تعتبر رحلة البيجل (1831-1836) واحدة من أشهر وأهم الرحلات العلمية في التاريخ والتي قام بها عالم الطبيعة الشاب «تشارلز داروين» على متن الباخرة بيجل. وخلال هذه الرحلة، اهتم داروين بدراسة الظواهر الجيولوجية والحيوانات والنباتات وشعوب الأراضي التي قام بزيارتها. لقد صاغ داروين ما أسماه بـ «الانتقاء الطبيعي» بعد عودته من تلك الرحلة. ويُذكر أن داروين قد أستهل كتابة «أصل الأنواع»؛ والذي قام بنشره عام (1859)، بعبارة شهيرة: «عندما كنت على متن السفينة بيجل؛ كعالم للطبيعة، فقد صُدمت بشدة ببعض الحقائق».
في عام (1831)؛ تلقى داروين دعوة للانضمام إلى السفينة بيجل كعالم للطبيعة وذلك للقيام برحلة حول العالم والتي بدأت من إنجلترا إلى أمريكا الجنوبية، ثم إلى المحيط الهادي وجزر غالاباغوس، وذلك قبل العودة عبر أستراليا وموريشيوس وجنوب إفريقيا. على مدار السنوات الخمس التالية لذلك، تحركت بيجل بامتداد ساحل أمريكا الجنوبية، تاركة لداروين الحرية لاستكشاف القارة والجزر المحيطة. كما قام داروين بـملئ العشرات من الملاحظات الدقيقة على الحيوانات، والنباتات، والظواهر الجيولوجية، وقد قام بجمع الآلاف من العينات.
وصف داروين هذه الرحلة بأنها الحدث الأهم في حياته وتُعد الانطلاقة لحياته المهنية بأكملها حيث زودته بمعرفة أساسية في الجيولوجيا والبيولوجيا بالإضافة إلى دراسة الأنواع الحيوانية المختلفة. قبل بدأ الرحلة، كان داروين -في سن الـ (22)- لا يزال يخطط لمهنة كرجل دين. ولكنه في الوقت الذي عاد فيه، كان عالمًا طبيعيًا معروفًا في الأوساط العلمية وذلك بفضل العينات والملاحظات التي قام بإرسالها خلال فترة الرحلة
سفينة البيجل
كانت السفينة بيجل جزءً من الأسطول البحري الملكي والذي يبلغ طولها (27) مترًا. وكان على متن السفينة (74) شخصًا، وعددًا لا يحصى من اللوازم والإمدادات و(22) ساعة، وكلها مخزنة في أماكن صغيرة جدًا(3). لم يكن يتخيل داروين مدى صغر السفينة، حيث بلغت مقصورة مؤخرة السفينة (10) أقدام و(11) قدمًا (طولًا وعرضًا) والتي تقاسمها داروين ورجلين آخرين خلال النهار. بينما للنوم، علق داروين أرجوحة فوق الطاولة وعلى بُعد قدمين فقط من السقف.
مسار الرحلة
من إنجلترا، أبحرت سفينة البيجل جنوبًا نحو الرأس الأخضر قبالة الساحل الغربي لأفريقيا، ثم اتجهت إلى البرازيل. ثم قام بمسح ساحل الأرجنتين وجزرفوكلاند قبل الدوران حول كيب هورن، متجهًا إلى ساحل المحيط الهادئ في أمريكا اللاتينية شمالًا ثم إلى جزر غالاباغوس(3).
من جزيرة غالاباغوس، تحركت السفينة عبر المحيط الهادئ إلى سيدني- أستراليا، قبل الانتقال إلى موريشيوس في المحيط الهندي ثم إلى كيب تاون بجنوب إفريقيا. من كيب تاون، عبرت سفينة البيجل المحيط الأطلسي مرة أخرى، مرورًا بالساحل البرازيلي، عائدًا مرة أخرى إلى إنجلترا(3).
بعض استكشافات الرحلة
في البرازيل، اختبر داروين الغابات المطيرة للمرة الأولى؛ قام بجمع العينات وتقديم الملاحظات الميدانية الدقيقة. في الأرجنتين وجزر فوكلاند، استطاع داروين الحصول على عدد لا يحصى من الحفريات، والبقايا، والاكتشافات الجيولوجية.
لقد كان لاستكشاف جزر غالاباغوس تأثيرًا عميقًا على تشارلز داروين، حيث كان قادرًا على رؤية آثار التطور عن كثب وقد ساعدت الاختلافات العديدة بين الحيوانات والنباتات على الجزر في إثبات نظريته. وقد يتفاجئ البعض أنه بالرغم من كل هذا التأثير العميق إلا أن داروين قد قضى في جزر غالاباغوس ما يقرب من خمسة أسابيع فقط. تُعد جزر غالاباغوس وجهة شهيرة لعلماء الطبيعة وسياح الحياة البرية، وهي من أكثر المناطق الفريدة من نوعها ولها أهمية كبيرة من الناحية العلمية، والبيولوجية على هذا الكوكب والتي تقع على امتداد خط الاستواء وعلى بعد حوالي (600) ميل إلى الغرب من قارة أمريكا اللاتينية في المحيط الهادئ.
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: الشريان الأوسط: هل يطور الجسد البشري شريانًا جديدًا في الساعد؟