قد يكون لدى القطط سيفية الأنياب Sabre-Toothed Cats المخيفة جانبٌ رقيق. خاطرت المفترسات في عصور ما قبل التاريخ بتعريض فكاكها وأسنانها القوية للجراح أثناء الصيد، لكن دراسة أحافيرها تُشير إلى أنّ الحيوانات المصابة منها قد تعتمد على أقرانها للحصول على الطعام.
ومنطقة لوس أنجلوس الحضرية Urban Los Angeles هي موطن لحُفر القطران في رانشو لا بريا Rancho La Brea. وخلال معظم السنوات 40 ألف الماضية، حصر القطرانُ اللزج الحيواناتِ التي تجولت عبر هذه الأرض وحَفِظها؛ مما فتح نافذة على حيوانات العصر البليستوسيني Pleistocene period.
وتقول لاريسا ديسانتس Larisa DeSantis، من جامعة فاندربيلت Vanderbilt University في ولاية تينيسي، إنّ ما هو مميز حقًا بشأن حُفر القطران هذه هو أنها حافظت بشكل خاص على أهم الحيوانات المفترسة. وبما أنّ الحيوانات المفترسة العليا تميل أعدادها إلى أن تكون قليلة، فإنّ أحافير الحيوانات التي تتصدر السلسلة الغذائية عادة ما تكون نادرة للغاية. ولكن حُفر القطران عملت بمثابة نبات صيد الذباب للحيوانات المفترسة: فنداءات الاستغاثة من العواشب المحصورة تجذبها وبعدها تقع فيها هي أيضًا.
وقد سُحبت العديد من أحافير القط مسنن الأنياب (سميلودون Smilodon) من القطران حتى تمكنت ديسانتس وزميلها، كريستوفر شاو Christopher Shaw من متحف جورج سي بيج لاكتشافات لا بريا George C. Page Museum of La Brea Discoveries في لوس أنجلوس، البدء بفهم كيف عاشت هذه الحيوانات.
الوجبات المتشاركة
وقارن الباحثان بين 135 جمجمة سليمة مع 21 من جماجم السميلودون التي أظهرت علامات على وجود إصابات في الفك. ووجد الباحثان أنّ نمط الحُفر والخدوش على أسنان الفكاك السليمة أشبه بالذي على أسنان الأسود الحية. بينما النمط الموجود على تلك المصابة أشبه بالذي على أسنان الفهود الحية.
وهذا يخبرنا بشيء عن غذاء القطط في عصور ما قبل التاريخ، فتقول ديسانتس: “الأسود هي طاعمات عامة Generalised feeders، فهي تأكل اللحم والعظم، إلّا أنّ الفهود تميل إلى تجنب العظم.”
وبعبارة أخرى، يبدو أنّ السميلودون عادةً ما تطحن كامل الجثث والعظام وكل شيء، وبمجرد تعرضها لإصابة بالفك، تتحول إلى تناول غذاء طري وسهل.
وتُجادل ديسانتس في أنّ هذا يشير إلى أنّ السميلودون كانت حيوانات اجتماعية، حيث تسمح القطط السليمة للأفراد المصابين بالمشاركة في غذائها. وقدّم الباحثان عملهما في الاجتماع السنوي للجمعية الجيولوجية الأمريكية Geological Society of America في إنديانابوليس يوم الاثنين.
قطط اجتماعية Sociable cats
ومع ذلك، فإن نظريتهم الاجتماعية تفترض أنّ القطط سيفية الأنياب ذات الفكاك المصابة غيرُ قادرة على اقتناص الفريسة. وتُشير دراسة نشرها في الشهر الماضي بلير فان فالكينبيرغ Blaire Van Valkenburgh من جامعة كاليفورنيا University of California في لوس أنجلوس وزملاؤه إلى أنه ربما لم يكن الأمر كذلك.
إذ قارن فريق فان فالكينبيرغ أحافير نوعين من القطط سيفية الأنياب، بما في ذلك السميلودون. وبيّن عمل الفريق أنّ السميلودون كان يمتلك عضّة أقوى من القطط سيفية الأنياب الأخرى قد تُسبب جروح طعن قاتلة. ولكنّ فان فالكينبيرغ يُشير إلى أنّ القطة لديها أيضا أطراف وكفوف قوية للسيطرة على فريسة تُصارع. وهو يعتقد أنّ الأفراد الذين يعانون إصابات في الفك ربما لا تزال لديهم القدرة على قتل فريستهم.
وتفترض فكرة ديسانتس وشاو أن السليمودون كانت قطة اجتماعية – وهي فكرة شكك فيها باحثون آخرون. وفي الشهر الماضي، قدّم شاو دليل من أحافير حُفر قطران لا بريا تُشير إلى أنّ السليمودون يمكن أن تزأر مثل الأسود الحديثة. وهذا يدل على أنّ التواصل ضروري للسليمودون، مضيفًا بذلك المزيد من الأدلة على أنها حيوان اجتماعي، كما يقول.
العيش مع الاصابة
يقول شاو: ” أعتقد أنّ الناس مع مرور العقود، بدؤوا بالتخلي عن الفكرة القائلة إن جميع الحيوانات آكلة اللحوم سيفية الأنياب حيوانات انعزالية.” ويُضيف قائلًا: “كانت بعض هذه الإصابات شديدة لدرجة أنّ الحيوانات المصابة كانت ستستفيد من العيش في مجموعة اجتماعية ترعى الأعضاء المصابين وتوفر لهم الطعام والحماية.”
ليست هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها علماء الحفريات الأحافير من حُفر قطران لا بريا للبرهان على وجود شكل من أشكال الرعاية الاجتماعية في عصور ما قبل التاريخ. وفي عام 2015 نظر فريقٌ مختلف في عظم فخذ ذئب الغابة المستخرج من القطران. ويبدو أنّ العظم يعود إلى ذئب فقد الجزء السفلي من ساقه لكنه عاش بعد البتر. وقال الفريق إنّ هذا قد يُلمّح إلى أنّ الحيوان بقي على قيد الحياة من خلال التغذي بافتراس الحيوانات الأخرى من القطيع.
وقد عكف ستيوارت سوميدا Stuart Sumida في جامعة ولاية كاليفورنيا California State University على دراسة الذئب هذا. ويقول إنّ بحث السليمودون الجديد قد أُعدَّ بعناية، ويُظهر أنّ القطط سيفية الأنياب لم تَنْفَق بسبب إصاباتها بل تعايشت معها. “إنه يعطي صورة أكثر ثراء للبقاء البيولوجيا خلال حياة الحيوانات.”
تم نقل المقال من مجلة العلوم الكويتية بالتصرف.
اقرأ أيضًا: تحليل الحمض النووي لرواسب طينية يكشف تاريخًا جديدًا لـ«النياندرتال»