يمكن استخدامها في تطبيقات مثل التخدير ومحفزات إنقاص الوزن والدفاع عن النفس
عندما انطلق الرحالة الإيطالي الشهير “كريستوفر كولومبوس” في رحلته بحثًا عن طريق جديد إلى الهند، لم يفارق ذهنه ضرورة البحث عن حل لمواجهة الطلب الأوروبي المتنامي للحصول على التوابل، وتحديدًا “الفلفل الأسود”، الذي كان سعره آنذاك شبيهًا بسعر “الذهب”، وهو ما تحقق لدى وصوله إلى “أمريكا الوسطى”، التي عاد منها بـ”الفلفل الحار”، الذي يُعد أحد أكثر التوابل “شعبيةً” في العالم.
ويرتبط “الفلفل الحار” بـ”الطماطم” فيما يتعلق بـ”المنظور التطوري” للنباتات بصورة أشبه بـ”علاقة أبناء العمومة”؛ إذ جمع بينهما تاريخ مشترك يعود إلى نحو 19 مليون سنة، وبالرغم من التباينات الكثيرة التي تعرض لها كلا النباتين خلال “رحلة التطور” الممتدة عبر ملايين السنين، فما زالا يتقاسمان بعضًا من الصفات الوراثية المشتركة.
وخلال رحلة التطور تلك، شق نبات الطماطم طريقه باتجاه تصنيفه على أنه فاكهة ذات قوام ممتلئ غني بالمغذيات، أما نبات الفلفل فاتخذ طابعًا دفاعيًّا من خلال تكوين مركب الـ”كابسيسين” (capsaicin)، وهو مُركب نشط يمنح الفلفل مذاقه الحار لدرء الكائنات التي تريد أن تتغذى عليه.
ومن هنا تأتي أهمية الدراسة، التي أجراها فريق من الباحثين البرازيليين ونشرتها دورية “تريندز إن بلانت ساينس” (Trends in Plant Science)، للحصول على طماطم حارة مهندَسة وراثيًّا يمكن استخدامها في تطبيقات شبيهة بتطبيقات الفلفل الحار، مثل “مواد التخدير، ومحفزات إنقاص الوزن، ووسائل الدفاع عن النفس (على طريقة رذاذ الفلفل)”؛ إذ استهدف الباحثون إجراء تعديلات وراثية تساعد الطماطم على إنتاج مركب الـ”كابسيسين” النشط، الذي ينتجه الفلفل الحار.
وأوضح الباحثون أن “الغرض من التجربة لم يكن مجرد إنتاج منتَج من الطماطم الحارة أو استحداث بدعة جديدة فى الطهي، بل إيجاد وسائل سهلة لإنتاج كميات كبيرة من مركب الـ”كابسيسين” تساعد على استخدامه لأغراض تجارية؛ إذ يتميز هذا المركب بخصائص عديدة تمنحه سمات تغذوية عالية، كما يدخل في تصنيع المضادات الحيوية والأدوية المضادة للألم”.
من جهته، يقول “أوجوستين تسوجون” -عالِم النبات في الجامعة الفيدرالية بمدينة “فيكوسا” البرازيلية، والباحث الرئيسي في الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: “إن هندسة المسار الجيني للطماطم ستتيح إنتاج هذا المركب بصورة أسهل وتكلفة أقل لاستخدامه فى العديد من التطبيقات، مثل أدوية التخدير ومحفزات إنقاص الوزن، إضافةً إلى استخدامه وسيلةً للدفاع عن النفس بصورة مشابهة لرذاذ الفلفل”.
ويضيف “تسوجون”: لدينا الأدوات الفعالة لهندسة الجينوم الخاص لأي سلالة، لكننا ما زلنا نواجه تحديًا يتمثل في معرفة الجين الذي يجب تعديله وتحديد مكانه”.
ويعتبر الباحثون أن المذاق الحار الذي يضيفه مركب الـ”كابسيسين” ليس مجرد مذاق فقط، ولكنه رد فعل للألم؛ إذ يعمل هذا المركب على تنشيط الخلايا العصبية الموجودة فى اللسان، والتي تتعامل مع الألم الناتج عن الحرارة، وهو ما يترجمه المخ إلى شعور بالحُرقة.
وتشير الدراسة إلى أن “مركب الـ”كابسيسين” يمنع الثدييات الصغيرة من أكل ثمار الفلفل الحار، في حين أن الطيور لا تشعر بالألم من هذا المذاق الحار”، موضحةً أن “هناك ما لا يقل عن 23 نوعًا مختلفًا من مركب الـ”كابسيسين”، ينتجها لب ثمرة الفلفل الحار. وتختلف حدة الحُرقة الموجودة في ثمرة الفلفل تبعًا للجينات التي تنظم إنتاج هذ المركب”.
يقول “تسوجون”: “معرفة تسلسل “جينوم” الفلفل الحار واكتشاف أن الطماطم لديها القدرة على إنتاج هذا المركب يمهدان الطريق لهندسة الطماطم الحارة، ولكنها ليس لديها الآلية لتفعيلها، ما يعني ضرورة البحث عن وسائل بديلة تساعد على تنشيط الجينات التي تنظم إنتاج هذ المركب بصورة تمهد الطريق أمام إنتاج طماطم معدلة وراثيًّا ذات مذاقٍ حار”.
يضيف “تسوجون” أن “المركبات الكيميائية المسؤولة عن الإحساس بالحُرقة فى الفلفل تمنحه قدرةً أكبر على مقاومة الإصابات الفطرية وندرة المياه. وتتمثل الخطوة القادمة في اكتشاف ما إذا كانت هذه الخاصية ستنتقل للطماطم الحارة بعد النجاح في هندستها وراثيًّا أم لا”.
وعن المعوقات التي تواجه الباحثين لإنتاج هذه الطماطم، يقول “تسوجون”: لا توجد معلومات أساسية كافية حتى الآن عن المسار البيوكيميائي الذي يتحكم في إنتاج مركب الـ”كابسيسين” في الفلفل. ونحتاج إلى معرفة عدد الجينات التي يجب تنشيطها حتى يمكن الاستفادة بذلك العدد في إنتاج الطماطم الحارة، وكذلك معرفة متى وأين يمكن أن يتم ذلك في ثمرة الطماطم للحصول على النتيجة المطلوبة، ويجب التغلب على هذا التحدي خلال فترة قصيرة؛ حتى يمكننا استثمار مزيد من الموارد في هذا المجال البحثي.
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.