نعلم أن دورة الطمث أو الحيض – Menstrual cycle هي عملية فسيولوجية طبيعية تحدث شهريًا للإناث البالغات عندما لا يتم تخصيب البويضة الأنثوية بالحيوانات المنوية الذكرية خلال مدة معينة من الزمن؛ ولكن إذا ابتعدنا قليلًا ورأينا الموضوع من منظورٍ أشمل، فالإنسان وهو أكثر الكائنات تطورًا ينتمي إلى تصنيف كبير ومتشعب وهو المملكة الحيوانية، فهل عملية الطمث هي عملية خاصة بالإنسان فقط وتطبيقٌ على تربعه على عرش طائفة الثدييات والمملكة الحيوانية ككل؟ أم أن علم الفسيولوجيا لا يفرق بين ثديي وآخر وعملية الطمث حاضرة في كل الكائنات بصورة أو بأخرى؟
دورة الحيض في الإنسان
في الإنسان، تبدأ الدورة الشهرية الأولى بمساعدة مجموعة من الهرمونات التي تساعد على نمو الغشاء المبطن لجدار الرحم الداخلي أو كما يُسمَّى بطانة الرحم – Endometrium استعدادًا لاستقبال الجنين الناتج من إخصاب البويضة التي ينتجها المبيض -وهو الغدة الجنسية في الجهاز التناسلي الأنثوي-؛ وخلال عملية التبويض – Ovulation تحدث انقسامات عديدة للخلايا داخل المبيض تبدأ بالخلايا التناسلية الأولى – Pre Germinal Cells وتنتهي بالبويضة – Ovum التي -عند البلوغ- تنتقل من المبيض إلى الرحم عن طريق أهداب قناة فالوب – Fallopian tube. وهنا مفترق الطرق الذي يقود إلى السيناريوهين المغايرين:
- الأول هو تخصيب البويضة عن طريق اندماجها بالحيوان المنوي، ويتم ذلك في الثلث الأول من قناة فالوب؛ حيث تنتقل البويضة المخصبة وتتطور من خلال العديد من الانقسامات الخلوية وهي في طريقها للاستقرار في الرحم، وفي هذه الحالة تعمل بطانة الرحم كدعامة للرحم لتمكنه من استقبال الجنين القادم والتي تساهم لاحقًا في تكوين المشيمة – Placenta -التي تلعب دورًا أساسيًا في عملية الحمل-، فتعمل المشيمة مع الحبل السرّي كحلقة الوصل بين الأم والجنين، فتمده باحتياجاته من الغذاء والأكسجين، وتساهم في إخراج الفضلات وغاز ثاني أكسيد الكربون، كما إنها تقوم بإفراز هرمونات مهمة لاستمرار الحمل.
- أما في حالة عدم الإخصاب، فهنا تفقد بطانة الرحم دورها التي وجدت من أجله، فتتفكك وتنفصل عن جدار الرحم، وحيث إنها منطقة غنية بالأوعية الدموية؛ ينزل دم الحيض إلى خارج الجسم عن طريق المهبل – Vagina في صورة الحيض (الدورة الشهرية) وتتكرر الدورة شهريًّا.
هذا في الإنسان، فماذا يحدث في باقي الثدييات؟
في الحقيقة، وجد العلماء أن عملية الطمث مقتصرة فقط على الإنسان والقرود وبعض أنواع الخفافيش بالإضافة إلى زبابة الفيل -وهو نوع من أنواع الثدييات يشبه القوارض يتغذى على الحشرات ويتميز بأنف مدبب وطويل-، عدا ذلك فإن جميع الثدييات تتكاثر من خلال الدورة النزوية أو الوِداق.
ما هو الوداق؟
الوِدَاق أو دورة الشبق أو الدورة النَزوية – Estrous Cycle أو كما تُسمَّى أيضًا Heat cycle أو الاحترار هي الفترة التي تكون فيها الثدييات نشطة جنسيًا وعلى استعداد للتزاوج، والتي تحدث تحت تأثير الهرمونات التناسلية المسؤولة عن ذلك، ولكن بالرغم من أن الأجهزة التناسلية لدى الثدييات جميعها متشابهة تقريبًا ولديها نفس الغدد الجنسية الرئيسية المفرزة للأمشاج والهرمونات الجنسية (الخصية والمبيض)، إلا أن الدورة النزوية في معظم الثدييات تختلف بشكل كبير عن دورة الطمث الشهرية في الإنسان الذي بدوره يؤثر على وضع النشاط الجنسي بشكل عام.
مراحل الدورة النزوية
تتكون الدورة النزوية أو الوداق من خمس مراحل أساسية وهي:
- مقدمات الوداق – Pro estrus: وهي المرحلة التي تسبق نمو بطانة الرحم وبدء التبويض مباشرة.
- الشبق – Estrus: المرحلة التي يبدأ فيها التبويض، وتظهر فيها أعراض النشاط الجنسي والهياج.
- ما بعد الوداق – Met estrus: وهي المرحلة التي تلي الشبق، وتتميز بزوال النشاط الجنسي وتكون الجسم الأصفر – Corpus luteum
- هجوم الودق – Di estrus: وفي هذه المرحلة يقوم الجسم الأصفر بإفراز هرمون البروجسترون الذي يساهم في نجاح الحمل.
- التجفر – An estrus: وهي الفترة التي تفصل بين الدورات النزوية، والتي يصاحبها الخمول الجنسي الشامل.
الفرق ما بين الدورة النزوية ودورة الطمث يتمثل في التبويض، فأنثى كل من الإنسان والقرود والقليل من الثدييات تقوم بإنتاج بويضة واحدة شهريًا ويصاحبها نمو في بطانة الرحم، وفي حالة عدم الإخصاب تسقط هذه البطانة على هيئة نزيف، أما في باقي الثدييات فإن عملية التبويض تتم مرة واحدة في العام كالدببة والذئاب والثعالب، أو عدة مرات كالفئران والأبقار، أو عدة مرات في مواسم معينة كالأحصنة التي تنشط في الصيف والربيع، والغزلان والمعيز التي تنشط في الخريف والشتاء، ويصاحب ذلك أيضًا نمو في بطانة الرحم لاستقبال الجنين وفي حالة عدم الإخصاب فإن بطانة الرحم تُمتص بواسطة الرحم مرة أخرى لذلك لا يحدث نزيف.
أيضًا من الفروق الأساسية بين الدورتين هي أن الدورة النزوية هي النشاط الجنسي، حيث إن الكائنات التي تتبع دورة الطمث يمكن أن تستثار جنسيًا في أي وقت حتى وإن لم يكن هناك تبويض، كما أنه لا توجد مظاهر خارجية ثابتة تدل على وقت التبويض أو الرغبة في التزاوج، على عكس الكاثنات التي تتبع الدورة النزوية التي تُظهر صفات عديدة خلال فترة التبويض تشير إلى الحاجة للتزاوج وتتباين هذه الصفات بتباين الكائنات، هذه الصفات تحدث نتيجة زيادة تركيز الهرمونات الجنسية؛ التستوستيرون – Testosterone في الذكر، والإستروجين- Estrogen في الأنثى.
ففي بعض الثدييات يفرز الجلد موادًا كيميائية خاصة تُسمَّى الفرمونات – Pheromones فيقوم الذكور بالتناطح وصرع بعضهم بعضًا للتنافس وإظهار القوة ونيل إعجاب الأنثى. أما في الإناث، فتقوم الفيرمونات بجذب الذكور عن طريق الرائحة والتي تُفرز من الجلد أو عن طريق البول. أما في العموم، فتستطيع الحيوانات التعبير عن الرغبة في التزاوج بطرق عدة منها باستخدام الأصوات المختلفة، بالإضافة إلى الرقصات والحركات التي تثير انتباه الطرف الآخر.
وكما قلنا فإن الأعراض قد تختلف من كائن لكائن آخر، فإذا أخذنا القط المنزلي على سبيل المثال سنجد أن الأنثى تظهر بها عدة مظاهر أهمها:
– تورم الأعضاء التناسلية وزيادة الإفرازات المهبلية
– الحركة السريعة وعدم الاستقرار في مكان معين
– كثرة الاحتكاك بالأثاث وبالجدران وكذلك البشر وأخذ وضع التزاوج
– المحاولة المتكررة للخروج من المنزل عند أقرب فرصة
– نشر الإفرازات الجنسية في أرجاء المنزل لتحديد المنطقة التي تقيم بها الأنثى وجذب الذكر.
تم نقل المقال من مجلة الباحثون المصريون بالتصرف.
اقرأ أيضًا: كيف تحافظ الثدييات على التناسق في أثناء النمو