انتشرت أنواع بشرية في مروج شبه الجزيرة العربية فيما بين 300 ألف و500 ألف سنة خلت.
لم تصبح شبه الجزيرة العربية موضع اهتمام علم الأحياء القديمة إلا مؤخرًا، ويعود ذلك في جزء منه إلى صعوبات العمل في البيئة الصحراوية، وفي جزء آخر إلى أن الباحثين اعتقدوا أنه من غير المحتمل للأنواع البشرية، أو أشباه البشر، أن تهاجر إلى أراضٍ قاحلة. وخلافًا لنوعنا، نوع الإنسان العاقل الذي يبدو أنه قابل للتكيُّف على نحو فريد مع البيئات القاسية، ربما لم يكن أشباه البشر السابقون عليه قادرين على التكيف مع الأوضاع البيئية المختلفة.
والآن، توحي تحليلات عظام الحيوانات المتحجرة والأدوات الحجرية المكتشفة في تاي الغادة شمالي المملكة العربية السعودية بأن أشباه البشر انتشروا في المنطقة قبل ما كان يُعتقد بـ100 ألف سنة. في ذلك الوقت كانت شبه الجزيرة العربية أرضًا مغطاة بالعشب كالسافانا، وكان مناخها أكثر بللًا مما هو عليه اليوم.
«لم يكن ثمة دليل مباشر على مدى الخضرة التي كانت عليها شبه الجزيرة العربية»، هكذا يقول باتريك روبرتس من معهد ماكس بلانك لعلم التاريخ البشري بألمانيا، الذي قاد الدراسة مع زميليه مايكل بتراجليا وماثيو ستيوارت بجامعة نيوساوث ويلز بأستراليا. ويضيف: «لقد قمنا بحفريات أثرية جديدة وأجرينا تحليلات لأحافير حيوانات محلية من تاي الغادة -وهي المجموعة الوحيدة التي تم تحديد عمرها من أحافير حيوانات العصر الحديث القريب في هذه المنطقة- وذلك في محاولة لمعرفة المزيد عنها».
وقد عثر الفريق على أدوات حجرية وعلامات محفورة على عظام، وهذا يوحي بذبح الحيوانات، ويؤكد وجود أشباه البشر مع تلك الحيوانات قبل ما بين 500 ألف و300 ألف سنة خلت. وهذه أَقدَم مجموعة أحافير ذات صلة بأشباه البشر عُثر عليها في شبه الجزيرة العربية.
وفحص الباحثون بقايا أسنان الحيوانات باستعمال تحليل النظير المشع للكربون والأكسجين؛ بغية تأكيد أنواع النباتات التي تغذت بها الحيوانات.
ويقول روبرتس: «تحدد نظائر الكربون المشعة الموجودة في مينا أسنان الحيوانات العاشبة مدى وفرة النباتات ذات مسارات التركيب الضوئي المختلفة الموجودة في أنواع غذائها. والفارق الرئيسي هو ذاك الموجود بين نباتات التركيب الضوئي الثلاثي الكربون، وهي الأشجار والشجيرات والأعشاب المحبة للظل، ونباتات التركيب الضوئي الرباعي الكربون، وهي الأعشاب ونباتات السعادى المتكيفة مع البيئة الشديدة الجفاف ذات فصول النمو الدافئة. وقد هيمنت نباتات الكربون الرباعي على عيناتنا، وهذا يوحي ببيئات عشبية دافئة شبيهة بالسافانا، على غرار شرق أفريقيا حاليًّا».
ويقول برايان ستيوارت، عالِم الأحافير البشرية بجامعة ميشيجان، الذي لم يشارك في الدراسة: «إن هذه الكشوفات مهمة من ناحيتين: أولًا، يقدم فريق روبرتس تأكيدًا تجريبيًّا قيِّمًا، يتضمن تفاصيلَ عن الترسيبات والنباتات في الظروف البيئية القديمة المحلية. وثانيًا، وهذا أكثر أهميةً في رأيي، هم يقترحون أنه عندما انتقل أشباه البشر، أسلاف الجنس البشري، إلى شبه الجزيرة العربية الخضراء، من المحتمل أنهم احتاجوا إلى عمليات تكيف مبتكرة معينة من أجل العيش هناك. وهذا يعزِّز نمطَ تبايُنٍ واضحًا بين أشباه البشر هؤلاء ونوعِنا من ناحية المرونة التكيفية».
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.