انتقل أسلافنا الأوائل منذ ملايين السنين من نظام غذائي قائم على الأشجار والشجيرات الصغيرة إلى البحث عن الطعام على الأرض. وقد أحدث هذا كل الاختلاف في تطور الإنسان.
شَكَّـل التحول تجاه النظام الغذائي المُعتمِد على الأعشاب خطوةً بارزةً نحو تنوع عادات الأكل، والتي أصبحت سمة إنسانية أساسية قد جعلت من البشر الأوائل أكثر مرونةً وقابليةً للحركة وتأقلمًا مع بيئتهم.
أوضح دليل جديد نُشر بواسطة فريق بحث أن هذا التحول البارز حدث مبكرًا عما اعتقده العلماء سابقًا بحوالي 400 ألف عامًا، مما يُعطي صورة أكثر وضوحًا عن الزمن الذي حدث فيه التغير السريع في الظروف التي شكَّـلت تطور الإنسان.
تقول الباحثة الرئيسة ناومي ليفين، في تقرير نُشر في «دورية الأكاديمية الوطنية للعلوم- Proceedings of the National Academy of Sciences»: »التحول الغذائي هو واحدٌ من مجموعة من التغيرات التي حدثت أثناء حقبة البليوسين*. حيث أشار سجل الحفريات إلى أن أسلاف البشر بدأوا بتقضية وقت أكثر على الأرض سائرين على قدمين. وفهم توقيت هذه الأحداث يُساعد على توضيح كيف تترابط هذه التغيرات.«
تقول ليفين: «الإدراك الجوهري لمتى حدثت هذه التغيرات الغذائية بين البشر الأوائل سيساعدنا على فهم قصتنا في التطور. وذلك فيما يتعلق بالتغيرات في قدرتنا على أن نكون كائنات أرضية ثنائية الأقدام.»
أخبرت ورقة بحثية عن تحليل لحفرية أسنان وُجِدَت في إثيوبيا. وهي تبين أن التحول من نظام الغذاء القائم على الأشجار والشجيرات إلى نظام يتضمن الأغذية القائمة على العشب- قد حدث منذ حوالي 3.8 مليون سنة- مبكرًا عما افترضه البحث السابق تقريبًا بـ 400 ألف سنة. (الأغذية القائمة على العشب لا تتضمن الأعشاب وجذورها فحسب، بل تشتمل على الحشرات والحيوانات التي تأكل العشب.)
تقول ليفين: «التحول في العادات الغذائية قد يكون وَسَّـع من آفاق أسلافنا وحَسَّـن من قدرتهم على البقاء».
يمكنك بعد ذلك التمدد على نطاقٍ أوسع
تقول ليفين هذا عن أسلافنا البشر والأنواع ومنها (أسترالوبيثكس أفارينسس- Australopithecus afarensis) وهو نوع بشري منقرض منذ 3 مليون عامًا وتمثله الحفرية الأكثر شهرة (لوسي-lucy). تضيف ليفين: «يمكنك أن تكون في أماكن أكثر وأن تكون أكثر مرونةً مع التغيرات الحاصلة في الموطن.»
يقول الباحث المساعد يوهانس بمتحف كليفلاند للتاريخ الطبيعي: «يكشف هذا البحث عن رؤى مفاجئة في التفاعلات بين الشكل الخارجي والسلوك لرئيسيات حقبة البليوسين*. ولا تشير النتائج للبداية المبكرة لاستهلاك الغذاء القائم على الأعشاب بين إنسان (الهومينن-hominin) و(قرود الرباح-baboons) فحسب، بل أيضًا تشير إلى أن الشكل لا يسبق الوظيفة دائمًا. فقد تحول غذاء قردة الرباح للعشب قبل أن تتشكل أسنانها لتتخصص وتلائم الرعي وجزّ العشب. مما يعني أن وظيفة أكل العشب سبقت تعديل الشكل عند القردة.»
تقول ليفين: « قام الباحثون بتحليل 152 حفرية أسنان من مجموعة حيوانات تشتمل على الخنازير والظباء والزرافات وأسلاف البشر، والتي تم تجميعها من مساحة تقدر بـ 100 ميل مربع تقريبًا حيث هي الآن إقليم عفار في إثيوبيا. كانت هناك بين العينات أسنان من إنسان الهومينن –بما يتضمن الإنسان الحديث وأسلافنا المنقرضين- اعتُقِـد أنها تمثل 16 فردًا مختلفًا.»
تم فحص توزيع نظائر الكربون في هذه الأسنان. حيث أن نظائر الكربون هي العلامة التي تستطيع تمييز أنواع الأطعمة التي تناولتها الحيوانات. أوضحت البيانات أن كلًا من أسلاف الإنسان والأسلاف المنقرضة لقردة الرباح كانوا يأكلون كميات كبيرة من أغذية أساسها العشب في وقت مبكر قبل 3.76 مليون سنة مضت. في حين أرَّخ بحثٌ سابق أكثر الأدلة المبكرة على الأطعمة القائمة على العشب في أنظمة البشر الغذائية إلى ما قبل 3.4 مليون عامًا مضت.
لم يستطع الباحثون بحسم إرساء رابط بين التغيرات البيئية الخارجية وبين الأنظمة الغذائية لإنسان الهومينن وقردة الرباح، ولكن بدلًا من ذلك قاموا بإرجاع سبب التوسع الغذائي إلى التغيرات في العلاقات بين أعضاء المجتمعات الأولى بإفريقيا، مثل مظهر الأنواع الجديدة للرئيسيات.
تقول ليفين: « يُعَدّ التوقيت عنصرًا حساسًا في فهم السياق الذي جرى فيه التوسع الغذائي بين البشر القدامى، وذلك في ارتباطٍ بما كان يحدث في المناخ العالمي، وفي المجتمعات النباتية في إفريقيا، وبين الثدييات الأخرى، وكذلك من حيث التغيرات التطورية التي حدث بين البشر القدامى. إن عرفنا توقيت هذه الأحداث فسوف نستطيع أن نربطها جميعًا ببعضها.»
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: كيف وقع البشر الأوائل في حب الخبز والبيرة والكربوهيدرات الأخرى؟