قبل ما يقرب من أَلْف عام، تمخَّض تغيير في العادات الغذائية الأوروبية بسبب المعتقدات الدينية عن تطور الدجاجِ المستأنس الذي نعرفه في العصر الحديث.
هَلْ تَساءَلْتَ يَوْمًا: لِماذا لا يَثُورُ الدَّجاجُ عَلَى البَشَرِ؟ لِماذا يَرْضَى بِالعَيْشِ فِي الحَظِيرَةِ الَّتِي وَضَعَهُ فِيها الإِنْسانُ؟ حَسَنًا، يُمْكِنُ أَنْ يُساعِدَنا العِلْمُ عَلَى فَهْمِ هَذا الأَمْر.
“إِنَّ الأَنْواعَ المُسْتَأْنَسَةَ مُثِيرَةٌ لِلِاهْتِمامِ حَقًّا، لِأَنَّ تَكْوِينَها الجِينِيَّ قَدْ شَهِدَ تَغَيُّرًا مَلْحُوظًا كَجُزْءٍ مِنْ عَمَلِيَّةِ الِانْتِقالِ مِنَ الحَياةِ البَرِّيَّةِ إِلَى حَياةِ الِاسْتِئْناس”.
ليزا لووج، العالِمَةُ المُتَخَصِّصَةُ فِي عِلْمِ الوِراثَةِ التَّطَوُّرِيَّةِ والأَنثروبُولوجيا بِجامِعَتَيْ أكسفورد وكامبريدج.
“وبِالفِعْلِ عِنْدَما قارَنَ العُلَماءُ الحَيَواناتِ المُسْتَأْنَسَةَ الحَدِيثَةَ بِأَقْرِبائِها فِي البَرِّيَّةِ، تَوَصَّلُوا إِلَى وُجُودِ جِيناتٍ تَعْكِسُ بِالفِعْلِ عَلاماتِ انْتِخابٍ حَدِيثٍ قَوِيٍّ. مِنْ بَيْنِ تِلْكَ الجِيناتِ مُسْتَقْبِلُ الهُرْمُونِ المُنَشِّطِ لِلْغُدَّةِ الدَّرَقِيَّةِ، (والمَعْرُوفُ بِاسْمِ TSHR). وفِي الدَّجاجِ، ثَبَتَ أَنَّ مُتَغَيِّرًا مِنْ هَذا الجِينِ مُنْتَشِرًا فِي السُّلالاتِ الحَدِيثَةِ يَتَسَبَّبُ مُباشَرَةً فِي جَعْلِ الدَّجاجِ أَقَلَّ خَوْفًا مِنَ البَشَرِ وأَيْضًا أَقَلَّ عَداءً تِجاهَ الحَيواناتِ مِنَ النَّوعِ نَفْسِه”.
ولَكِنْ مَتَى بِالتَّحْدِيدِ حَدَثَ الِانْتِخابُ الطَّبِيعِيُّ لِهَذِهِ السِّماتِ، ومِنْ ثَمَّ هذا المُتَغَيِّرُ الجِينِي؟
“نَظَرًا لِلْفَوائِدِ المُحْتَمَلَةِ لِهَذِهِ السِّماتِ فِي تَرْبِيَةِ الحَيَواناتِ المُسْتَأْنَسَةِ، فَقَدْ أُشِيرَ إِلَى أَنَّ انْتِخابَ هَذا الجِينَ لا بُدَّ وأَنَّهُ حَدَثَ عِنْدَ اسْتِئْناسِ الدَّجاجِ لِلْمَرَّةِ الأُولَى قَبْلَ سِتَّةِ آلافِ عامٍ تَقْرِيبًا فِي شَرْقِ آسيا. ولَكِنْ عَلَى المِقْياسِ الزَّمَنِيِّ لِلتَّطَوُّرِ، فَإِنَّ هَذِهِ الفَتْرَةَ بَسِيطَةٌ لِلْغايَةِ، كَلَمْحِ البَصَرِ، ولا نَعْرِفُ ولا يُمْكِنُنا تَحْدِيدُ مَتَى حَدَثَ هَذا الِانْتِخابُ بَيْنَ سِتَّةِ آلافِ عامٍ مَضَتْ واليَوْمِ بِاسْتِخْدامِ بَياناتٍ مِنَ الدَّجاجِ المَوْجُودِ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ فَحَسْبُ.. ولَكِنْ بِاسْتِخْدامِ الحِمْضِ النَّوَوِيِّ مِنَ المَوادِّ الأَثَرِيَّةِ يُمْكِنُنا أَنْ نَتَتَبَّعَ ما حَدَثَ مَعَ أَحَدِ الجِيناتِ عَلَى مَدارِ الزَّمَنِ، ونَتَوَصَّلَ نَظَرِيًّا إِلَى تَوْقِيتِ حُدُوثِ التَّغَيُّراتِ فِي أَحَدِ الأَنْواع”.
فَحَصَتْ لووج وزُملاؤُها تَسَلْسُلاتِ جِينِ مُسْتَقْبِلِ الهُرْمُونِ المُنَشِّطِ لِلْغُدَّةِ الدَّرَقِيَّةِ فِي البَقايا القَدِيمَةِ لِما يَقْرُبُ مِنْ سِتِّينَ دَجاجةً وُجِدَتْ فِي أُوروبا، “تَوَصَّلْنا إِلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الِانْتِخابَ فِي هَذا المَوْضِعِ الجِينِيِّ تَحْدِيدًا حَدَثَ قَبْلَ ما يَقْرُبُ مِنْ أَلْفِ عامٍ فَقَط، فِي العُصُورِ الوُسْطَى، أَيْ بَعْدَ خَمْسَةِ آلافِ عامٍ مِنَ اسْتِئناسِ الدَّجاجِ لِلْمَرَّةِ الأُولَى”.
“ومِنَ المُثِيرِ لِلِاهْتِمامِ أَنَّ هَذِهِ الفَتْرَةَ تَزامَنَتْ مَعَ زِيادَةٍ مَلْحُوظَةٍ فِي اسْتِهْلاكِ الدَّجاجِ، وهُوَ ما تَوَصَّلْنا إِلَيْهِ مِنَ السِّجِلِّ الأَثَرِيِّ. ويُشِيرُ المُؤَرِّخُونَ إِلَى أَنَّ العامِلَ المُحَفِّزَ الرَّئِيسِيَّ وَراءَ هَذِهِ التَّغَيُّراتِ كانَ انْتِشارَ اعْتِناقِ المَسِيحِيَّةِ، والَّتِي لَمْ تُشَجِّعْ تَناوُلَ لُحُومِ الحَيَواناتِ مِنْ ذَواتِ الأَرْبَعِ، بَلْ مَنَعَتْهُ فِي بَعْضِ الأَحْيان”.
ولَكِنَّ الطُّيورَ كانَتْ تُمَثِّلُ هَدَفًا مُناسِبًا.
“والمُثِيرُ للحَماسَةِ حَقًّا فِي هَذِهِ الدِّراسَةِ الجَدِيدَةِ أَنَّهُ يُمْكِنُنا لِلْمَرَّةِ الأُولَى أَنْ نَرْبِطَ مُباشَرَةً بَيْنَ التَّغَيُّراتِ الجِينِيَّةِ فِي الحَيَواناتِ المُسْتَأْنَسَةِ والتَّغَيُّراتِ الثَّقافِيَّةِ فِي تَفْضِيلاتِ البَشَرِ للطَّعام”. وَقَدْ نُشِرَتِ النَّتائِجُ فِي دَوْرِيَّةِ “موليكيولار بايولوجي آند إيفولوشن” Molecular Biology and Evolution.
وهَذا النَّوعُ مِنَ الدِّراساتِ الجَرِيئَةِ لَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الطُّيُورِ فَحَسْبُ، إِذ تَقُول لووج إِنَّ فَرِيقَها يَجْمَعُ عَيِّناتٍ أَثَرِيَّةً مُتَعَلِّقَةً بِالكِلابِ، حَتَّى يَتَسَنَّى لَهُمْ مَعْرِفَةُ كَيْفَ انْقَسَمَ الحَيَوانُ الأَلِيفُ الأَقْرَبُ لِلْبَشَرِ إِلَى هَذِهِ السُّلالاتِ الكَثِيرَةِ المُخْتَلِفَةِ. وَلا شَكَّ أَنَّ هَذا البَحْثَ سَيَكُونُ رائِدًا وجَرِيئًا.
اقرأ أيضًا: الإنسان الأول هاجر إلى السعودية قبل 85 ألف سنة
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.