كشف فريق من الباحثين الأمريكيين المتخصصين في علم الحفريات أن أكتاف الثدييات أدت دورًا كبيرًا فى تحديد كيفية نمو العمود الفقري لديها، وهو ما يفسر اختلاف الشكل النهائي للعمود الفقري بين الحيوانات المختلفة، سواء الزواحف أو الطيور.
ووفق الدراسة، التي نشرتها دورية “ساينس” (Science)، فإن “شكل فقرات العمود الفقري للثدييات يختلف بدرجة كبيرة. فعلى سبيل المثال، يتمتع الإنسان بعظام رقيقة مرنة في الرقبة، بينما تتصل الفقرات الصدرية بضلوعه، كما توجد ضلوع قوية أسفل الظهر عند الفخذين.
ويبدو أن هذه التغيرات ارتبطت بشكل قوي بالتغيرات التي حدثت فى الكتفين. أما العمود الفقري للزواحف فهو أكثر تجانسًا؛ لأن عظامه متشابهة في أجزائه المختلفة”.
ولمعرفة السر وراء التركيبة المعقدة للعمود الفقري في الثدييات مقارنةً بالزواحف، فحص الباحثون العمود الفقري للفئران والتماسيح والسحالي والبرمائيات وحفريات أسلافهم من الثدييات التي عاشت في فترات تراوحت بين 190 و300 مليون سنة، واكتشفوا أن أسلاف الثدييات بدأت تتطور لديها أكتاف صغيرة أكثر مرونةً منذ حوالي 270 مليون سنة.
وفي التوقيت نفسه تقريبًا، حدثت تغيرات فى الجزء العلوي من الظهر، ما أدى إلى تشكل العمود الفقري المتعدد الأجزاء بالشكل المتعارف عليه اليوم.
يقول “كين إنجيلسزيك”، الباحث المشارك في الدراسة، في تصريحات لـ”للعلم”: “إن الأكتاف والعمود الفقري يؤديان دورًا مهمًّا في الحركة، وهذه التعديلات التطورية تعكس مدى التغير الذي حدث في طريقة سيرها وعَدْوِها مقارنة بأسلافها”.
وقد فتحت الأشكال المتطورة والمعقدة للعمود الفقري الباب على مصراعيه أمام تنوع شكل الثدييات. فالفهود مثلًا لديها مرونة في العمود الفقري تسمح لها بالاحتفاظ بالطاقة واتخاذ خطوات كبيرة، في حين يتمتع الإنسان بعمود فقري غير مألوف يجعله يسير مستقيمًا. أما الحيتان، فعمودها الفقري أكثر صلابة، ويحتوي على أجزاءٍ قليلة، مما يتيح لها التحرك بحرية، ويجعلها من أفضل الكائنات فى السباحة.
ومقارنة بذوات الأربع، فإن حركة الثدييات تختلف بين الأنواع، إذ تزحف السحالي، بينما تحرك الطيور -بدءًا من البطاريق وحتى الصقور- أجنحتها بشكل متشابه نسبيًّا. ومن الثدييات ما يجري بسرعة أو يسبح أو يطير أو يتجول على مهل، وبالتالي لا توجد قواعد حاكمة للجميع.
وتحتل الدراسة أهمية كبيرة؛ لأنها توضح كيف تطورت الثدييات، ومن بينها الإنسان، لأشكال لا تُعد ولا تُحصى من حولنا. وقد كانت الحفريات هي الدليل الوحيد المباشر على أصل الحيوانات، وجرت الاستعانة بحفريات ترجع للفترة من 1890 وحتى الخمسينيات من القرن الماضي، وهذا يوضح أهمية متاحف التاريخ الطبيعي.
بدورها، تقول “دينا سميث” -مدير البرامج بقسم علوم الأرض في مؤسسة العلوم الوطنية، والمشاركة في الدراسة- لـ”للعلم”: “إن التغير المبكر في شكل العمود الفقري للثدييات كان خطوة مهمة في تطورها”.
وعن اعتبار الأكتاف “مفتاح لغز لفهم تطور العمود الفقري للثدييات”، يقول “أنجيلسزيك”: “إن دليلنا على ذلك هو حفريات الزواحف التي عاشت في العصر الترياسي، فكلما تطور لديها جزء جديد في العمود الفقري تبيَّن أن موقعه بالقرب من الكتفين. وقد حدثت تغيرات مهمة في شكل الكتفين ووظيفتهما في هذا العصر؛ إذ تغيرت من الإطار القوي الجامد إلى الإطار الأكثر مرونة، وهو ما أدى إلى تطور تدريجي في الحركة”.
ويشرح “أنجيلسزيك” الخطوة القادمة قائلًا: “بدأنا بالفعل تتبُّع تطور وظيفة الكتفين على مر العصور ومدى حركة المفاصل بين الفقرات، والتي تغيرت بمرور الوقت ليصبح العمود الفقري متعدد الوظائف، وهو ما قد يساعد في تفسير سبب تغيرات الكتف والعمود الفقري في التوقيت نفسه من حيث الوظيفة”.
يُذكر أن الفريق البحثي، الذي تترأسه باحثة علم الحفريات بجامعة هارفارد “كاترينا جونز”، حصل على منحة من المؤسسة الوطنية للعلوم لدراسة وظيفة الذراع وتطورها لدى زواحف العصر الترياسي، ما سيُسهم في رسم صورة شاملة للعمود الفقري لدى الثدييات.
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.