يوم الإحسان العالميّ هو إحتفالٌ عالميٌّ يستمر لمدة 24 ساعةً وهو مكرّس للقيام بأعمال الخير والإحسان.
نحن نشجّع على القيام بأعمال الخير مثل التبرّع بالدم وتنظيف الميكروويف في العمل أو التطوّع في دار المسنين وما شابه.
وحتى من دون التشجيع على القيام بهذه الأعمال في يومها العالميّ، فإنّ الإحسان والإيثار هما غريزتان منتشرتان بصورةٍ كبيرةٍ بين البشر والحيوانات، إذ يتبرّع العديد من الناس للمؤسّسات الخيريّة ويشعرون بسعادةٍ عارمةٍ عند تبرّعهم.
وفي المملكة الحيوانيّة، تُظهِر العديد من الحيوانات إحسانها عن طريق امتناعها عن العنف في حلّها للنزاعات.
حتى إنّهم قد يستخدمون طرق قتالٍ غير مؤذيةٍ نسبيًا.
فعلى سبيل المثال، شجار ذكور السرطان الكماني حول حجرٍ ما وعدم استخدامهم لكماشاتهم العملاقة، وأيضًا الحيات الجُلجُلِيّة عندما تتصارع مع بعضها البعض لكن دون استخدام العضّ، بالإضافة إلى مساعدة البونوبو للغرباء من دون طلبهم للمساعدة.
الفوائد المكتسبة من تلقيّ الإحسان واضحةٌ بشكلٍ حدسيٍّ.
في الواقع، يبدو أنّ وجود الإحسان والإيثار يتناقض بشدةٍ مع نظريّة التطوّر لدارون، والتي تنص على أنّ التطوّر هو عمليّةٌ تنافسيّةٌ للانتخاب الطبيعيّ حيث البقاء للكائن المُتلائم مع البيئة فقط.
وعلى سبيل المثال، سلوك الإيثار الذي يتّبعه النمل – عندما يقومون بحماية مستعمراتهم من الحيوانات المفترسة الخطيرة – يطرح مشكلةً اعتبرها داروين نفسه (تعجيزيةً، ومدمرةً لنظرية التطوّر بأكملها).
إذًا كيف تطوّر سلوكٌ كهذا، ولماذا لم يُقضى عليه عن طريق عمليّة الانتخاب الطبيعيّ؟
حاول العديد من الباحثين الخوض في هذه المشكلة على مرِّ السنين.
وسوف نقوم بعرض أكثر الأفكار أهميّةً في هذا المقال.
ما هو الإحسان؟
أولى المحاولات التي حاولت تفسير تطوّر الإحسان – منذ زمن دارون وما بعده – اعتمدت على فرضيّةٍ مُعينةٍ تقول بأنّ الأفراد يتصرّفون بطريقةٍ تعاونيّةٍ لمصلحة مجموعتهم أو جنسهم، بغض النظر عن الثمن الشخصيّ.
كانت هذه النظرية أي (نظرية انتخاب المجموعة) التفسير الوحيد على مرِّ القرون، ولكنّ الآن يشكك الباحثون في هذه النظرية.
كيف تطوّرت المجموعات التعاونيّة والتي يُزعم بأنّها استطاعت النجاة بصورةٍ أفضل من المجموعات التنافسيّة؟
توفّر نظرية الجينة الأنانية الأخيرة – والمعروفة بصورةٍ كبيرةٍ من خلال كتاب ريتشارد داوكنز الأكثر مبيعًا أو (الصلاحيّة الشاملة) – جزءًا من الجواب فهي تنصّ على أنّ الانتخاب الطبيعيّ يقوم بتفضيل الإحسان نحو الأقارب الذين يشبهوننا ويتشاركون معنا بالجينات نفسها.
مساعدة قريبٍ ما، هي طريقةٌ لنقل نسخٍ من جيناتنا، وهي تساعد الفرد الذي يقوم بالإحسان بمقدار ارتباطه بالفرد المتلقّي للإحسان.
ولكنّ هذه النظريّة لا تفسر إحساننا نحو الأشخاص الذين لا نتشارك معهم بأيّ جيناتٍ مشتركةٍ.
ولذا في حالة الأفراد غير المرتبطين، وضِعَت نظريةٌ أخرى.
وهذه النظريّة هي نظرية الإيثار المتبادل والتي تتضمّن فكرة (سأقوم بحك ظهرك إذا قمت بحك ظهري)، والتي تكوّن استراتيجيةً يستفيد منها الطرفان.
فإذا قام فردان غير مرتبطين بدورهم في الإحسان، فإنّهم سيقومون بإنشاء علاقةٍ من التعاون المتكرّر الذي سيخدم الطرفين.
في حقيقة الأمر، هنالك بعض المشاعر الاجتماعيّة مثل الشعور بالذنب والشعور بالامتنان والتي من الممكن أن تكون متطوّرةً لمعرفة وتجنّب الغش في هذا النظام، وبالتالي تعزيز العلاقات المتبادلة والتي تُعتبَر مهمّةً للغاية في تطوّر الإنسان.
ماذا عن الغرباء؟
ولكن هذه النظرية لا تُفسر إحساننا نحو الغرباء الذين لن نتوقّع رؤيتهم من جديد.
في حالةٍ مثل هذه، من الممكن القيام بالإحسان عن طريق التبادليّة غير المباشرة.
يحدث هذا الأمر عندما نرى الناس يتصرّفون بعطفٍ تجاه الآخرين، وبالمقابل سيتصرّف الآخرون بعطفٍ وإحسانٍ نحوهم.
أظهرت الأدلّة الواقعيّة أنّ الناس يميلون إلى مساعدة الغرباء إذا لاحظهم الأشخاص سابقًا يتصرّفون بإحسان.
وبالتالي، فإنّ الجميع متحمّسون لزرع سمعةٍ طيّبةٍ متعلّقة بالإحسان، عن طريق قيامهم بأفعالٍ سخيّةٍ سيعرف الآخرون بشأنها.
سمعةٌ مثل هذه من الممكن أن تثير الإحسان في الآخرين، وقد تؤدّي إلى فوائدٍ طويلة الأجل.
ولكن هذا لا يفسر الإحسان في بعض المواقف عندما لا يكون هنالك أيّ شخصٍ يراقبنا.
في هذه الحالة، طُرِحَت فكرة العقاب الإيثاريّ.
وتنصّ هذه النظرية على أنّ الناس لديهم غريزةٌ مزروعةٌ بداخلهم تجعلهم يرغبون في معاقبة الأشخاص غير الوديين والأنانيين عن طريق التشهير بهم أو نفيهم أو مواجهتهم بصورةٍ مباشرةٍ.
عقابٌ مثل هذا هو عقابٌ إيثاريّ لأنّه يوفّر الخير للعامة على حساب الوقت والجهد وخطر الانتقام من المُعاقِب. وثق باحثون بعض الأدلّة التي تخص العقاب الإيثاريّ على مدى العديد من السكان والثقافات.
ولهذا يعمل خطر المعاناة من العقاب الإيثاريّ عمل الضغط الاجتماعيّ للتصرّف بلطفٍ وإحسانٍ، حتى إذا لم يكن بإمكان أيّ أحدٍ رؤيتك تقوم بهذا الأمر.
وإذا نظرنا إلى الموضوع بأكمله فسنلاحظ من خلال هذه النظريات أنّ الإحسان لا يتناقض مع عمليّة الانتخاب الطبيعيّ لداروين.
إنّ الإحسان أمرٌ عقلانيٌ. ولكن هل تقوّض عقلانيته جاذبيّته التلقائيّة؟
وهل يعتبر الإحسان تعبيرًا سلوكيًّا متنكّرًا بالأنانية بصورةٍ دقيقةٍ؟
في الوقت الذي يحتدم فيه النقاش الفلسفيّ، قد يكون من المطمئن أن نتذكر دائمًا أنّه مهما كان الدافع، فإنّ أفعال الإحسان لا تحسّن فقط الرفاهيّة الإجتماعيّة، بل تجعل شعورك رائعًا عند ممارستك للإيثار.
اقرأ أيضًا: