يُعد الشريان الأوسط (Median artery) الموجود في الساعد البشري مثالًا حيًّا على التطورات الصغرى التي تطرأ على تكوين الجسد البشري تبعًا للأبحاث التي قام بها العلماء من جامعات فليندرز (Flinders)، وأديلايد (Adelaide)، وزيورخ (Zurich)، و نيو ساوث ويلز (New south wales).
الشريان الأوسط هو مصدّر الدّم الرّئيسي للساعد واليد خلال فترة تكونهما في رحم الأم. ولكن عندما يتكون الشريانان الآخران الموجودان في البالغين يختفي الشريان الأوسط. في الغالب ما يُستبدل بالشريان الكعبري والشريان الزندي أثناء فترة تكوّن الجنين في الرحم، لذا لا يملك أغلب البالغين الشريان الأوسط. ولكن حاليًا، يزداد عدد الحالات التي تستبقي هذا الشريان، فيمتلك البالغون فيها الشرايين الثلاث. [1]
يتواجد الشريان الأوسط في حوالي 35% من الأشخاص حاليًا، ويتوقّع الباحثون أنّ كل من سيولد بعد 80 عامًا من الآن سيحملون هذا الشريان الزائد إذا استمر هذا النمط. [2]
يُصرِّح البروفيسور ماسيج هينيبرج، الكاتب الرّئيسي والباحث في الأنثروبولوجيا البيولوجية ووحدة التشريح المقارن بجامعة أديلايد، ومعهد الطب التطوّري بجامعة زيورخ قائلًا:
«لوجود الشريان الأوسط فائدة كبيرة، حيث يُزيد من كمية الدم التي تصل لليد، كما يُمكن استخدامه كبديل خلال العمليات الجراحيّة في الأجزاء الأُخرى من الجسم»
ويكمل قائلًا:
«هذا التطوُّر الأصغر في العصر الحديث الذي يعد الشريان الأوسط مثالًا مُمتازًا على استمراره، حيث ينتشر بين الأشخاص المولودين في العصور الحديثة أكثر من الأجيال القديمة»
في هذه الدراسة، أراد البروفيسور هينبرج وزملائه إيجاد مُعدَّل ثبات الشريان بعد الولادة خلال الأعوام ال 250 الماضية، واختبار فَرضيّة زيادة انتشاره على مدىً طويل. وبالفعل، وجدوا 26 شريانًا وسطيًّا في 78 ذراعًا لأُستراليين تتراوح أعمارهم بين 51 و101 عام (بمعدل انتشار 33.3%).
أمّا الطبيب تيجان لوكاس، الباحث في علم الآثار بجامعة فليندرز وكلية العلوم الطبية بجامعة نيو ساوث ويلز فقد وضَّح قائلًا:
«أظهرت دراستنا لمعدل انتشار الشريان بين الأجيال أن تطوُّر البشر المعاصرين يحدث بشكل أسرع من أي وقت مضى خلال ال 250 عامًا الفائتة»
ويستكمل حديثه:
«منذ القرن الثامن عشر، يدرس علماء التشريح معدل انتشار هذا الشريان في البالغين، وتشير دراستنا لزيادة هذا المعدل زيادةً واضحة، بمقارنة نسبة انتشاره في مواليد منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر وهي 10% مع نسبته في مواليد نهاية القرن العشرين وهي 30%، فإن هناك زيادة جلية خلال فترة من الزمن تعتبر قصيرة بالنسبة لعلم التطور»
ثم يُضيف:
«قد تكون هذه الزيادة نتيجة لطفرة في الجينات المسؤولة عن نمو الشريان الأوسط، أو بسبب مشكلات صحيّة تعاني منها الأم خلال فترة الحمل، أو ربما كليهما معًا، إذا استمر هذا النمط، فبحلول عام 2100 سوف يكون لدي أغلب الناس شريانًا أوسطًا في الساعد، وحينما يصل معدل انتشار الشريان الأوسط لأكثر من 50%، لن يُعتبر أمرًا متفاوت الحدوث، بل جزءًا طبيعيًّا من التشريح البشري»
نُشرت ورقة الفريق البحثية في مجلة علم التشريح (Journal of Anatomy).
اقرأ أيضًا: ما الذي جعلنا فريدين من نوعنا؟