ظلَّ علماء الأحياء يُفكّرون في التغيير التطوري منذ أن قام تشارلز داروين بتفسيره لأول مرة! وذلك عن طريق استخدام الأدوات الجُزيئية الحديثة بالإضافة إلى العمل الميداني، فتمكن عالم الأحياء من جامعة نبراسكا لينكولن وهو جاي ستورز (Jay Storz) وزملائه ولأول مرة من إثبات قدرة الأنواع المختلفة على اتباع مسارات وراثية مختلفة من أجل تطوير نفس الصفة!
يقول كل من ستورز وسوزان روزوسكي (Susan J. Rosowski) وهي برفسورة في علوم الأحياء: «لا يزال هناك سؤالٌ باقٍ إلى الآن في علم الوراثة التطوري حول إمكانية التنبؤ بالتغير الوراثي». وبعبارة أخرى، هل خضعت الأنواع التي تملك صفة نافعة مشتركة لنفس التغيرات الوراثية من أجل تطوير هذه الصفة؟ أم هل تطورت هذه الصفة من خلال مسارات وراثية مختلفة وبالتالي فهي غير قابلة للتنبؤ؟
لقد تبين أنّ الإنتقاء الطبيعي – وهو من العمليات التطورية الرئيسية – يُمكنها إنتاج صفات مُفيدة مُماثلة ضمن الأنواع المختلفة. ولكن على المستوى الجزيئي، تميل التغيرات التطورية إلى أن تكون شديدة الغرابة، وبالتالي فهي أقل قابلية للتنبؤ.
ولمعرفة ذلك، تحوّل ستورز لدراسة الطيور التي تعيش في جبال الأنديز في أمريكا الجنوبية. ومن خلال مقارنة أنواع الطيور التي تعيش على ارتفاعات عالية مع نظائرها في الأراضي المنخفضة، استنتج فريقه أنّ طيور المرتفعات طوَّرت خلايا دم حمراء تملك بروتينات الهيموغلوبين القادرة على ربط الأكسجين بسهولة أكبر. إنّ هذه الصفة تُعتبر مُفيدة للأنواع الموجودة في بيئات ذات مستويات أكسجين منخفضة كالجبال.
وقد قام ستورز وفريقه بفحص بروتينات الهيموغلوبين المأخوذة من أنواع عديدة تعيش في المرتفعات، وتمكنوا من تحديد الاختلافات أو الطفرات المُتواجدة في بُنيِّة البروتين والمسؤولة عن إظهار هذه صفة. وفي معظم الحالات، فإنّ التغير في وظيفة البروتين ضمن هذه الأنواع المختلفة كان سببه وجود طفرات عديدة.
يقول ستورز: «يُشير ذلك إلى وجود العديد من الطفرات المُحتملة التي يُمكنها إنتاج النمط الظاهري ذاته (الصفة). ويتابع قائلًا: «لا نستطيع التنبؤ بالطفرات المُحددة المسؤولة عن هذه التغيرات».
وهناك سبب محتمل لهذا التنوع وهو أنّه خلال التطور، فإنّ بروتينات الهيموغلوبين التابعة لمختلف الأنواع قامت بمراكمة مجموعة الطفرات الخاصة بكل نوع من هذه الأنواع. وبالنظر إلى هذه الخلفية الوراثية المتميزة، فإنّ الطفرة التي تُنتِج الصفة المُفيدة في أحد الأنواع، يُمكنها إنتاج أثر ضار عند نوعٍ مختلف.
من أجل إختبار هذه النظرية، استخدم فريق ستورز أدوات الهندسة الوراثية لإعادة بناء بروتينات الهيموغلوبين التابعة لأسلاف العديد من الطيور بما في ذلك السلف المشترك لجميع الطيور، والذي عاش قبل حوالي 100 مليون سنة. وقد نتج عن هذه العملية ظهور تأثيرات مختلفة وعديدة بشكل أكبر ممّا هي عليه في الطيور المُعاصرة.
ومع تقدم التطور عبر الزمن، تراكمت طفرات مختلفة ضمن أنواع معينة وفي بيئات مختلفة. فعلى سبيل المثال، تُطبِّق عملية الإنتقاء الطبيعي الضغوط ذاتها على الأنواع لكي تتأقلم مع العيش في المرتفعات. ولكن يجب على عملية التكيف هذه اتخاذ مسارات وراثية مختلفة لكي تتم. يقول ستورز: «إنَّها ظاهرة جيدة ساهمت نتائجنا في استكشافها». ويُتابع فريقه باستكشاف التأثيرات التاريخية على التكيف الوراثي.
اقرأ أيضًا: كيف زودت العملية التطورية أيدينا بخمسة اصابع ؟
المصدر: phys.org