يمكن أن تؤدي الخفافيش مصاصة الدماء إلى نقل مسببات الأمراض مثل فيروس داء الكلب.. وفهم إستراتيجيتها في البحث عن الغذاء يساعد في رصد انتشار الأمراض على نحوٍ أكثر دقة.
كشفت دراسة أجراها باحثون من جامعة ولاية أوهايو الأمريكية أن الخفافيش مصاصة الدماء تستفيد بشكل كبير من “الصداقات” التي تكونها خلال مكوثها في المَجْثم (بيت الخفاش)، للتنسيق فيما بينها في أثناء البحث عن الطعام في البرِّيَّة.
وتتغذى الخفافيش مصاصة الدماء على دماء الأبقار والماشية التي تجمعها في رحلتها للبحث عن الطعام في البريّة، بينما تبني صداقات فيما بينها من خلال تشارُكها في الدم الذي يتقيؤه أحدها في فم الآخر في المَجْثم، ويمكن لتلك الخفافيش أن تواجه الموت جوعًا إذا لم تتناول الطعام ثلاثةَ أيام، ومن هنا، فإن مشاركتها للدم يمكن أن تكون بمنزلة عملية إنقاذ حياة.
وخلال العقود الماضية لم تتوصل الأبحاث إلى معلومة حول ما إذا كان هذا التعاون بين الخفافيش مصاصة الدماء في المَجْثم يمتد إلى البرية حينما تبحث عن فرائسها.
لاختبار ذلك، وضع الباحثون أجهزة كمبيوتر بالغة الصغر على ظُهُوْر 50 خفاشًا مصاصًا للدماء، بعضها كان في الأسر سابقًا معًا، وأخرى عاشت فقط في البرية، لتتبُّع حركتها فيأثناء نزهتها الليلية للبحث عن الطعام، وفق دراسة نشرتها دورية “بلوس بيولوجي” (PLOS Biology).
في النهار، كانت الخفافيش تشترك في شجرة مجوفة، أما في الليل فكانت تحصل على وجباتها عن طريق شرب الدم من الجروح التي أصابت الأبقار في المراعي المجاورة، وأظهرت بيانات التتبُّع أن الخفافيش مصاصة الدماء بدأت البحث عن الطعام بشكل منفصل وليس في مجموعات، وأن الخفافيش التي أقامت علاقاتٍ اجتماعيةً تعاونت كنوع من التنسيق في أثناء البحث عن الطعام.
وكشفت نتائج الدراسة أن “تكوين صداقات” في المَجْثم يمكن أن يخلق مزيدًا من الترابط بين الخفافيش مصاصة الدماء، ما يعني أنه يمكن أن يستفيد بعضها من نجاح بعض في الحصول على وجبات الدم، لتوحيد قواها عند التنافس مع مجموعات أخرى من الخفافيش على الموارد الغذائية في البرية.
يقول جيرالد كارتر، الأستاذ المساعد بقسم التطور والإيكولوجيا والبيولوجيا العضوية في جامعة ولاية أوهايو الأمريكية، وقائد فريق البحث: “إن المعلومات المتوافرة عن الخفافيش مصاصة الدماء كانت مستقاةً من سلوكها معًا داخل المَجْثم، لكن ما لم يُعرف من قبل هو ما إذا كانت هذه العلاقات الاجتماعية تخدم هذه الخفافيش في أثناء التجول خارج مستعمراتها”.
يضيف “كارتر” في تصريحات لـ”للعلم”: تفتح هذه الدراسة نافذةً جديدةً مثيرةً في الحياة الاجتماعية لهذه الحيوانات، وإمكانية إجراء دراسات مماثلة لتتبُّع الشبكات الاجتماعية لحيوانات ليلية صغيرة أخرى يصعب ملاحظتها مباشرةً مثل الخفافيش، وقد نتمكن في المستقبل من تتبُّع كل اتصال فردي بين الخفافيش وفريستها أو مضيفها.
وبفضل أجهزة الكمبيوتر الدقيقة المثبتة على ظُهُوْر الخفافيش، أمدّت مستشعرات التقارب عالية التقنية، فريقَ البحث بنظرة نادرة على كيفية الحفاظ على الصداقات التي شكلتها الخفافيش مصاصة الدماء في الأَسْر عندما عادت إلى البرية، وعلى مدار أسبوعين، رصدت أجهزة الكمبيوتر بيانات حوالي 400 ألف اجتماع فردي للخفافيش المشاركة في الدراسة.
واستكمل سيمون ريبرجر -باحث ما بعد الدكتوراةفي جامعة ولاية أوهايو، والمؤلف المشارك في الدراسة- بيانات التتبُّع من خلال التقاط مقاطع الفيديو والصوت لخفافيش مصاصي الدماء التي تبحث عن الطعام، ولاحظ أن الخفافيش تتجمع معًا على بقرة واحدة وبعضها الآخر فوق أبقار منفصلة، وبعضها يشرب من جروح مختلفة وبعضٌ يتشاجر على الوصول إلى الطعام، ورصد أيضًا ما يُرجح أنه التسجيلات الصوتية الأولى لنوع معين من نطق الخفافيش مصاصة الدماء، مرتبط بالبحث عن الطعام.
يقول “ريبرجر” في تصريحات لـ”للعلم”: سجلنا أيضًا نوعًا جديدًا من المكالمات الاجتماعية في أثناء البحث عن الطعام لم نشهده من قبل في الأَسْر أو داخل المَجْثم، ويمكن أن تساعد تلك المكالمات الخفافيش في تنسيق العثور على شريك اجتماعي في أثناء البحث عن الطعام.
وأضاف: وجدنا أن الخفافيش مصاصة الدماء التي يعتني بعضها ببعض وتتشارك الطعام (أي تحافظ على علاقة اجتماعية)، تتغذى معًا، ومع ذلك، فإنها تغادر المَجْثم فُرادى وتلتقي لاحقًا في أثناء البحث عن الطعام.
وعن أهمية هذه النتائج، أشار إلى أن العلاقات الاجتماعية التي جرت دراستها بشكل أساسي حتى الآن داخل المَجْثم تمتد أيضًا إلى البرية، وأن هذا الاكتشاف مهم لفهم تطور السلوك الاجتماعي لدى الخفافيش مصاصة الدماء.
وتابع: علاوةً على ذلك، هناك أيضًا جانب تطبيقي لبحثنا؛ إذ تتغذى الخفافيش مصاصة الدماء في بنما بشكل أساسي على الماشية، ويمكنها نظريًّا نقل مسببات الأمراض مثل فيروس داء الكلب، ويمكن أن يتسبب هذا في خسارة اقتصادية للمزارعين إذا مرضت الأبقار، لذلك، من المهم فهم إستراتيجيات الخفافيش في البحث عن الغذاء، ومعرفة عدد الأبقار المختلفة التي يهاجمها الخفاش على مدار فترة زمنية، وذلك من أجل رصد نموذج انتشار الأمراض رصدًا أكثر دقة، وكذلك بالنسبة للماشية.
وعن خطواتهم المستقبلية، أوضح “ريبرجر” أن “الفريق يعمل حاليًّا على جمع البيانات من الخفافيش والأبقار التي تتعرض لهجمات الخفافيش؛ من أجل فهم ديناميكيات شبكات المفترس والفريسة من أجل معالجة المشكلات المذكورة”.
تم نقل المقال من Scientific American بالتصرف.
اقرأ أيضًا: علم أحياء الحفريات