باحثون يكتشفون «تطور الغدد النخامية» في مخلوقات غامضة

الصدفة البحتة تقود فريقًا من الباحثين لإعادة كتابة «التاريخ العاصف» للغدة النخامية.. التي كان العلماء يعتقدون أنها ظهرت لأول مرة في الفقاريات

تُعد الغدة النخامية العضو الرئيسي الذي يتحكم في النمو والتكاثر والعديد من العمليات الأخرى المهمة على مستوى الجسم. وكان يُعتقد سابقًا أنها ظهرت لأول مرة مع الفقاريات -أيّ الحيوانات ذات العمود الفقري- إلا أن دراسةً جديدةً نفذها باحثون من جامعة “كاليفورنيا” تُشير إلى بعض النسخ كانت موجودةً بالفعل في نوع من “الحبليات”، وهي مخلوقات غامضة سكنت المياه الضحلة في الماضي.

الغدة التي يبلغ حجمها حجم حبة البازلاء، والموجودة في قاعدة الدماغ، تنتج هرمونات تدفع النمو والتطور الجنسي والتكاثر. ولعقود من الزمان، كان يُعتقد أن الفص الأمامي من الغدة النخامية -حيث تُصنع الهرمونات- هو تطور نشأ في الفقاريات حصرًا، جنبًا إلى جنب مع الأذن والأنف وعدسة العين.

تنص “فرضية الرأس الجديدة” -المقبولة على نطاق واسع- على أن جميع أجزاء الجسم مشتقة من نوع معين من البنية الجنينية الموجودة في الأديم الظاهر، أو الطبقة الخارجية من الجنين، والأديم الظاهر عبارة عن طبقة خلوية جنينية، تتطور منها خلايا الجهاز العصبي وعدسة العين والجلد والقرنية.

ولأن الحيوانات المعروفة باسم “الحبليات” كان لديها أحبال شوكية، لكنها تفتقر إلى العمود الفقري، مما يُفهم منه أنها تمثل خطوة تطورية سابقة، ولم يكن لديها أيضًا “أديم ظاهر”، فقد توقع العلماء عدم وجود غدد نخامية في أدمغتها، لكن الباحثين في جامعة “كاليفورنيا” قدموا دليلًا على أن الغدد النخامية يُمكن أن تتكون عبر خلايا الأديم الباطن.

ويوجد الأديم الباطن عند كل الأجنة، سواء الفقاريات أو اللافقاريات. إذ إنه المسؤول الأول عن تشكيل الأمعاء والأعضاء الملحقة بها.

يشير الباحثون، في دراسة نشرتها دورية “ساينس” (Science)، إلى أن “الغدة النخامية يُمكن أن تتكون من الأديم الباطن، وهذا يعنى أن لها تاريخًا تطوريًّا أطول مما كان يُعتقد سابقًا”.

وباستخدام أحدث التقنيات أعاد الباحثون النظر في الملحوظات القديمة، التي تثبت هذه الفكرة بأن هناك مساهمة للأديم الباطن في الغدة النخامية. كما راجعوا أيضًا الأفكار حول نوع الهيكل الجنيني للغدة النخامية، ومتى تطورت لأول مرة.

يقول “جيج ديكوير كرامب” -أستاذ الخلايا الجذعية والطب التجديدي، وأحد مؤلفي تلك الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: للغدة النخامية تاريخ عاصف، والدراسة التي أجريناها تُعيد كتابة ذلك التاريخ.

درس “كرامب” وزملاؤه سمك الزرد، وهو نوع مفيد كنموذج معملي جزئيًّا؛ إذ كشف العلماء بشكل شبه كامل عن تاريخها التطوري، كما أن عملية تخصيب بويضاتها تتم بشكل كامل خارج أجسامها، وتكون الأجنة تقريبًا قابلة للاكتمال.

استخدم فريق البحث طرقًا معمليةً جديدةً لاختراعهم الخاص لتتبُّع الخلايا التي انحدرت منها تلك الأسماك خلال مرحلة البلوغ، وقاموا بتصوير جميع مراحل نمو السمكة باستخدام مجهر قوي، كما أجروا كشفًا كاملًا لتسلسل الحمض النووي الريبي أحادي الخلية، في محاولة لفهم الخلايا محل الدراسة.

يقول “كرامب” إن عمليات التصوير أظهرت إن الغدة النخامية تنشأ من خلايا داخل كل من الأديم الظاهر والأديم الباطن.

كان من المعروف أن الحبليات، التي نشأت منها الفقاريات قبل 500 مليون سنة، تمتلك بنيةً تشبه الغدة النخامية للفقاريات، ومع ذلك فإن هذه البنية الشبيهة بالغدة النخامية مشتقة فقط من الطبقة الجنينية الداخلية للخلايا، ونظرًا إلى أن تطور الغدة النخامية جاء من نوع مختلف من الخلايا، فقد شكك العديد من العلماء في علاقته بالغدة النخامية الفقارية.

يضيف “كرامب”: ومع ذلك، فإن النتائج التي توصلنا إليها -من أن الغدة النخامية للفقاريات يمكن أن تنشأ في الواقع من الطبقات الداخلية والخارجية للخلايا الجنينية- تشير إلى أن الغدة النخامية كانت موجودةً بالفعل في أسلافنا من الحبليات، ثم اكتسبت مساهمات جديدة من الطبقة الجنينية الخارجية في أثناء التطور، وبالتالي فإن الغدة قد يكون لها تاريخ تطوري أطول مما كان يُعتقد سابقًا؛ إذ إنها لم تنشأ في الفقاريات الأولى، بل في وقت مبكر جدًّا في أسلافنا الحبليات.

توصل الباحثون إلى نتائج تلك الدراسة بالصدفة البحتة. يقول “كرامب”: كنا نبحث في دور الأديم الباطن (الطبقة الجنينية الداخلية) في تشكيل الهيكل العظمي للوجه. وفي دراسات سابقة، وجدنا أن عيوبًا في نمو الأديم الباطن أدت إلى فقدان وتشوهات في عظام الفك، بالإضافة إلى عظام وغضاريف أخرى في الجمجمة والوجه. لذا أنشأنا أداةً وراثيةً جديدة في أسماك الزرد تسببت في توهج خلايا الأديم الباطن تحت الضوء الأزرق، مما سمح لنا بمتابعة ما فعلته هذه الخلايا على مدى عمر سمكة الزرد. وبشكل غير متوقع، وجدنا بعضًا من خلايا الأديم الباطن المتوهجة هذه في الغدة النخامية، والتي كان يُعتقد سابقًا أنها تحتوي فقط على خلايا طبقة الأديم الظاهر الخارجية.

بعد ذلك، فحص الباحثون الغدة النخامية لهذه الحيوانات بمزيد من التفصيل، ليجدوا أن خلايا الأديم الباطن يمكن أن تنتج أيضًا هرموناتٍ رئيسيةً مثل هرمون النمو.

وبالإضافة إلى ذلك، عندما أزال الباحثون خلايا الأديم الظاهر وراثيًّا، وجدوا أن خلايا الأديم الظاهر يمكن أن تتولى المسؤولية وتشكل الغدة النخامية تمامًا بمفردها.

يقول “كرامب”: استمر العمل على تلك الدراسة ثلاث سنوات كاملة، وتشير النتائج التي توصلنا إليها إلى أننا لا نزال نجهل الكثير عن الطريقة التي تطورت بها أعضاؤنا الداخلية.

تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.

اقرأ أيضًا: بقايا حفرية لصيادة ماهرة تثبت خطأ فرضية «الرجل الصياد»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *