هو إنسان جيناته ضحايا للانتخاب الطبيعي وأفراده ضحايا لتطهير عرقي محتمل. فقد تزاوج الإنسان الحديث (Homo Sapiens) مع إنسان نيادرتال (Neanderthals) قبل عشرات الآلاف من السنين ولكن ا ل دنا (DNA) الخاص بإنسان نيادرتال لا يشكّل الآن سوى 4% فقط من جينات غير الأفارقة من الإنسان الحديث.
ولفهم الكيفية التي فقد بها الإنسان الحديث المادة الوراثية الخاصة بإنسان نيادرتال وكيفية بقاء كل من الإنسان الحديث وإنسان نيادرتال كنوعين منفصلين رغم تزاوجهما قام جيورك (Juric) وزملائه بتطوير طريقة مبتكرة لتقدير قوة الانتخاب الطبيعي ضد المادة الوراثية لإنسان نيادرتال، حيث وجدوا بأن الانتخاب الطبيعي قد أزال من المادة الوراثية للإنسان الحديث العديد من الحلائل الخاصة بإنسان نيادرتال والتي قد تحمل تأثيرات سلبية طفيفة.
يعتقد العلماء بأن تلك الاختلافات الجينية كانت قادرة على البقاء في المادة الوراثية لإنسان نيادرتال لأن الأخير كان يشكّل كثافة سكانية قليلة جداً بالمقارنة مع الإنسان الحديث وما إن انتقلت تلك الحلائل إلى جينات الإنسان الحديث حتى خضعت إلى الانتخاب الطبيعي, الأمر الذي يكون أكثر فعالية في المجتمعات ذات الكثافة السكانية العالية, والذي استطاع أن يحذف تلك الحلائل أو التنويعات الجينية.
إن هذه الدراسة هي المحاولة الأولى من نوعها لقياس قوة الانتخاب الطبيعي ضد جينات إنسان نيادرتال كما أنها عمّقت فهم كيفية مساهمة إنسان نيادرتال في تكوين جينات الإنسان الحديث.
إضافة إلى ذلك فإن هذه الدراسة قد أكدت التقارير السابقة التي تقول بأن سكان شرق آسيا يملكون مستوى أعلى من جينات إنسان نيادرتال .
هذه النتائج مجتمعة سلّطت الضوء على علاقة حجم الكثافة السكانية بفقدان أو الأحتفاظ بجينات إنسان نيادرتال في الخريطة الجينية للإنسان الحديث كما وأضافت الكثير إلى فهمنا لإقربائنا الأقرب, إنسان نياتدرتال.
وبخصوص تلك الدراسة, يقول إيفان جيورك (Ivan Juric) : ” لفترة من الوقت نحن نعرف الآن بأن تهجيناً قد حصل بين الإنسان الحديث ولإنسان نيادرتال، العديد من الأوربيين والآسيويين إضافة لغير الأفارقة من البشر هم أحفاد ذلك التهجين.
العديد من الدراسات السابقة أيضا أظهرت أن الإنسان الحديث قد فقد – بعد ذلك التهجين – العديد من التنويعات الجينية الخاصة بإنسان نيادرتال بسبب الإنتقاء, ما نريده نحن هو فهم أفضل لسبب ذلك الفقدان.
نتائجنا الآن متطابقة مع سيناريو معيّن وهو أن الخريطة الجينية كانت تحتوي على العديد من الجينات الضّارة التي استطاعت أن تصل إلى الإنسان الحديث بعد التهجين بسبب كون الانتخاب الطبيعي لم يكن فعّالاً في الكثافة السكانية الصغيرة الخاصة بإنسان نيادرتال, الجينات التي سرعان ما حُذفت بواسطة الانتخاب الطبيعي ما إن وصلت إلى الخريطة الجينية للإنسان الحديث ذو الكثافة السكانية الكبيرة ونحن نعتقد بأن هذا التفسير البسيط يتطابق مع نمط وجود سلالة النيادرتال التي نراه اليوم في الخريطة الجينية للإنسان الحديث. ”
من دراستنا, نحن لا نستطيع أن نفسّر تلك الإختلافات بالتركيبة السكّانية فقط, فعلى سبيل المثال، ربما قد تكوّنت جينات ضارة فقط في الهجين المؤلف من الإنسان الحديث وإنسان نيادرتال, الهجين الذي قد يكون تعرّضه إلى انتخاب جنسي أو أي نوع آخر من الانتخاب خلال فترة التهجين تلك عملية هامة أدت إلى فقدانه.
( بمعنى آخر نستطيع أن نقول بأن الإختلاف بين النوعين- الإنسان الحديث وإنسان نيادرتال – لم يكن كبيرا جدا للدرجة التي يكون فيها المولود غير قادر على التزاوج وتمرير جيناته , كما في البغل الناتج من تزاوج الحمار والحصان, وبنفس الوقت لم يكونا نوعا واحدا الأمر الذي سيسمح باندماج كامل وتمرير لخريطتيهما الجينية, نعم كان الإختلاف ” بين بين ” الصورة التي لم تسمح باندماج الجنسين بشكل كامل ولكنها سمحت , في أحيان نادرة جداً, بولادة أبناء قادرين على التزاوج وتمرير جيناتهم الأمر الذي سمح لبعض الجينات النيادرتالية المحضوضة بالوصول إلى الخريطة الجينية للإنسان الحديث.
السؤال المهم الذي يُطرَح الآن هو, أين ذهب إنسان نيادرتال إذاً ؟ وإذا كان موجوداً كنوع منفصل و مواز للإنسان العاقل (Homo Sapiens) فلماذا لم يتبق الآن على الأرض سوى الأخير ؟ الإجابة على هكذا تساؤل ستكون كاحتمالات فقط.
نعم, ربما أدت القدرة المتطورة على الصيد والتغذية التي يملكها الإنسان العاقل إلى إندحار إنسان نيادرتال وانسحابهم تدريجا من الأراضي ذات الموارد الأمر الذي أدى إلى انقراض نوعهم ببطئ الأمر الذي قد استثنى بعض الأفراد القليلين الذي استطاعوا أن يندمجوا ضمن مجموعات الإنسان الحديث والاحتمال الثاني, الأشد قسوة , هو أن الإنسان العاقل قد ارتكب أول حملة للتطهير العرقي في التاريخ كان ضحاياها نوع كامل من الإنسان, أقربائنا الأقرب, إنسان نيادرتال, تطهير عرقي بسبب التنافس على ذات الموارد الغذائية المتشابهة ؟ ربما, بسبب اعتبار إنسان نيادرتال كنوع إنساني ولكنه مختلف مظهريا ومنافس بنفس الوقت, احتمال وارد أيضا.)
“مع كل هذا , يضيف إيفان جيورك (Ivan Juric) , لا أزال أجد الأمر جذاباً بأن أفكر فيما لو استطاع إنسان نيادرتال الوصول إلى كثافة سكانية كبيرة في أوربا قديماً أو فيما لو نمت مجتمعات الإنسان الحديث بصورة أبطأ مما كانت عليه لكان بعضنا اليوم قد يحمل جزءا أكبر بكثير من سلالة إنسان نيادرتال في جيناته” , الأمر الذي ربما سيجعلنا بصفات مظهرية وجينية مختلفة عمّا نحن عليه الآن.
اقرأ أيضًا: دور النار في وصول الإنسان إلى قمة هرم السلسلة الغذائية
المصدر: sciencedaily