلة البيجل | الطريق إلى الانتقاء الطبيعي